"أوكنو".. مسرحية سورية تقفز من النافذة

30 يوليو 2015
من بروفات المسرحية (تصوير: عروة كوستا)
+ الخط -

أن تكون مسرحياً سورياً في هذا الزمان، إذن أنت مطالب بمخاطبة غرائر الممولين، ومعظم هؤلاء يريدون نصوصاً تتعلق بالراهن، عن الحرب واللجوء والعنف والسجون، وإن لم يكن هذا هو موضوعك تتدنى حظوظك في الحصول على دعم لائق.

ودون ذلك أيضاً بالكاد تجمع الحد الأدنى من الكلفة لتنجز عملاً بسينوغرافيا متواضعة، وتقنع ممثلين - هم غالباً أصدقاؤك - بالأجر القليل الذي سيتلقونه عن شهور طويلة وساعات مرهقة من البروفات والعمل.

لولا حب الفنانين للمسرح الذي يشبه الغريزة، لهلك المسرح السوري في هكذا ظروف. وفي مثل هذا الواقع يأتي عمل "أوكنو"، الذي ينطلق على خشبة "بابل" في بيروت أيام 6 و7 و8 آب/ أغسطس المقبل. وكأن معدّ ومخرج العمل والممثل فيه أيضاً عمر الجباعي يريد أن يقول إنه يستطيع كسوري أن يتحدث عن أمور أخرى غير الحرب، "في الحرب الناس تحب وتفترق وتتطلق وتختلف وتتشاجر أيضاً" يقول الجباعي في حديث إلى "العربي الجديد".

لا يعني ذلك أن الجباعي يدعو إلى تجاهل اليوميات السورية الراهنة، لكنه يرفض "القولبة" التي تُملي فيها المؤسسات -بشكل غير مباشر- ويتوقّع فيها المتلقي (سورياً كان أم عربياً أو أجنبياً) من الفنان مضمون ما يفعل. الجباعي نفسه كان قد أنتج عملاً سابقاً عن التعذيب ولكن من وجهة نظر المعذِّب.

يوزع المسرحي الشاب نفسه بين أكثر من جهة؛ ترجمة وإعداد وتمثيل وإخراج، في سبيل تقديم مسرحية ونص "عميق" عن "الروتين القاتل" مأخوذ عن المسرحية البولونية "أوكنو" (أي النافذة) للكاتب إيرناووش إيردنسكي، وهي من فصل واحد وكانت صدرت في كتاب مع مسرحيات أخرى من ترجمة محمد هناء عبد الفتاح.

تدور المسرحية على مدار ستة أيام يعود فيها الزوج من عمله ليجلس على الكرسي ويحدّق في نافذة البناية المقابلة، بينما تحاول زوجته أن تفهم ما يحدث وأن تبدّد هذا الروتين القاتل الذي نجم أيضاً عن روتين قاتل آخر.

حصلت المسرحية على دعم من مؤسسة "مواطنون فنانون" و"اتجاهات". التمويل ذو القيمة المحدودة قد يصنع عرضاً بشق الأنفس، "لكنه لا يمكن أن يساعد الفنان المسرحي في التفكير بمشروع مسرحي أكبر"، يوضح الجباعي. مثلاً في هذه الحالة اضطر الجباعي إلى اختصار السينوغرافيا على كرسي وطاولة وإضاءة. أو قد يضطر أي مخرج آخر في وضع مشابه إلى استبعاد النصوص التي تحتاج لممثلين أكثر وإمكانيات أعقد على الخشبة، لتصبح تلك النصوص بعيدة مثل الأمنيات المستحيلة.

وتظل الظروف تفاجئ فريق العمل الصغير لمسرحية "أوكنو" والمكوّن من نوّار يوسف والجباعي على الخشبة، وكرم أبو عياش مصمّم الإضاءة، كأن ينسحب الممثل قبل أسبوعين من بداية العرض ويأخذ الجباعي مكانه. أو ألا يجد فريق العمل الكثير من المواد المتوفرة حول ظروف المسرحية وكتابتها بالإنجليزية، فيضطرون إلى تجربة سيريالية متمثلة بترجمة البولوني إلى إنجليزي عبر غوغل، ثم محاولة فهم ترجمات غوغل نفسها، للإحاطة بكل التفاصيل الممكنة حول العرض وقت كتابته.

تفاصيل منهكة لا تخطر على بال المتلقي وهو يحاكم الممثلين والنص، المتلقي يريد كل شيء في مكانه ومضبوطاً كالساعة، بينما المسرحي يعمل بشق الأنفس وفي أحلك الأوقات.

دلالات
المساهمون