تحت عنوان "أندريه جيد والمسألة الكولونيالية"، أصدرت "منشورات جامعة ليون 2" مؤخراً المراسلات التي تبادلها الكاتب الفرنسي مع مارسيل دي كوبيه ما بين عاميْ 1924 و1950، وقد جمَع هذه المراسلات وقدّم لها كلّ من الباحثيْن المحاضِرة في الأدب الفرنسي بـ"جامعة باريس" إيلين باتي ديلالاند، وأستاذ الأدب في "جامعة نانت" بيير ماسون.
ودي كوبيه (1881-1968) كان إداريًا استعماريًا فرنسيًا تمركّز في عدّة بلدان في إفريقيا، من بينها مدغشقر والسنغال وغينيا وتشاد والكونغو، قبل أن يصبح الحاكم العام لغرب أفريقيا الفرنسية، وكان جيد قد التقى به في خريف 1920 عن طريق صديقهما المشترك الروائي الفرنسي روجر مارتن دو غار.
بدأت علاقة جيد بدي كوبيه من مشاريع سفر مشتركة إلى الكونغو وتشاد، وكتَب جيد كتابين عن هاتين الرحلتين كتابيْه "الرحلة إلى الكونغو" و"عودة من تشاد"، وهما بمثابة نص عن واحدةٍ من رحلات جيد الأفريقية، وقد استعان جيد بصديقه دي كوبيه الذي سهّل رحلاته بأوراق مهمات رسمية في بلدان خاضعة للكولونيالية، الفرنسية أو البلجيكية.
تطوّرت علاقة جيد بدي كوبيه من مساعدات في السفر، إلى مناقشات أدبية ثم صداقة ممهورة بالثقة والحميمية، وصولاً إلى الأسئلة السياسية، وقد نسجت رسائل الاثنين كلّ هذه الأمور وتداخلت معاً. وبحسب مقدمة الكتاب، فإن الموضوع الكبير الذي يوحّد دي كوبيه وجيد هو السؤال الاستعماري.
أخذ شكل النقاش بينهما حول المسألة جانبين؛ الأول كيف يمكن فرض رؤية عادلة وإنسانية للوجود الفرنسي في أفريقيا إن كان ذلك ممكناً، والثاني ينطلق من إدانة جيد الانتهاكات الفردية أو المؤسسية الفرنسية في المستعمرات.
يضمّ الكتاب 102 رسالة، وضعها المحرّران في سياقها التاريخي مع نبذة عن لحظة إرسالها وعلاقتها بالأحداث في حياة الاثنين، وتشكّل في مجموعها وثائق لا تلقي الضوء فقط على فكر جيد في مسائل سياسية وفكرية، بل تضيء أيضاً على نطاق أوسع النقاش حول الاستعمار في فترة ما بين الحربين.
في رحلاته، اكتشف جيد فضائح وممارسات لم يكن على علم بها؛ مذابح، وتجنيد قسري، ومآسي في إعداد سكة حديد الكونغو، ولم تمنعه علاقاته التي سافر من خلالها من الحديث عنها في كتبه، وأن يتناول استغلال الأوروبي الأبيض للسكان الأصليين وفظاعاته.
روى جيد في كتابيه فظاعات "شركة غابات الكونغو الأعلى" التي كانت تحتكر استخراج الكاوتشوك، وذكَر كيف كانت تجمع السكان المتمرّدين على تعليماتها، فتقتل الرجال وتقطع أوصال النساء وتحرق الأطفال وهم أحياء.
لكن جيد نفسه مشى على الدروب التي عبّدها أطفال وفتيان بأيديهم ومهدوها للعربات الفرنسية، التي كانت تحمله بوصفه مكلّفاً بمهمة حكومية فرنسية، وهذا ما يرويه في كتابه عن الكونغو، كما أن هناك علامات اسستفهام كثيرة حول صورة العربي والأفريقي في أعماله، مثلما ظهرت صورة السكان الأصليين في عمله "اللاأخلاقي" فهذه ليست رواية غريبة كلياً عن الخطاب الاستشراقي، ولم تكن "قوت الأرض" ببعيدة عن السياق الأيديولوجي والاجتماعي الاستعماري.
يذكر أن ديلالاند هي باحثة متخصّصة في أعمال الروائي الحائز على نوبل. أما ماسون فهو رئيس "جمعية أصدقاء أندريه جيد"، قام بتحرير المجلدات الأربعة الأخيرة من أعمال جيد ضمن سلسلة "لا بلياد".