10 نوفمبر 2024
"أسالام أليكوم" السيد المبعوث
أطلق نشطاء سوريون صفحة على "فيسبوك" لجمع تعليقات "الشعب" السوري الموجهة إلى ستيفان دي ميستورا، المبعوث الخاص، والخاص جداً من ناحية الأداء، للأمم المتحدة في الشأن السوري. ولم تنتج هذه المبادرة عن تداعيات المفاوضات والمباحثات القائمة بخصوص عقد لقاء في جنيف وإجراء المفاوضات بين النظام والمعارضة السوريين، بل هي عبرت عن ردة فعل "مواطنية"، إثر توجيه السيد المذكور خطاباً متلفزاً إلى الشعب السوري. وبالتالي، صار من حق من تلقى الخطاب أن يُعبّر عن رأيه به وبصاحبه وبمؤسسة صاحبه وبمجتمع دولي يُغطي ارتكابات صاحبه بسلبها و"إيجابها".
بما أن المبعوث توجّه إلى المسحوقين من سوريين ومن سوريات، فقد صار لهم ولهن أن يجيبوه بما يستحقه من "حفاوة" و"تكريم". وإلا، ودرءاً لهذا الموقف غير المشرّف لمن يشغل منصباً بهذه الأهمية، رمزياً على الأقل، فقد كان عليه أن يتوجه إلى أطراف "النزاع" السوري، مموّهاً بهذا الأسلوب الالتفافي خطابه، ليظنّ الناس البسطاء، مثلنا، بأنه يتوجه إلى النظام كما المعارضة على درجةٍ واحدةٍ من المسؤولية، ويُعفي عموم الشعب الضحية القابع تحت نيران الموت أو اللاجئ في تغريبته الملحمية.
وعلى الرغم من نصائح الأطباء المتكرّرة لي بالابتعاد عن الشرائط المصورة، القاسية الحمولة والقبيحة المحتوى والدموية النتائج، إلا أنني تجاوزتها، وتجرأت وتابعت كلمة السيد المبعوث، لأحاول أن أجد بارقة أمل، أو فتحة نور لهذا الشعب السوري العظيم، أو لمن تبقى منه. أو حتى، وبسذاجةٍ عالية المستوى، أملت أن أسمع منه كلاماً يليق بالدبلوماسية الدولية بخصوص سورية منذ خمس سنوات: لا طعم ولا رائحة، مع كمشةٍ من القلق الذي تعودنا على الاستهزاء به. وبالنتيجة، لا شيء من هذا كله، بل كان الشكل والمحتوى مثبطين أكثر من صفعة "شبيح" يعترض مسار معارضٍ أو موالٍ، لا يعجبه منظره.
فعلى الرغم من مصاحبة هذا "الكليب" التلفزيوني بما يلزم من خلفيةٍ زرقاء، تُطمئن إلى أن المنظمة الأممية تملأ ما استطاعت دورها الأساسي، المنوط بها في ميثاقها الأساسي، والمتعلق بإحلال السلام، إلا أن بداية الشريط بعبارة "السلام عليكم" تدفع فوراً على انتقاص عشرة علامات من المعدل العام. فاللجوء إلى هذا الأسلوب الاستشراقي "الممجوج" يُذكّر بعتاة الغزاة والفاتحين والمحتلين الذين ظنوا، يوماً، ما بأن تلفظهم بلغة الضحايا سيقربّهم من هؤلاء الضحايا، خصوصاً بعد أن أدمت أجسادهم براميل المتفجرات، وخنقت أصواتهم غازات الخردل والسارين. سيتبرّع أحدهم، من أصحاب العقل والتحليل الهادئ، بانتقاد هذا التوصيف، واعتباره وقوفاً عند الشكل وليس المضمون. ولكن، ككل رسالةٍ يفضحها عنوانها، يبقى ما تلا في خطاب المبعوث أسوأ وقعاً وحمّالاً لرسائل، إنْ لم تكن سيئة، فهي وعلى أقل تقدير، مشوّهة للحقائق، ولا تليق بمهمة وساطة أو توسط.
فالسيد المبعوث، بعد أن يدمج مفهومي "المفاوضات" و "المباحثات" بين السوريين، عن غير
قصد وترصّد بالتأكيد، يناجي الشعب الضحية، طالباً مساعدته في وقف النزاع، وكأنه قُدِّر لهذا الشعب الذي ظنّ يوماً أن له حقوقاً يطالب بها سلمياً، فتعرّض إلى حرب إبادةٍ جماعيةٍ متعددة الجنسيات، أن يكون قادراً على أن يجيب هذه المناجاة. وكأن السيد المبعوث يُعيد إنتاج المقطع التلفزيوني الذي ظهرت فيه "إعلامية" نظامية متوجهة إلى إمرأةٍ تموت وتئن، طالبة منها أن تشير بإصبع الاتهام، وهي التي ربما فقدت كل أطرافها، إلى "الإرهابيين". السيد المبعوث يتحدث عن الاستقرار والسلام والكرامة التي يحتاجها السوريون، وكأنه يُحمّلهم مسؤولية تعثّر إمكانية إجراء المفاوضات التي يستعد، هو وموظفوه، لعقدها بمن حضر إلى جانب ممثلي النظام من معارضةٍ أمنيةٍ أو روسيةٍ أو إيرانيةٍ أو هلامية، لا يُمثّل أعضاؤها أفراد أسرتهم الضيّقة.
