السلفية المظلومة
في إجابته عن السؤال العقيم، كما وصفه في عنوان مقاله، يقول الدكتور عزمي بشارة: "إنّ كلّ مكرهة يُجمَع على نبذها، والنفور منها، تُفسَّر بنسبتها إلى الطرف الخصم، والحقيقة أنه يجري تجنب تفسيرها بإلقائها على الطرف الآخر، فيما يبدو رشاقة وخفة يد، وهو، في الحقيقة، بلادة وخفة عقل". وبهذه العبارة المهمة، يحدد عزمي بشارة مسألتين رئيسيَّتيْن في الجدل الدائر حول داعش، تناول الظاهرة كـ تهمة يراد توظيفها في الصراع، وإلقاؤها من كل طرف على الآخر، فهي إيرانية يحركها النظام السوري من جهة، وسلفية تكفيرية تمولها وتدعمها السعودية وقطر من جهة أخرى، المسألة الثانية تتعلق بطريقة التفكير والانشغال بالظاهرة، من يقف وراءها؟ هكذا يتساءل الناس، ولا تجد، إلا قليلاً، من ينشغل بماذا يقف خلف هذه الظاهرة، وما العوامل التي أدت إلى وجودها وتفاقمها.
ومن الواجب علينا، لفت الانتباه إلى مجموعة مهمة من المقالات التي تناولت الظاهرة، بعيداً عن محاولة توظيفها واستخدامها أداة في صراع، مقال عبد الله المالكي في موقع التقرير، وقد كان محاولة جادة لفهم ظاهرة الدولة الإسلامية في العراق والشام، عبر المقارنة مع ظاهرة (إخوان من طاع الله) التي رافقت نشأة الدولة السعودية الثالثة، وكيف شكلت المواجهة معها أساساً مهماً في طبيعة الدولة وهويتها التي تشكلت لاحقاً. ومقال آخر لمنصور الهجلة، في موقع منتدى العلاقات العربية والدولية، ناقش فيه أساس الظاهرة ومحاولة ربطها بالسلفية، وأخيرا نشر موقع العربي الجديد مقالين لافتين لنواف القديمي، قدم فيهما تحليلاً موسعاً موضوعيا لظاهرة داعش وتاريخها، وكيف تطورت لما هي عليه اليوم.
أعرض المقالات السابقة، ليعود إليها القارئ المهتم، والذي لا يريد لنفسه الحكم من خلال تغريدةٍ عابرة في "تويتر"، القارئ الذي لا تهون عليه نفسه، ويجعل منها عرضة للمارة في مواقع التواصل الاجتماعي، وأعرضها، لأني، في هذا المقال، لا أقدم إجاباتٍ، أو تحليلا للظاهرة، لعدم المعرفة والتخصص، إنما استوقفتني محاولات الاتهام المتكررة للسلفية والربط بينها وبين داعش، سلوكاً وفكراً وتوجهاً، مثل العبارة التي وردت على لسان الشيخ عادل الكلباني، وهو أحد أبناء المدرسة السلفية، يقول فيها: داعش نبتة سلفية. حقيقة يجب أن نواجهها بكل شفافية، هكذا قرر الشيخ في أقل من 140 حرفاً إنهاء النقاش، ولا أشكك بنيات الشيخ، بل بحكمه النهائي، وعلى الرغم من اختلافي الكبير مع الفكر السلفي في قضايا كثيرة، إلا أن حكما كهذا فيه من التجني ما لا يقبله المرء.
إن أكثر ما يُدان في ظاهرة داعش العنف المفرط، وإلا بماذا نفسر عدم الانشغال بجبهة النصرة على سبيل المثال، بالقدر نفسه الذي تناله الدولة، وهي الجبهة التي تحمل الفكر ذاته، لكنها أكثر انضباطا والتزاما ومسؤولية. ثمة من يجد الطريق سهلا لإدانة المدرسة السلفية بشكل متكرر، لعيوبٍ فيها لا يُختلف عليها، ولأن الأمر أكثر سهولةً على ما يبدو، تستطيع أن ترمي بكل شيء على السلفيين، من دون أدنى مراجعةٍ للاتهام وفحواه، ولا أحد يتساءل عن مصدر العنف في الجماعات الدينية المناقضة والمعادية للسلفية، عصائب الحق الشيعية مثلاً، والجماعات الدينية اليهودية والمسيحية، والتي مارست العنف بشكل يفوق داعش على مر التاريخ، وقبل زمن التوثيق باليوتيوب، إن العنف ظاهرة مستقلة وقديمة، وعلينا واجب بحثها ودراستها بشكل مستقل عن الجماعات، ودراسة أثر التعصب والأديان والأعراق والسياسات على تناميها، بدل إلصاقها دفعة واحدة بجماعة معينة.
في المدرسة السلفية ما يتطرف خوفاً من التغيير، وينادي بالجمود وعدم التزحزح والخروج عن الأوضاع القائمة، ومهما بلغت الأخطاء، فكيف يكون هذا سلفياً وداعشاً في الوقت نفسه! إن حاجتنا للتطوير والاجتهاد لا تنقطع، كأبناء هذه الحاضنة، لكن الانجرار خلف إدانتها بهذا الشكل، ووصمها بالتحريض على العنف، خطأ كبير، ولا يمكن أن يقدم خطوة واحدة في تحقيق الأهداف المنشودة.