"الدوندو": كي لا ننسى

21 يونيو 2016
(لقطة من الإعلان)
+ الخط -

صغارًا كنا أمام شاشات التلفاز، نتابع قبيل دخول أطباق الاستقبال إلى منازلنا القنوات الأرضية المصرية، وعن ظهر قلب نحفظ فواصلها الإعلانية، "كوفرتينا على العريس يبقى هيتجوز ويهيص"، صورة كرتونية لامرأتين تتحدثان، مع أصوات لقُبلة كوميدية، لكن الصغار لم يكرّروا ذلك أبدًا حتى صاروا كبارًا، فبدأ الهمز واللمز، عما وراء المعنى.


إعلان شوكولاتة كوفرتينا
في ورقة بحثية عام 1983، تقول دونا كروس، أستاذة الطب والعلوم الصحية في جامعة غرب أستراليا، تحت عنوان الإعلان بين التضليل وخلق الحاجة واستمالة الخوف، إن الناس يتقبلون الإعلانات على أنها ليست حقيقية، ومع ذلك فإنهم لا يفهمون الطريقة التي تؤثر فيهم بها، وبالتالي فهي تظل مقبولة لديهم.

تتابع كروس موضحةً أن الإعلانات تستخدم تكتيكين، الأول هو تجريح الكرامة والثاني هو الخوف أو الطوق حول العنق. بمعنى أن الإعلانات تخبرنا، مثلًا، إن لم نسلك طريقها، فإن الزوجة لن تقبل زوجها، الجيران والأًصدقاء سيسخرون من صديقهم إن لم يتبع السيناريو المقدم في الإعلانات، باستخدام منتجها أو عباراتها.


شوكولاتة جيرسي
تبدأ القصة عند جيل الثمانينيات، بإعلان عن نوع شوكولاتة "جيرسي"، الذي يظهر فيه الممثلون باعتبارهم قططاً، ويتغنون بعبارات ما لبثت أن انتقلت إلى الشارع المصري، ويردّدها الشباب: "بستك نو.. شيكولاتة جيرسي واكلة الجو"، وهو ما أطلق عليه في حينها "معاكسة"، وليس تحرشًا.

تقول هادية حسب الله، في مجلة "الحوار المتمدن"، العدد 2909 الصادر بتاريخ 6 شباط/ فبراير 2010، إن طالبة تدعى مناهل عبد الله، من مدرسة علم النفس في جامعة الأحفاد، قامت ببحث حول الطابع الجنسي للإعلان وأثره النفسي على الفتيات من عمر 8-14 سنة،  أوضحت أن البرامج التلفزيونية تستقطب غالب وقت الفتيات؛ إذ إن 75% أجبن بأنهن يقضين ما بين ساعة إلى ثلاث ساعات من وقت فراغهن في مشاهدة التلفزيون، كما أن 62% منهن تجذبهن البرامج التي تعرض النساء في ملابس أنيقة، و75% يتابعن برامج الموضة والمكياج، و72% يعتبرن شخصياتهن المفضلة هن الممثلات والمغنيات، و65% يرغبن في أن يكن على الصورة الجسدية لبطلاتهن. وأجابت 55%منهن أنهن يعرفن كل استعمالات أدوات المكياج، كما أجابت 62% بأنهن يستعملن المكياج بعض الأحيان و40% يستعملن المكياج طوال الوقت.

وتعقب هادية قائلة، إن إعلانات الشيكولاتة تحديدًا تظهر المرأة ككائن رغائبي بصورة مبالغ فيها، فإما أن تظهر المرأة وهي تتلوى في صورة فتاة الإعلان، وهو ما لم يمتّ إلى الأكل بصلة، أو يظهرها تتلذذ بالشيكولاتة كبديل عن الزوج الذي ودعته منذ قليل.


