رغم أن المسرح العربي عرف بداياته مع النصف الثاني من القرن العشرين مع تجارب أبو خليل القباني في سورية وماورن النقاش في لبنان ويعقوب صنوع في مصر، فإن مسرح الطفل لم يعرف طريقه إلى الخشبة العربية إلا في مرحلة متأخرة.
قد لا نكون مخطيئين إن قلنا إن مسرح الطفل بدأ يتّسع وتتّضح معالمه مع منتصف الثمانينات من القرن العشرين، مع حالات نادرة ومتفرّقة سباقة لهذا التاريخ لم تشكّل تجربةً مؤسّسة لـ "مسرح الطفل"، وهذا الحال ينطبق على الفنون الأخرى الموجّهة إليه، مثل أدب الطفل وأغاني الأطفال وغيرهما.
يَعتبر بعض نقّاد المسرح العربي أن أقدم مسرحية عُرضت للطفل في البلدان العربية كانت عام 1860 في المغرب، عندما أسّس الإسبان "مسرح إيزابيل الثانية" في تطوان، وعَرضت فرقة "بروتون" عملاً بعنوان "الطفل المغربي"، لكن حتى الآن لا يوجد مشروع توثيقي أساسي لتاريخ المسرح العربي الموجّه للطفل، ثمّة فقط دراسات صغيرة متفرّقة تحتاج إلى مجهود لجمعها والتحقّق منها.
في المغرب، الذي عرف أول تجربة مسرح طفل عربية، تقام حالياً فعاليات الدورة السابعة من "المهرجان الدولي لمسرح الطفل"، لجهة فاس- مكناس؛ حيث يتواصل تقديم العروض على "مسرح الحاضرة الإدريسية والعاصمة الإسماعيلية" حتى مساء غدٍ الجمعة. تتناصف المدينتان برنامج العروض؛ فتقدَّم المسرحيات المشاركة في المسابقة الرسمية في فاس، وخارج المسابقة في مكناس.
تُقام التظاهرة تحت شعار "دور السيكودراما في تنمية مهارات الأطفال في وضعية صعبة"، بتنظيم من "جمعية المسرح الشعبي والمحافظة على التراث"، وتتزامن مع الحملة الأفريقية التي انطلقت من المغرب بعنوان "من أجل مدن أفريقية بدون أطفال في وضعية الشارع"، حيث أنه ومن بين 120 مليوناً من أطفال الشوارع في العالم، هناك 30 مليوناً في أفريقيا. أي أن ربع عدد أطفال الشوارع في العالم هم أفارقة.
تقف الدورة الحالية عند تجربة الفنّان عبد الحميد القرقوري، أحد المسرحّيين المغاربة الذين ارتبط اسمهم بهذا المهرجان منذ دورته الأولى.
منظّمو التظاهرة كانوا قد أقاموا مؤتمراً صحافياً، مؤخراً، أوضحوا فيه أن إمكانيات الدورة "ضئيلة جداً، فلا يمكن إدارة مهرجان بعشرين ألف درهم (أكثر من ألفي دولار بقليل)، لكننا نديره بهذه الميزانية".
يضيف المنظّمون أن "كلفة ملصقات التظاهرة وتحضيراتها العادية بلغت 14 ألف درهماً، فهل يمكن عمل مهرجان بما تبقّى من المخصصات وهي ستة آلاف درهم... لكننا لم نيأس".
هذا التقتير في الإنفاق على المهرجان أدّى بالمنظّمين إلى البحث عن طرق مختلفة لمواصلته، بمجهودات فردية وبالتعاون مع جهات مختلفة غير رسمية داخل فاس ومكناس، بهدف الحفاظ على استمراريته.
تتضمّن الدورة عروضاً مسرحية وورشات في تقنيات المسرح بالعديد من مؤسّسات الرعاية الاجتماعية لفائدة الأطفال الذين يعيشون في طروف صعبة، وورشاً موجهة لمنشّطي المؤسّسات التعليمية بمدينة فاس، فضلاً عن ندوة علمية تحتضنها "المدرسة الوطنية العليا للأساتذة" في مكناس، بمشاركة باحثين في الفن الرابع، وتوقيع إصدارات جديدة حول المسرح عموماً ومسرح الطفل خصوصاً.