"البصاصون"... عين سرية لوقف الاعتداءات في بغداد

04 أكتوبر 2017
طلبت الشرطة من البلدية عدم ملاحقة الباعة(أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -

أدى ارتفاع وتيرة الهجمات والاعتداءات الإرهابية لتنظيم "داعش" في العاصمة العراقية بغداد وعدد من المدن في جنوب البلاد، والتي ذهب ضحيتها خلال الأسبوعين الماضيين نحو 500 قتيل وجريح، غالبيتهم من المدنيين، إلى اعتماد وزارتي الدفاع والداخلية خططاً أمنية جديدة، تهدف إلى تفعيل الجانب الاستخباري بالدرجة الأولى، بما يضمن إحباط الهجمات.

فبعد الإعلان عن الخط الساخن للإبلاغ عن العمليات الإرهابية والتحركات المشبوهة داخل الأحياء السكنية، وتخصيص مكافآت مالية لذلك، لجأت قيادة عمليات بغداد وجهاز الشرطة المحلية في العاصمة العراقية إلى الباعة الجائلين وعمال النظافة والمتسولين والممتهنين استبدال الأشياء القديمة بالجديدة المنتشرين في بغداد لإبلاغ الأجهزة الأمنية عما يلاحظونه ويرصدونه داخل الأحياء، وحتى داخل البيوت التي يدخلونها خلال عملهم، وذلك مقابل السماح لهم بمواصلة عملهم، أو منحهم ميزة إضافية، تضيف لهم راحة في العمل والتنقل، تشبه إلى حد كبير الحصانة. إلا أنه يبدو أن قسماً من هذه الشرائح فرح بالتكليف، واعتبره مهمة وطنية، حتى وإن لم تقدم لهم قوات الأمن أي منافع.

الأسلوب الجديد بات يطلق عليه من قبل بعض البغداديين لقب "البصاصين"، في إشارة إلى مهنة "البصاص" أو "البصاصين"، والتي راجت في القرون الماضية في مصر ودول أخرى. ووفقاً لمسؤول أمني رفيع المستوى في قيادة عمليات بغداد فإن آلاف الأشخاص في بغداد يمتهنون أعمالاً تتطلب تنقلهم داخل الأحياء السكنية، مثل الباعة الجائلين للطعام والمشروبات والحاجيات المنزلية ومصلّحي الأغراض المنزلية والمتسولين وعمال النظافة والعاملين في إيصال الطلبات، جرت مطالبتهم بتزويد الشرطة بموقف يومي لما يلاحظونه داخل الأحياء السكنية، وعن الغرباء والتحركات المشبوهة وما يسمعونه أيضاً. وأشار إلى أنه جرى ضبط عبوات ناسفة وكمية من المتفجرات، خلال الأسبوع الماضي، بناءً على اتصال من شاب يملك عربة بيع باقلاء (فول) جنوب غربي بغداد، قال إن هناك أشخاصاً يترددون ليلاً على منزل غير مسكون، ولا يخرجون إلا فجراً، وهم من غير سكان الحي. وكشف عن وجود تعاون كبير من قبل تلك الشرائح، وفي المقابل فإن الشرطة تقوم بتسهيل عملهم، وتطلب من البلدية عدم ملاحقتهم أو منعهم من مزاولة أعمالهم كما كانت تفعل، وبالتالي فإن هناك منفعة متبادلة.


ولا ينفي العقيد الركن باسم عبد الغني الساعدي الخطة الجديدة، إلا أنه يفضل وصفها بالأسلوب الاستخباري الكلاسيكي في تحصيل المعلومات، والذي جرى تكثيف الاعتماد عليه أخيراً، عبر استخدام الأشخاص الذين يتجولون داخل الأحياء السكنية كل يوم وعلى مدار الساعة. وقال إن "الهدف هو إشراك الجميع في مراقبة خلايا وتحركات تنظيم داعش، التي يتوقع أن تأخذ هجماتها طابعاً انتقامياً في الفترة المقبلة". ولفت إلى أن موجة العمليات الإرهابية الأخيرة تستدعي التفكير بحلول أمنية مختلفة، وفي بعض الأحيان تكون بسيطة لكنها فعالة، مبيناً أنّ "رئيس الوزراء، حيدر العبادي، عقد عدّة اجتماعات مع القيادات الأمنية أخيراً، لوضع خطة تحفظ أرواح العراقيين". وأوضح أنّ "العبادي طلب من القيادات الأمنية موقفاً رسمياً واضحاً بشأن الوضع الأمني، يتم فيه تحديد نقاط الضعف والقوة، والحلول المطلوبة، على أن تكون لهذه الحلول القدرة على الحد من أعمال العنف بشكل ملحوظ، وتغيير الموقف الأمني في عموم بغداد"، مبيناً أن "العبادي حذّر القيادات الأمنية من مغبة استمرار الفشل بالسيطرة على أمن بغداد". وأشار إلى أنّ "القيادات الأمنية كثّفت بدورها من اجتماعاتها لوضع خطة أمنية"، وأنها "خلصت إلى أن الفشل الأمني ناتج عن الفشل الاستخباري، والذي لم يستطع كشف خيوط الإرهابيين، ولا المخططات التي يعتزمون تنفيذها".

