"إم بي سي" والمشايخ
هذا موسم الصراعات. رمضان في السعودية ليس شهراً للعبادة والطاعة والهدوء فقط، بل مناسبة سنوية لتجديد المعارك بين فريقين: المشايخ ومجموعة إم بي سي، وهناك أطراف أخرى، متفرجة كالسواد الأعظم من الناس في البلد، وأطراف تلعب بعض الأدوار في إثارة هذه النزاعات، أو ضبطها عند حدود معيّنة. المهم في الموضوع أن كل ما هو معلن، في هذه المعارك، لا علاقة له بحقيقة الصراع وأسبابه الأساسية.
يقول الرأي السائد في التيار المناهض لمجموعة إم بي سي إنها تقدم ما لا يليق بالمجتمع السعودي وتديّنه وثقافته، ويصفون الخط العام لإنتاج هذه القناة بالمجون والفساد وكل ما يتعارض والأخلاق. وتقول القناة إنها رفضت برنامجاً للشيخ محمد العريفي منذ سنوات، وكان هذا سبباً للحملة التي يشنها العريفي والمشايخ عليها. هذا اختصار للعناوين الرئيسية للحملتين المتبادلتين بين المتخاصمين، لكنها، أي العناوين، لا تقول كل شيء، ولا تتحدث عن محاولات الهيمنة على المجتمع والتحكّم بمزاجه وصناعة رأيه العام، كما أنها لا تتناول القضايا المتنازع عليها بدرجة عالية من الشفافية والمكاشفة. الطرفان يتقنان فن الممكن، وفن التدليس أحياناً كثيرة، وهذا ما جعل من خطاب الطرفين أقل صدقيةً مع مرور الوقت، وأكثر عرضة للنقد من الناس.
تقول مجموعة إم بي سي، ولا بد من الانتباه إلى أنها مجموعة متكاملة، تضم قناة العربية والقنوات الأخرى الخاصة بالأفلام والأطفال وغيرها، تقول إنها مشروع تحديثي، يواجه الخطاب المحافظ في المجتمع السعودي وهيمنته، وإنها تعمل على كسر حواجز التخلّف التي وضعها أمام المجتمع. وهذا غير صحيح على الإطلاق. فالانفتاح والتحرر عند حدود السلوك لا يمكن أن يشكل مشروعاً تحديثياً، والرجعية التي يتّسم بها خطاب المجموعة وإنتاجها، السياسي والثقافي والإنساني، في قضايا الإنسان الأساسية، يشكل رأس الحربة في هذا المشروع، فهي لا يمكن أن تقف في صف الإنسان وحقه في التعبير أو الإبداع أو الاختلاف أو النقد. كيف يمكن للحداثة أن تكون مشروعاً تبريرياً منحازاً للسلطة من دون أي نقاش!
في الضفة الأخرى، تقع الكتلة المحافظة، جيش المشايخ وحرّاس الفضيلة في المجتمع، والذين يصارعون للحفاظ على مواقعهم السابقة، حيث يملكون حق التفسير والتعريف والإفتاء للعوام من الناس، وهم وحدهم مَن يقرّر علاقة الفرد بالأشياء من حوله، ماذا يأكل ويشرب، وكيف يتعامل، وموقفه من "المحدثات" في زماننا، وعلاقته بهاتف (أبو كاميرا) والستلايت وغير ذلك. هؤلاء يحتجون على موقف القناة الأخلاقي، وقد يوافقهم المرء في بعض المواضيع، لكنهم لا يطرحون القضايا الرئيسية الواجبة، كما أنهم لا يملكون الحق في تحديد الصحيح وغير الصحيح، ولا ما هو مناسب للناس وغير مناسب، وجل صراعهم على امتلاك هذا الحق، من دون أن ينازعهم أحد عليه، وهو ما لا يجد القبول عند الآخرين، من غير جمهورهم الخاص.
لا أعرف مخرجاً لهذه الأزمة، ولا أقف على الحياد بين أطرافها، بل أنحاز ضد الطرفين وخطابهما، وأعتقد أن المشكلة في مكان آخر، وعلينا الاعتراف بحجم كلا الطرفين ونفوذهما، وكل ما نملكه هو المناصحة. على المجموعة الكبيرة والمؤثرة أن تكون مشروعاً للناس، لا مشروعاً عليهم، وعلى المشايخ التواضع قليلاً، والتخلي عن أوهام المكانة ووهم الهيمنة على الناس وذائقتهم، وتجييرنا مشاريعهم الخاصة.