الانحناء للعاصفة
ويعزو أنصار "الاستثناء المغربي"، نجاح التجربة السياسية إلى ما يسمونه سرعة استجابة الملك، محمد السادس، لآلاف الشباب في حركة عشرين فبراير الذين خرجوا إلى الشوارع للمطالبة بالإصلاح في سياق ثورات تونس ومصر وليبيا. وأعلن الملك، خلال خطاب في 9 مارس/ آذار من 2011، عن حزمة "إصلاحات" سياسية ودستورية أبرزها إقرار دستور يشتمل على فصل أوضح وأدق للسلطات، ومنح الحكومة صلاحيات واختصاصات واسعة لم تكن تتوفر للحكومات السابقة.
ويوضح الناشط السياسي، عبد الرحمان متوكل، لـ"العربي الجديد"، أن "نجاة المغرب من الثورة الشعبية، جاء بفضل سرعة بديهة النظام الحاكم في البلاد، إذ إنه أخذ العبرة سريعاً من دول عربية في جواره اكتوت بغضب الشعوب وتمردها على حكامها نتيجة الشعور بالظلم". ويشير إلى أن "الملكية في المغرب تنبهت مبكراً إلى ثقل فاتورة إمعان الأنظمة الحاكمة في عدم التجاوب مع شعوبها وتلبية مطالبها بالإصلاح والتغيير لتقرر الانحناء قليلاً للعاصفة، وإقرار إصلاحات تستجيب لمطالب الشارع، وهو ما أخمد الحراك إلى حد بعيد".
مسارات الإصلاح والنكوص
يرى حزب العدالة والتنمية، ذو المرجعية الإسلامية، الذي جاءت به رياح "الاستثناء المغربي" في انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني 2011 ليقود الحكم إلى جانب الملك محمد السادس، أن له إسهاماً كبيراً في استمرارية التجربة المغربية، باعتبار أن ترؤسه للحكومة أنهى جزءاً كبيراً من الاحتجاجات.
وسعى هذا الحزب "الإسلامي"، منذ توليه رئاسة الحكومة الحالية في المغرب، إلى تعرية واقع ممارسته للسلطة، وكشف كل ما يُعرقل مسار الإصلاح الذي دشّنته الحكومة في محاولة لإبراز المخاطر المحدقة التي قد تهدّد الاستثناء المغربي.
وبقدر ما يركّز حزب الأغلبية الحكومية في المغرب على أهمية المكتسبات السياسية التي حصلت عليها البلاد خلال "الربيع العربي"، والتي جعلته ينجو من تداعيات الأحداث الدامية التي تعيشها بعض الدول العربية، بقدر ما يدعو إلى تحصين التجربة المغربية من معاول الهدم التي يتهم بها جهات من "الدولة العميقة".
وفي السياق، يميز القيادي في حزب العدالة والتنمية، عبد العالي حامي الدين، بين نوعين من المسارات يستبدّ بها الصراع والتدافع: مسارالإصلاح الذي كرّسته احتجاجات حركة 20 فبراير، ومسار النكوص والتراجع عمّا تحقق في البلاد من إصلاحات.
ويُرجع حامي الدين، في حديث مع "العربي الجديد"، رغبة بعض الجهات الرافضة لواقع الإصلاح، والمستفيدة من واقع الفساد، استرجاع مواقعها السياسية، كما كانت قبل الحراك المغربي، إلى شعورها بالاطمئنان إلى ما آلت إليه الأوضاع في بعض البلدان العربية وحالة اللااستقرار في دول أخرى.
نقد الاستثناء
يرى جزء فاعل من اليسار المغربي أن "الاستثناء ليس مكتملاً بالمعنى الذي يجعل السلطات التي كانت بيد المؤسسة الملكية، تنتقل جميعها إلى منتخَبين يعملون وفق مبدأ المسؤولية والمحاسبة"، بحسب ما يؤكد القيادي في اليسار المغربي، فؤاد عبد المومني، لـ"العربي الجديد".
وبالنسبة لعبد المومني، فإن "تعديل المنظومة الدستورية لا يكفي وحده لفتح باب الديمقراطية الحقيقية في البلاد، إذ يتوجب تغيير المؤسسات القائمة وتعديل الذهنيات السياسية السائدة وتغيير النخب التي تقوم على تدبير الشأن العام بهدف الانتقال إلى مرحلة الديمقراطية".
كذلك يعتبر اليسار المعارِض، أن الاستثناء المغربي كان سيتحقق بالفعل لو جرى إقرار نظام الملكية البرلمانية التي تعني، وفق عبد المومني، "استمرار الملكية بشكل رمزي وإقامة الديمقراطية بشكل فعلي، إذ إنه خارج هذا النظام، يتكرّس الاستبداد السياسي".
وترى جهات أخرى يصعب تغييبها عن المشهد السياسي في المملكة، مثل جماعة "العدل والإحسان"، أن المغرب أضاع فرصة تاريخية للانتقال إلى الديمقراطية المنشودة بعدما أخلف النظام السياسي الموعد مع "الربيع العربي" متجسداً في حركة 20 فبراير.
وتؤكد الجماعة أن "الوقائع ومؤشرات الوضع السياسي والاقتصادي في البلاد، تدلّ على أنه لا يوجد استثناء مغربي بعدما التفّ النظام السياسي على مطالب الإصلاح بإحداث دستور ممنوح"، وفق عضو مجلس الإرشاد في جماعة العدل والإحسان، تعبير محمد حمداوي، لـ"العربي الجديد".