إعلان موسى كوست
عقب إعلان "جيرسي" بما يزيد عن 20 عامًا، اعتبرت حملة "شوفت تحرش"، حملة مجتمعية مصرية لتوثيق ضحايا التحرش، أن إعلان الفنان عمرو يوسف، الخاص بأحد المنتجعات السياحية، يعد نوعًا من أنواع التحرش بالسيدات.

وأضافت الحملة، عبر صفحتها على موقع "فيسبوك"، أن يوسف تحرش لفظيًا بعدد من الممثلات في الإعلان، في إشارة إلى ما تتعرض له النساء والفتيات من تحرش جنسي كمادة للدعاية والإعلان، على حد تعبيرهم.

ويظهر يوسف في الإعلان محاولًا إقناع الجمهور بالمنتجع عن طريق الإشارة إلى جمال السيدات في المنتجع. كان هذا في عام 2014.


الدوندو
رمضان هذا العام أطل بإشكالية هو الآخر، بإعلان عن استبدال الرضاعة الطبيعية بحليب جهينة، إلا أن الإعلان استخدم لفظة "الدوندو" كناية عن صدر الأم. من جهته، توقع فتحي فريد، عضو بحملة شفت تحرش، ارتفاع معدلات التحرش اللفظي في الشارع المصري بعد ظهور الإعلانات، التي تحتوي على كلمات غير لائقة أخلاقيًا، على حد تعبيره، مشيرًا إلى أن تلك الإعلانات تساعد الشباب على انتقاء مفرداتها.

أما نيرة حسن، وهي طالبة في جامعة القاهرة، فتقول في حديثٍ مع "جيل العربي الجديد"، إنها لا ترى علاقة للتحرش بإعلان "الدوندو"، فالإعلان عن لبن أطفال بديل للرضاعة الطبيعية. تتابع نيرة: لن يستخدم شخص سويٌّ التعبير في معنى جنسي أو دال على التحرش، خاصة كون لا علاقة هناك للإعلان بالذكورية.

ورغم ما تراه نيرة، إلا أن مجلس إدارة جهاز حماية المستهلك، أصدر قرارًا، يوم 11 حزيران/ يونيو، بوقف بث الإعلانات التليفزيونية لشركات "جهينة"، و"الأهرام للمشروبات"، و"قطونيل"، و"دايس".

وأرجع الجهاز قراره، في بيان له، إلى انتهاك مضمون هذه الإعلانات للكرامة الشخصية، وعدم احترامها للذوق العام والعادات والتقاليد المجتمعية، وخروجها على الآداب العامة، واستخدام الأطفال بالمخالفة للمواصفة القياسية للإعلان رقم 4841 لسنة 2005، و5008 لسنة 2005، على أن يتم وقف هذه الإعلانات خلال 24 ساعة من تاريخ الإخطار.

وأوضح عاطف يعقوب، رئيس الجهاز، أنه في إطار جهود الجهاز لصون حقوق المستهلكين في ضوء مقتضيات القانون رقم 67 لسنة 2006، تمكن الجهاز من خلال مرصده الإعلامي من رصد إعلانات الشركات - سالفة الذكر- خلال بثها بالفضائيات المختلفة بالجهاز، وبعد أن وردت أيضاً للجهاز العديد من الشكاوى ضد هذه الإعلانات.

ولفت إلى أنه تبين أن الإعلان الأول لشركة "جهينة" يتضمّن إيحاءات جنسية مفهومة من سياق الكلام باستخدام لفظ الدوندو، إضافة إلى استخدام الأطفال بالمخالفة للمواصفة القياسية للإعلان، وكذا الترويج لنتائج غير حقيقية بأن حليب الشركة أفضل من حليب الأم.
وأشار إلى أن الإعلان الثاني يأتي لمنتج "بيريل" الذي يعرض شابًا يتطلع لكشف عورة شاب آخر، في أثناء قضاء حاجتهما في دورة مياه بشكل يعتبر خروجاً على الآداب العامة.

