تحت عنوان "أكوان"، ينطلق اليوم معرض النحّات اللبناني بسام كيرلس في "غاليري مارك هاشم" ببيروت. المعرض، الذي يستمر حتى الخامس عشر من آذار/ مارس المقبل، يضم مجموعة مختارة من أحدث أعماله التي تستكشف سرديات المكان من خلال دورات التدمير والتجديد.
يسكن فن كيرلس (1971) في مناطق حدودها بين الدمار والانبعاث. يبتكر الفنّان منحوتات لحضارة بديلة، تشهد على تاريخها وتجديد نفسها في وقت واحد. تحمل هياكله علامات الصراع أثناء بحثها عن استراتيجيات البقاء التي تُعتَبر أساسية لاستمرار الحياة.
في عالم "الأكوان"، الذي تدور فيه منحوتات كيرلس، بحث عن حتمية الوجود وتساؤل عن حقيقة المكان. يقول بيان المعرض: "تشير دراسة علمية إلى أن المادة التي تشكل كل شيء لا توجد بالفعل، ولكننا نعيش في مساحة من الصور المجسمة التي تتكون وفقاً لأفكار كل فرد".
ويضيف: "الكون الذي نعيش فيه بدأ مع "الانفجار الكبير"، الذي نتج عنه المكان والزمان وبعد ذلك جاءت الطبيعة والحياة ذات الطبيعة العنيفة"، ووفقاً لكيرلس، فإنه و"بدلاً من الحتمية في عالم متعدّد الأكوان يحكمه العنف، يستمد الواقع وجوده من الأفكار والمعلومات والوعي".
في منحوتاته، يأخذ المكان شكل المبنى، حيث تتراكم الأشكال الأفقية والرأسمالية في مزيج يحاكي الحرب والعنف والدمار والموت، ولكن بشكل متوازٍ؛ حيث تعكس جميع العناصر البصرية القيامة والأمل.
عن ذلك، كتبت الناقدة بشرى بن فاطمة: "أبرز ما يميّز أعماله هو الجوانب الجمالية التي تصقل الفكرة بدرجات متفاوتة البناء في تجسيد المباني والعمارة، انطلاقاً من الرمز إلى عملية الهدم المادي والترميم الفكري التي تتناقض مع تعبيرات المكان والطمأنينة والسكن كرمزية تعكس تلك الصورة الطبيعية لفكرة المسكن التي تحتل المشاعر والوجدان الحنين والذاكرة".
وتضيف: "المباني والعمارات في أعماله تبدو مهدمة ومحطمة بشكل يحوّل الفكرة من الأمان إلى الخوف تعبيراً عن السلام المفقود، وهنا يحوّل الجماليات إلى مواقف إنسانية تجادل الرتابة في تذوُّق الواقع والوجود؛ فالهدم عنده هي الحروب والفوضى والتهجير وانقلاب المعايير الحياتية كمحامل تشحن المشاعر".
أمّا الفنّان نفسه، فيعتبر أن حضور العمارة في أعماله "انعكاس لصورة الحروب الطاحنة التي لا تزال تجتاح عالمنا فيكون الفن صرخة تحتج على ما يحدث وتستحضر ذاكرة الحرب بما فيها الحرب اللبنانية التي ترعرعتُ خلالها. إضافة إلى ذلك فإن الأعمال التي تعبّر عن أهوال الحروب إنما هي مجال لإشباع كبت عنفي متجذّر لدى الشعوب المقموعة، فيكون جمال الفن هو الضحية فداء لسلام مفقود".
يميل كيرلس إلى العمل بتقنيات غير تقليدية مثل صب البرونز والألمنيوم وإدماج المواد الصناعية. درس الفلسفة وتابع دراساته في الفنون بين روما وباريس، كما شارك في عدد من الملتقيات التشكيلية الدولية من بينها؛ ذلك البينالي الإسلامي في إيران وبينالي الإسكندرية في مصر.
أقام كيرلس معارض فردية في باريس وموسكو وهونغ كونغ وبازل ودبي وبيروت، وعمل أستاذاً للفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية ببيروت، وله عدة نصب تذكارية تجسد شخصيات تاريخية وفكرية من أهمها؛ تمثال مي زيادة في لبنان.