خلال العقدين الأخيرين، صنع المخرج طارق العريان لنفسه خطاً واضحاً في السينما المصرية، يتأثر بأفلام هوليوود وقواعدها من دون أن يكون مجرد تقليد لها، فهو يعتمد بالأساس على الجودة التقنية، والسيناريو المرسوم الذي يسرد حكاية واضحة. وأخيراً فهو يُحسن استغلال وتوظيف النجوم في أفلامه، ولذلك فقد فرض نفسه دون شك كأفضل مخرجي الحركة في السينما المصرية. ووصل إلى ذروة مسيرته مع فيلم "ولاد رزق"، الذي عرض قبل 3 أعوام، وحقق نجاحاً جماهيرياً ونقدياً كبيراً عند عرضه، ليقرر العريان أن يعيد التعاون مع طاقم العمل نفسه في فيلمه الجديد "الخلية"؛ حيث كاتب السيناريو صلاح الجهيني وبطل الفيلم أحمد عز، إلى جانب فريق التقنيين كاملاً. ولكن مع ذلك كان هناك فارق في المستوى، وخطوة للوراء بالنسبة للعمل الجديد.
الأجواء مختلفة تماماً بين الفيلمين، ففي الوقت الذي دارت فيه أحداث "ولاد رزق" حول عصابة مكونة من أربعة إخوة في حارة شعبية، فإن فيلم "الخلية" الجديد يدور حول ضباط الشرطة، وصراعهم الرئيسي مع إحدى الخلايا الإرهابية. ويبدأ العمل بشكل تقليدي تماماً، حيث عملية أمنية لفرقة خاصة يقودها الضابط سيف (يقوم بدوره أحمد عز)، تستهدف وكر المجموعة الإرهابية، وبعد تتابع حركة طويل تكون النتيجة النهائية هي الفشل في القبض على أفرادها أو اغتيال قائد الخلية "مروان" (يقوم بدوره سامر المصري). وفي المقابل، يُقتَل الضابط عمرو، الصديق المقرب لبطل الفيلم، لتظهر حبكة الفيلم الرئيسية كرحلة انتقام لـ"سيف"، يستعين فيها بصديقه وضابط الأمن الوطني "محمد" (يقوم بدوره محمد ممدوح)، لمحاولة اللحاق بمروان.
في كل أفلام العريان السابقة، هناك حبكة كلاسيكية هي التي تحكم الأحداث، وتوازيها عناية شديدة بالتفاصيل والأجواء تجعل الفيلم يخرج من عباءة التكرار، فنصدق رحلة الصعود الطبقي التي يخوضها "تيتو"، ونلمس العالم المحكوم ذي القواعد الخاصة بـ"ولاد رزق"، أو حتى أجواء الثراء وشركات الإعلانات في "السلم والتعبان".
في "الخلية" يفتقد العريان تلك الخصوصية، وليست المشكلة في تيمة "الانتقام" شديدة القدم، والمبسطة لدرجة أن "ضابطاً ينتقم لمقتل صديقه" هي جملة اختصار غير مُخلة للحكاية، ولكن الأزمة تكمن في شعور المشاهد طوال أحداث الفيلم بأنه سبق أن شاهد ما يحدث من قبل. هناك افتقار للدهشة وللخصوصية التي ميزت الأفلام الأسبق، حتى مع العناية بتفاصيل العمليات الأمنية ومحاولة نقلها بإتقان من الواقع، إلا أن الصورة الأبعد المتعلقة بالشخصيات والأحداث والحوارات وتطورات الحبكة لا تملك أي شيء جديد أو مُلفت. بل على العكس، فإننا نشعر أحياناً أن طريقة خلق شخصية "سيف"، بطل الفيلم، هي خليط غير متقن من أفلامٍ وأبطالٍ آخرىن، مثل جزئي "جون ويك" مثلاً، حيث الاهتمام بشكلانية تربيته لكلب صيد ضخم أو ممارسته لرياضة الـ"كيك بوكسينغ" أو السيارة الفارهة التي يقودها، وهي تفاصيل تخلق صورة أيقونية لبطله أحمد عز، ولكنها لا تضيف للحكاية نفسها أي شيء. حتى الجانب العاطفي، يبدو مقحماً بشكل مزعج، لتكون النتيجة عدم التورط بأي شكل مع الشخصيّة.
