يحافظ "أمبيانس" (2019)، للفلسطيني وسام الجعفري، على بساطة لافتة للانتباه في انتقاء أدوات بصرية، تُعينه على سرد حكاية مُتداولة. لا ادّعاء ولا تصنّع، بل محاولة سينمائية لكشف شيء من يوميات أناسٍ يُقيمون في مخيم للاجئين داخل بلدهم المحتلّ، بعيدًا عن بطولات ونضالٍ وأيديولوجيات. محاولة تثبيت فكرة أنّ السينما الفلسطينية مستمرّة في مقاربة التفاصيل الحياتية للناس، وتعرية بيئاتهم ومسالكهم وأنماط عيشهم، وتوثيق حكاياتهم وانفعالاتهم وبوحهم.
والبساطة، إنْ تمتلك حيوية سرد وجمالية قول، تقدر على تكثيف اللحظات، والانصراف إلى الأهمّ، والتقاط المطلوب. هذا يصنعه وسام الجعفري في فيلم قصير (15 د.)، يفوز بالجائزة الثالثة (مناصفة مع Duszyczka للبولونية بارْبارا روبتيك) في مسابقة الأفلام القصيرة، في الدورة الـ72 (14 ـ 25 مايو/ أيار 2019) لمهرجان "كانّ" السينمائي الدولي. فيلم يبغي وصفًا حسّيًا لمشكلة يواجهها شابٌ يريد، باختصار شديد، تسجيل مقطوعة موسيقية بمساعدة صديق له. المأزق أن الشابين مقيمان في "مخيّم الدهيشة" (جنوب بيت لحم، الضفّة الغربية)، بما يعنيه هذا من كثرة سكّان، ومن ضيق مساحات، ومن تلاصق أبنية وجدران، ومن ضجيج لن يعرف هدوءًا البتّة.
هذا يُضاف إلى أفعالٍ أخرى، كرصاص المحتلّين، وحفلات أعراس، وأصوات متظاهرين. في 15 دقيقة، يُقدِّم الجعفري ما يُفترض بفيلمٍ قصير أن يُقدّمه، من دون ثرثرة أو إطالة أو إيغال في تفاصيل هامشية، رغم أن لتفاصيل كهذه، أحيانًا، قيمًا حياتية، فالأهمّ بالنسبة إليه كامنٌ في التقاط مسلك خالد (صلاح أبو نغمة) تحديدًا، في يوم كامل يبحث خلاله عن حيّز لتحقيق ما يبغيه. وأثناء ذلك، ينتبه إلى هوامش تعكس شيئًا إضافيًا من يوميات المخيّم وناسه: ثرثرة جيران، صحّة إحدى القريبات، الأم وعلاقتها بابنٍ مشغول بالموسيقى رغم كلّ شيء.
فشل خالد في إنجاز المرغوب فيه يُثير قلقًا ومخاوف. لكن صبيًا في محل للحلاقة يُنبّهه (من دون قصد) إلى أن الأصوات، التي يعتبرها مزعجة له، قادرة على إفادته، فيبدأ تجوالاً في أزقّة الشارع لتسجيل أصواته وأصوات ناسه.
تقنيات متواضعة، وإضاءة تعكس تبدّل الوقت، وإشارات إلى بؤس الحياة اليومية (انقطاع الكهرباء مثلاً) من دون بكائيات أو ندب، ورغبة في تفوّق الموسيقى على خرابٍ يحاصر الناس والأشياء، هذه كلّها أمورٌ تتكثّف في صنع "أمبيانس" فلسطيني من داخل مخيّم ينتصر للحياة في مقارعة شقاء وحصار.