كما يعرض الإعلان الثالث لشركة "قطونيل" لقطات واضحة لملابس داخلية تجسد عورات مجموعة من السيدات، مستخدمًا مؤثرات صوتية تحمل إيحاءات جنسية صريحة، إضافة إلى الترويج بالمخالفة للقانون وتعريض حياة أطفال للخطر حيث تضمن الإعلان دراجة بخارية يستقلها رجل وامرأة وطفلان بدون غطاء رأس للحماية، بالمخالفة لقانون المرور.

وقال إن الإعلان الرابع لشركة "دايس" يظهر فيه جسد سيدة عارية ترتدي ملابس داخلية فقط، ويحتوي العديد من الإيحاءات الجنسية والتشجيع على الفجور بتبرير الخيانة الزوجية.

وأضاف يعقوب أنه بمراجعة المواد الإعلانية تبين مخالفتها لنص المادة الثانية من قانون حماية المستهلك رقم 67 لسنة 2006، التي تؤكد حق المستهلك في الكرامة الشخصية واحترام القيم الدينية والعادات والتقاليد المجتمعية.

ونوه إلى أن هذه الإعلانات تمثل خرقًا صارخًا لنص المادة 6/1 من المواصفة القياسية لاشتراطات الإعلان عن السلع والخدمات رقم 4841 -2005، والتي تنص على ضرورة التزام الإعلان بالأخلاقيات والذوق العام، وعدم تضمينه أية عناصر من شأنها الحط من الكرامة الإنسانية أو الإساءة إلى الآداب العامة.

كما نبه إلى مخالفة إعلان "جهينة" أيضًا لنص الفقرة 4/8/1 من المواصفة القياسية للاشتراطات الواجب توافرها في الإعلانات الموجهة للأطفال رقم 5008، والتي تنص على عدم تشجيع الإعلان على عادات الأكل والشرب غير الصحية، لافتًا إلى التجاوز الصريح لإعلان "جهينة" عن هذا النص، من خلال حث الأطفال على استبدال لبن الأم الطبيعي بألبان أخرى صناعية.

وأنذر جهاز حماية المستهلك، الشركات المخالفة بإيقاف الإعلانات خلال 24 ساعة كمهلة لتنفيذ القرار وتوفيق أوضاعها، وفي حالة عدم الالتزام، فسوف تتم إحالة الأمر للنيابة العامة لاتخاذ شؤونها تجاههم، تطبيقًا لنص المواد (1، 19، 24) من قانون حماية المستهلك رقم 67 لسنة 2006.

ودعا يعقوب وسائل الإعلام إلى المساهمة في عدم نشر هذه النوعية من الإعلانات، التي تستخدم استمالات إقناعية غير أخلاقية مبتذلة في الترويج لمنتجاتها بالتحريض على مخالفة القانون وتبرير الرذيلة وعدم احترام القيم الأخلاقية.

وشدد على ضرورة تقنين آليات عرض وإنتاج المواد الإعلانية، وسن اللوائح والتشريعات مغلظة العقوبة نحو التصدي لأي تجاوز أو خرق من هذه الإعلانات للكرامة الشخصية للمواطن أو لقيمنا الدينية وأعرافنا الاجتماعية الأصيلة.

وطالب يعقوب المستهلكين بمعاونة "الجهاز" من خلال الاهتمام بالإبلاغ عن أية شكاوى لديهم، كي يتمكن من اتخاذ الإجراءات ضد المخالفين وضبط الأسواق، مشيرا إلى تعدد وسائل إرسال الشكاوى للجهاز سواء من خلال الخط الساخن (19588)، أو مكاتب البريد، أو عن طريق جمعيات حماية المستهلك، أو من خلال الموقع الإلكتروني للجهاز، أو عبر التطبيق الإلكتروني المتاح على الهواتف الذكية. 

دلالات
المساهمون