ورأى المقدم في قيادة شرطة بغداد، حيدر الغريري، أنّ "تعدد الجهات الأمنية، وتشابك مهامها وواجباتها، وعملها من دون تنسيق، من أهم أسباب الفشل الأمني في بغداد". وقال الغريري، لـ"العربي الجديد"، إنّ "هناك عشرات الأجهزة الأمنية المرتبط بعضها بوزارة الدفاع وبعضها الآخر بوزارة الداخلية وأخرى مرتبطة بالحشد الشعبي، وكلها تعمل بخطط خاصة بها لحماية بغداد"، مبيناً أنّ "عدم التنسيق بين قيادات هذه الأجهزة خلق حالة من الفوضى الأمنية وحال دون السيطرة على الملف الأمني". وأشار إلى "ضرورة توحيد تلك الأجهزة تحت قيادة واحدة، وأن تنسق وتتعاون في تطبيق الخطط الموضوعة، ووقتها ستحقق نتائج ملحوظة في الملف الأمني بشكل عام".

وقال أ. ح. (19 سنة)، والذي يعمل ضمن دائرة بلدية الكرخ الثانية ببغداد المسؤولة عن رفع حاويات القمامة من 12 حياً سكنياً، لـ"العربي الجديد"، إن "مشاركته في أي معلومة يجدها مهمة لحفظ الأمن مسألة أخلاقية قبل كل شيء". وأضاف "قد أساهم في حفظ حياة عشرات الأبرياء من تفجير إرهابي. أنا لا أتلصص على المنازل، لكن أبقي عيني مفتوحة على المناطق التي أدخلها يومياً، وأي شيء غريب ألاحظه أبلغ عنه فوراً عبر الخط المجاني". وأعلن أنه "يشعر بفخر في هذه المهمة، كونه يساهم في الإبلاغ عن القتلة. الموضوع لا يتعلق بالأشخاص الذين يتجولون، بسبب مهنهم، في شوارع وأزقة الأحياء السكنية، بل يجب على كل العراقيين المشاركة في المهمة". وتابع "حتى الآن لم أرصد أي شيء مهم في المناطق التي أعمل بها. الحمد لله، يبدو أنهم أناس طيبون، لكن مع ذلك يجب حمايتهم من الغرباء الذين يسكنون في الشقق والبيوت الفارغة بشكل مؤقت، ثم يرحلون فجأة".

رأي خبراء الأمن

الخطة الجديدة بالاعتماد على تلك الشرائح التي باتت لا غنى عنها في بغداد، أثارت آراء عدة، بين مؤيد لها، باعتبارها ضرورة تساهم في دعم الأمن، وبين رافض لها، يعتبر أنها دليل على فشل أجهزة الاستخبارات، ومن المحتمل أن تستخدم للانتقام، على غرار المخبر السري الذي اعتمدته حكومة نوري المالكي، وأدى إلى الزج بعشرات الآلاف من الأبرياء في السجون. وقال الخبير الأمني، غالب الحامدي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الأسلوب عبارة عن سيف ذي حدين بالتأكيد، لكنه ضروري في الوقت الحالي، ويمكن القول إنه لو تم تخصيص حملات الدعاية والأغاني الوطنية والشعارات الرنانة لحث المواطنين، ليكون كل شخص منهم بمثابة عين متحركة لرصد حركات داعش، لكان أفضل بكثير". وأضاف إن "العودة للوراء، واستيراد الطرق القديمة، ليس عيباً في الوقت الحالي، بل العيب والعار يتحملهما من أنفق ثلاثة مليارات دولار على جهاز الاستخبارات الوطني ووكالة الاستخبارات التابعة لوزارة الداخلية من دون النجاح في حقن دماء المواطنين"، في إشارة إلى رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي. وشدّد على "ضرورة وضع خطة استخبارية حديثة، بالاستعانة بعناصر أمن مدربين تدريباً حديثاً، وترك الخطط التقليدية، واعتبار هذه المرحلة مؤقتة".

المساهمون