وقياساً على أي بطل آخر في أفلام "العريان" (التي تهتم بجذور الشخصيات دائماً)، فـ"سيف" هو الأضعف على الإطلاق، حيث يطل علينا بلا ماض ولا ملامح خاصة.
ورغم تلك العيوب، إلا أن "الخلية" ليس فيلماً سيئاً بأي شكل، هناك بعض الأشياء التي تستطيع إنقاذه، على رأسها شخصية وأداء محمد ممدوح، والكيمياء الواضحة التي يصنعها مع عز، والتي تقوم بالأساس على "التناقض" في كل شيء، اعتماد أحدهما على القوة والآخر على العقل، التهور في مقابل التأني، عنف ضابط العمليات الخاصة والهدوء المرعب لضابط الأمن الوطني، ما يجعل الشراكة بين الممثلين على الشاشة في رحلة البحث عن المعلومات التي تقودهما نحو الإرهابي هي الأجزاء الأمتع في الفيلم على الإطلاق، وفي حالِ كان هذا الفيلم هو عمل حركة كوميدي قائم على تلك الثنائية، كما يحدث في الكثير من أفلام هوليوود وآخرها فيلم The Hitman's Bodyguard، فإنه كان ليصبح أفضل وأوضح في مبتغاه.
كذلك فالفيلم يحتفظ ببصمة العريان المتقنة والمختلفة في مشاهد وتتابعات الحركة، سواء في العناية بتفاصيل الخطط والترتيبات والحركة الجغرافية للأفراد، أو في قراراته الجريئة في اختيار أماكن التصوير والأجواء، كمترو الأنفاق الذي يجعله مكان المعركة الثنائية الأخيرة بين سيف ومروان، ليمنح الفيلم بعض التفاصيل الضاغطة، إلى جانب الشعور بالـ"مكان" وبأن هذه الأحداث تجري فعلاً في مصر. وبالمقارنة مع فيلم الحركة "هروب اضطراري"، الذي عُرض في عيد الفطر وحقق نجاحاً كبيراً، فإن خبرة وإضافة العريان تكون واضحة جداً، بمثلِ ما تظهر في أن الفيلم، بالرغم من كل هناته، يظل ممتعاً ويحتفظ بإيقاع منساب منذ البداية وحتى النهاية.
وعلى هذا الأساس يمكن النظر لفيلم "الخلية" من جانبين، جانب يقارنه بأفلام الحركة المصرية التي عرضت في السنوات الأخيرة، وفي هذا السياق فإنه يتفوق على أغلبها، ويحقق حالياً نجاحاً مستحقاً وصل إلى 33 مليون جنيه (الدولار يساوي 18 جنيهاً) في أسبوعَي عرض فقط، ولكن من جانب آخر، وبالقياس على أفلام مخرجه، وعلى التجربة السابقة التي اجتمع فيها كل صناعه، فإنه سيصبح خطوة للوراء، لا تضيف له فنياً.
اقــرأ أيضاً
في كل أفلام العريان السابقة، هناك حبكة كلاسيكية هي التي تحكم الأحداث، وتوازيها عناية شديدة بالتفاصيل والأجواء تجعل الفيلم يخرج من عباءة التكرار، فنصدق رحلة الصعود الطبقي التي يخوضها "تيتو"، ونلمس العالم المحكوم ذي القواعد الخاصة بـ"ولاد رزق"، أو حتى أجواء الثراء وشركات الإعلانات في "السلم والتعبان".
