انتبه المؤرّخ والباحث المصري أحمد مختار العبادي (1922 - 2016) باكراً إلى افتقار المكتبة العربية إلى مؤلّفات عديدة حول حضارة الأندلس، سواء تلك التي تدرس مصادر التاريخ الإسلامي في المغرب وشبه الجزيرة الإيبيرية، أو تلك التي تعيد قراءة محطّات وأحداث أساسية مهّدت لدخول العرب إلى إسبانيا بداية القرن الثامن الميلادي.
اهتمّ صاحب كتاب "الصقالبة في إسبانيا وعلاقتهم بالحركة الشعوبية" بمظاهر الحياة الاجتماعية وتعبيراتها الثقافية والفكرية مثلما ركّز على الأحداث السياسية المفصلية، حيث نظر إلى حركة الفتوحات الأندلسية في سياق الصراع العربي/ البيزنطي على المتوسّط، وناقش مسألة التعدّد الثقافي لدى الأندلسيين في استعمال اللغات والاقتراض في ما بينها.
في منتصف تشرين الثاني/نوفمبر عام 2016، عقدت "مكتبة الإسكندرية" مؤتمراً بعنوان "الحضارة الإسلامية في الأندلس"، خُصّصت بعض الأوراق المقدّمة للإطلالة على جوانب من مشروع العبادي، وناقشت دوره العلمي كمؤرّخ ألّف وحقّق عشرات المؤلّفات حول تاريخ المشرق والمغرب معاً.
وقد صدرت مؤخراً في كتاب من جزءين - ضمن منشورات "مكتبة الإسكندرية" - جميع أبحاث المشاركين يحمل عنوان المؤتمر نفسه، ويناقش محاور أخرى أيضاً، هي: نشأة علم التاريخ وتطوّره في الأندلس، والإبداع الأندلسي في العلوم والفنون والآداب، والعمارة والفنون الإسلامية في الأندلس، والحياة الاجتماعية والاقتصادية في الأندلس.
تعود مقدّمة الكتاب إلى العلاقة التي جمعت مصر والأندلس خلال العصور الإسلامية، والتي انعكست في مجالات عديدة منها تأثّر البناء خاصة في عهد المماليك بالطراز الأندلسي، إلى جانب المراسلات التاريخية في فترات كانت الصلات بين بغداد وقرطبة منقطعة، وصولاً إلى استقرار العديد من الأندلسيين في الحواضر المصرية بعد ترحيلهم من بلادهم في القرن الخامس عشر.
عمل العبادي على الربط بين مظاهر الحياة الاجتماعية والثقافية
المقدمة تقف عند عوامل أخرى، حيث "شكّلت مصر معبراً للحجّاج القادمين من الأندلس والمغرب تاريخياً، ولغيرهم من طلبة العلم أو التجارة أو الرباط أو الاستقرار، لدرجة اعتبر معها بعض الجغرافيين والمؤرخين المسلمين مدينة الإسكندرية حدّاً فاصلاً بين الشرق والغرب".
يضمّ الكتاب العديد من الدراسات منها "البعد الحضاري لعلم التاريخ عند ابن خلدون (1322 -1406)" لـ محمد إسماعيل مرعي، الذي يقارب الإشكالية المتمثّلة في سؤال: ما هو المحور الأساس الذي تدور حوله النظرية الخلدونية، والذي يمكن عدّه الأساس في تفسير حركة التاريخ عند صاحب "المقدمة"؟ هل هو الدولة كما ادّعى طه حسين ومحمد عابد الجابري، أم هو العصبية، كما نحا إلى ذلك ساطع الحصري؟ أم لا هذا، ولا ذاك، بل هو المقارنة بين البداوة والحضارة، وما يجري بينهما من تفاعلات، كما نادى بذلك علي الوردي وآخرون؟
أما نجلاء سامي النبراوي، فتكتب دراسة بعنوان "مؤلّفات الشروط الأندلسية مصدراً للتاريخ الاجتماعي"، فتعود إلى فقه الوثائق والعقود التي تهمّ حياة الناس اليومية في كافة المستويات الاقتصادية والاجتماعية مثل عقود مواثيق البيع والإيجار والشفعة والزواج والكفالة والرهن والوصية وغيرها من المعاملات، محاولة الكشف على طبيعة العلاقات الأسرية والمشاركة الشعبية للأندلسيين وتكافلهم الاجتماعي وغيرها من المظاهر.
"من النثر العربي الموريسكي: أعمال محمد بن قاسم الحجري (أفوقاي) الأندلسي (1570 - 1641)" عنوان دراسة رشا الخطيب التي تتناول أحد آخر المؤلّفين بالعربية من "الموريسكيين" بسبب التضييق الذي مورس ضدّهم، والذي نشأ في إشبيلية مسلماً في الباطن مسيحياً في الظاهر، وحصل على معارف متعدّدة وتعلّم أكثر من لغة حتى استطاع الهرب إلى المغرب والعيش هناك، ليضع العديد من الآثار التي تقف عندها هذه الدراسة.
يتضمّن الكتاب دراسات في "التأريخ" مثل "تجاربة السلع المنهوبة في الأندلس منذ عهد الأمير عبد الرحمن الأوسط حتى نهاية الخلافة الأموية" لـ إبراهيم عبد المنعم أبو العلا، و"وسائل الإعلام الاقتصادي والاجتماعي في المغرب والأندلس" لـ أحمد عبد المقصود، وفي اللغة والأدب ومنها "حروب المنصور بين الرواية العربية والإسبانية" لـ مراد حسن عباس، و"تأثير الأندلس في المسرح الإسباني المعاصر" لـ محمد عليوة.