"الأخبار الزائفة"... حجّة جديدة لتكميم الأفواه

03 ابريل 2017
الصحافة الحرة في وجه الطغاة (محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -
بينما تحاول مواقع التواصل الاجتماعي الحد من تدفّق الأخبار الزائفة على صفحاتها، تستخدم الحكومات القمعية هذه الحجة بهدف التضييق على الصحافيين وسجنهم أو ترهيبهم إما بمواد قانونية جديدة أو بـ"البلطجة".

في الأشهر الأخيرة من العام الماضي وتزامناً مع انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأميركية برز مصطلح جديد ترافق مع حملات عنيفة ضدّ الإعلام، وهو مصطلح "الأخبار الزائفة". المصطلح الذي كان يخرج إلى العلن بين فترة وأخرى، بدا كأنه تحوّل إلى محور نقاش وعمل وسائل الإعلام وتحديداً مواقع التواصل الاجتماعي. 

بداية وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2016 أعلن مؤسس موقع "فيسبوك" مارك زوكربيرغ على صفحته الخاصة أنّ إدارة الموقع الأزرق ستقوم بجهود أكبر لمحاربة الأخبار الزائفة على صفحاته، في محاولةٍ منه للتأكيد أنّ موقع التواصل الاجتماعي لم يؤثّر على نتائج الانتخابات الأميركيّة. وأكد في منشورٍ على صفحته على "فيسبوك" أنه يأمل في إعلان معايير جديدة لوقف الأخبار المزيّفة "قريباً". وكتب "من كلّ المحتوى على "فيسبوك"، أكثر من 99 بالمئة ممّا يراه المستخدمون حقيقي. فقط عدد قليل هو أخبار زائفة وخدع. والخدع الموجودة لا علاقة لها بوجهة نظر حزبية واحدة أو بالسياسة. وهذا ما يدلّ على أنّ الخدع لم تؤثّر أو تغيّر نتائج الانتخابات في اتجاه أو آخر". وقال "لا نريد الخدع على فيسبوك. هدفنا هو أن نثبت للمستخدمين أنّ المحتوى الذي يجدونه له معنى. وهم يريدون أخباراً دقيقة"، مضيفاً "بدأنا بالفعل العمل كي نسمح لمجتمعنا أن يشير إلى الأخبار الزائفة والخدع، وهناك الكثير مما يمكن أن نفعله هنا. لقد حققنا تقدماً وسنستمر في العمل لتحسين أكبر".

وبعد "فيسبوك" كان موعد شركة "غوغل" التي اعتبر رئيسها التنفيذي، سوندار بيتشاي، أنّ الأخبار المزيّفة على الموقع "قد تكون" أثّرت على الانتخابات الأميركيّة. وفي حديثٍ مع "بي بي سي"، سُئل بيتشاي عن الأخبار المفبركة، وإن كانت قد أثّرت في قلب الموازين في الانتخابات الأميركيّة، فأجاب "بالطبع". وقال "من المهم أن نتذكر أن الانتخابات كانت وشيكة للطرفين. وعلمياً، فإن تبديل رأي شخص من بين مائة ليصوت لطرفٍ، قد يقلب المعادلة لصالح جهة أو أخرى. لكن من وجهة نظرنا، لا يجب أن يكون هناك أي انتشار للأخبار المزيفة، لذا فإننا نعمل ما بوسعنا للأحسن". وأشار إلى أنّ الشركة اتخذت خطوات من أجل منع انتشار الأخبار الكاذبة، وأنّ المنصات الزائفة لن تستطيع استخدام خدمات "غوغل" الإعلانية بعد الآن لجني المال. كما لفت إلى أن "غوغل" كانت تدرس خلال العام الماضي كيفيّة التأكّد من صحة المقالات، والعمل على دعم المنصات الصحافية الموثوقة.


لكن بينما لم تخف الشركات التكنولوجية مخاوفها من الأخبار الزائفة التي يصعب احتواؤها تماماً، استغلّت أنظمة "غير صديقة" للصحافيين هذا الموضوع لتزيد من القيود على الصحافة على أراضيها.

ووفق تقرير نشرته منظمة "مراسلون بلا حدود" فإن تصريح دونالد ترامب الشهر الماضي، والذي قال فيه "لقد أصبحت الصحافة خارج نطاق السيطرة كما صار معها مستوى انعدام المصداقية خارج نطاق السيطرة"، فتح الباب أمام أنظمة كثيرة لمهاجمة الصحافيين وتكميم أفواههم، تحت حجة الحرص على عدم نشر "اخبار زائفة".

فكانت البداية مع رئيس الوزراء الكمبودي، هون سون، الذي أثنى في أواخر شهر فبراير/شباط على كلام ترامب قائلاً إن الرئيس الأميركي "يفهم أن الأمر يتعلق بمجموعة فوضوية"، في إشارة إلى الإعلام.

أما في روسيا، فلا يبدو الوضع مختلفاً. إذ أكد تقرير نشرته وكالة "فرانس برس" أنّ الهيئة الروسية المعنية بتنظيم قطاع الاتصالات تتجه لاعتماد مشروع مرسوم "ينص على حجب أي محتوى يقدم معلومات كاذبة. أما في عدد من الدول الأفريقية فتلجأ السلطات إلى مفهوم "الأخبار الزائفة" للضغط على الصحافيين. هناك تنص قوانين عدة على تغريم الصحافيين وسجنهم لمدة طويلة في حال نشر خبر تبيّن لاحقاً أنه مزيّف، من دون التدقيق في ما إذا كان الخطأ مقصوداً من قبل الصحافي بقصد التضليل أم أنه خطأ سببه أساساً معلمة خاطئة تلقاها الصحافي من مصدر مجهول.

وتعطي "مراسلون بلا حدود" مثلاً على هذه القوانين: ففي ساحل العاج، على سبيل المثال، "قد يجد صحافي ما نفسه قابعاً في السجن لمجرد صدور حكم قضائي يدينه بإهانة رئيس الدولة أو نشر معلومات كاذبة. وآخر المنضمين إلى قائمة "محاربي الأخبار الزائفة" كانت الصومال التي أوقفت مطلع الشهر الحالي بث قناة يونيفرسال في بذريعة نشر أخبار كاذبة تهدد الاستقرار في المنطقة، والمقصود هنا كان خبراً عن سفر الرئيس الصومالي. وذلك على خلفية تطرق المحطة التلفزيونية لسفر الرئيس إلى الخارج.

في العالم العربي أيضاً وإلى جانب الصومال، تبرز مصر التي تخرج فيها اتهامات كل أسبوع بحق هذا الصحافي أو ذاك بنشر أخبار كاذبة. ولعلّ المثال الأشهر هو استمرار سجن الصحافي إسماعيل الإسكندراني، بتهمة نشر معلومات كاذبة والانتماء لجماعة الإخوان المسلمين منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2015. أما في البحرين فاتُّهم نبيل رجب في ديسمبر/كانون الأول الماضي بـ"نشر معلومات كاذبة حول الوضع في المملكة"، حيث يُحاكم في قضية تتعلق بجرائم الإنترنت.

المساهمون