في "الخلية" يفتقد العريان تلك الخصوصية، وليست المشكلة في تيمة "الانتقام" شديدة القدم، والمبسطة لدرجة أن "ضابطاً ينتقم لمقتل صديقه" هي جملة اختصار غير مُخلة للحكاية، ولكن الأزمة تكمن في شعور المشاهد طوال أحداث الفيلم بأنه سبق أن شاهد ما يحدث من قبل. هناك افتقار للدهشة وللخصوصية التي ميزت الأفلام الأسبق، حتى مع العناية بتفاصيل العمليات الأمنية ومحاولة نقلها بإتقان من الواقع، إلا أن الصورة الأبعد المتعلقة بالشخصيات والأحداث والحوارات وتطورات الحبكة لا تملك أي شيء جديد أو مُلفت. بل على العكس، فإننا نشعر أحياناً أن طريقة خلق شخصية "سيف"، بطل الفيلم، هي خليط غير متقن من أفلامٍ وأبطالٍ آخرىن، مثل جزئي "جون ويك" مثلاً، حيث الاهتمام بشكلانية تربيته لكلب صيد ضخم أو ممارسته لرياضة الـ"كيك بوكسينغ" أو السيارة الفارهة التي يقودها، وهي تفاصيل تخلق صورة أيقونية لبطله أحمد عز، ولكنها لا تضيف للحكاية نفسها أي شيء. حتى الجانب العاطفي، يبدو مقحماً بشكل مزعج، لتكون النتيجة عدم التورط بأي شكل مع الشخصيّة.
وقياساً على أي بطل آخر في أفلام "العريان" (التي تهتم بجذور الشخصيات دائماً)، فـ"سيف" هو الأضعف على الإطلاق، حيث يطل علينا بلا ماض ولا ملامح خاصة.
ورغم تلك العيوب، إلا أن "الخلية" ليس فيلماً سيئاً بأي شكل، هناك بعض الأشياء التي تستطيع إنقاذه، على رأسها شخصية وأداء محمد ممدوح، والكيمياء الواضحة التي يصنعها مع عز، والتي تقوم بالأساس على "التناقض" في كل شيء، اعتماد أحدهما على القوة والآخر على العقل، التهور في مقابل التأني، عنف ضابط العمليات الخاصة والهدوء المرعب لضابط الأمن الوطني، ما يجعل الشراكة بين الممثلين على الشاشة في رحلة البحث عن المعلومات التي تقودهما نحو الإرهابي هي الأجزاء الأمتع في الفيلم على الإطلاق، وفي حالِ كان هذا الفيلم هو عمل حركة كوميدي قائم على تلك الثنائية، كما يحدث في الكثير من أفلام هوليوود وآخرها فيلم The Hitman's Bodyguard، فإنه كان ليصبح أفضل وأوضح في مبتغاه.
كذلك فالفيلم يحتفظ ببصمة العريان المتقنة والمختلفة في مشاهد وتتابعات الحركة، سواء في العناية بتفاصيل الخطط والترتيبات والحركة الجغرافية للأفراد، أو في قراراته الجريئة في اختيار أماكن التصوير والأجواء، كمترو الأنفاق الذي يجعله مكان المعركة الثنائية الأخيرة بين سيف ومروان، ليمنح الفيلم بعض التفاصيل الضاغطة، إلى جانب الشعور بالـ"مكان" وبأن هذه الأحداث تجري فعلاً في مصر. وبالمقارنة مع فيلم الحركة "هروب اضطراري"، الذي عُرض في عيد الفطر وحقق نجاحاً كبيراً، فإن خبرة وإضافة العريان تكون واضحة جداً، بمثلِ ما تظهر في أن الفيلم، بالرغم من كل هناته، يظل ممتعاً ويحتفظ بإيقاع منساب منذ البداية وحتى النهاية.
وعلى هذا الأساس يمكن النظر لفيلم "الخلية" من جانبين، جانب يقارنه بأفلام الحركة المصرية التي عرضت في السنوات الأخيرة، وفي هذا السياق فإنه يتفوق على أغلبها، ويحقق حالياً نجاحاً مستحقاً وصل إلى 33 مليون جنيه (الدولار يساوي 18 جنيهاً) في أسبوعَي عرض فقط، ولكن من جانب آخر، وبالقياس على أفلام مخرجه، وعلى التجربة السابقة التي اجتمع فيها كل صناعه، فإنه سيصبح خطوة للوراء، لا تضيف له فنياً.