يرتفع ضغط المتابع، وتتسارع ضربات قلبه، لكنه يأمل بعبارةٍ تشير، ولو قليلاً إلى مسؤوليةٍ، ولو جزئيةٍ، من تسبب بالعنف، ومن يملك قواه التدميرية الهائلة، إلا أن سراب الموضوعية سرعان ما يشيح عن تعبير فجّر التعليقات، عندما أشار السيد المبعوث إلى أن الناس "لا يعرفون من أين يأتيهم القصف"، وحدد أدواته بالصواريخ، حتى يصبح المشهد أكثر ضبابية. وربما السيد المبعوث لم يسمع بالبراميل المتفجرة، أو القنابل العنقودية والفراغية، أو أنه نسي أو تناسى قراءة تقارير المنظمات الحقوقية الدولية حول استخدامات الأسلحة الكيميائية، فهو غالباً ما يعتمد على تقارير موظفين أمميين، يبحثون عن لقمة العيش في أروقة جنيف أو نيويورك، والذين وصلت حرفيتهم للتشاور مع ممثلي الحكومة السورية وتعديل عبارات تقاريرهم "الإنسانية"، كما ذكرت، أخيراً، مجلة "فورين بوليسي".
السيد المبعوث الذي سعى إلى إقناع المعارضة السورية بقبول المشاركة في المفاوضات مع النظام، من دون تحقيق أيٍ من بنود قرار مجلس الأمن 2254، والتي تتعلق بوقف القتل اليومي وفك الحصار عن المناطق السكنية، يتوجه الى السوريين ختاماً بالقول: "الأمم المتحدة لم تتخلَّ عنكم، ولن تخذلكم". وكل ما سبق قوله، كما مجمل مسار وساطته وإنجازاته، والتي توجها بهذه الكلمة المصوّرة يدل على العكس تماماً. ونستعير عبارتين وردتا بالعربية الاستشراقية في كلمته، ونعيد رميهما في ملعبه: "خلص.. كفاية".
بما أن المبعوث توجّه إلى المسحوقين من سوريين ومن سوريات، فقد صار لهم ولهن أن يجيبوه بما يستحقه من "حفاوة" و"تكريم". وإلا، ودرءاً لهذا الموقف غير المشرّف لمن يشغل منصباً بهذه الأهمية، رمزياً على الأقل، فقد كان عليه أن يتوجه إلى أطراف "النزاع" السوري، مموّهاً بهذا الأسلوب الالتفافي خطابه، ليظنّ الناس البسطاء، مثلنا، بأنه يتوجه إلى النظام كما المعارضة على درجةٍ واحدةٍ من المسؤولية، ويُعفي عموم الشعب الضحية القابع تحت نيران الموت أو اللاجئ في تغريبته الملحمية.
وعلى الرغم من نصائح الأطباء المتكرّرة لي بالابتعاد عن الشرائط المصورة، القاسية الحمولة والقبيحة المحتوى والدموية النتائج، إلا أنني تجاوزتها، وتجرأت وتابعت كلمة السيد المبعوث، لأحاول أن أجد بارقة أمل، أو فتحة نور لهذا الشعب السوري العظيم، أو لمن تبقى منه. أو حتى، وبسذاجةٍ عالية المستوى، أملت أن أسمع منه كلاماً يليق بالدبلوماسية الدولية بخصوص سورية منذ خمس سنوات: لا طعم ولا رائحة، مع كمشةٍ من القلق الذي تعودنا على الاستهزاء به. وبالنتيجة، لا شيء من هذا كله، بل كان الشكل والمحتوى مثبطين أكثر من صفعة "شبيح" يعترض مسار معارضٍ أو موالٍ، لا يعجبه منظره.
فعلى الرغم من مصاحبة هذا "الكليب" التلفزيوني بما يلزم من خلفيةٍ زرقاء، تُطمئن إلى أن المنظمة الأممية تملأ ما استطاعت دورها الأساسي، المنوط بها في ميثاقها الأساسي، والمتعلق بإحلال السلام، إلا أن بداية الشريط بعبارة "السلام عليكم" تدفع فوراً على انتقاص عشرة علامات من المعدل العام. فاللجوء إلى هذا الأسلوب الاستشراقي "الممجوج" يُذكّر بعتاة الغزاة والفاتحين والمحتلين الذين ظنوا، يوماً، ما بأن تلفظهم بلغة الضحايا سيقربّهم من هؤلاء الضحايا، خصوصاً بعد أن أدمت أجسادهم براميل المتفجرات، وخنقت أصواتهم غازات الخردل والسارين. سيتبرّع أحدهم، من أصحاب العقل والتحليل الهادئ، بانتقاد هذا التوصيف، واعتباره وقوفاً عند الشكل وليس المضمون. ولكن، ككل رسالةٍ يفضحها عنوانها، يبقى ما تلا في خطاب المبعوث أسوأ وقعاً وحمّالاً لرسائل، إنْ لم تكن سيئة، فهي وعلى أقل تقدير، مشوّهة للحقائق، ولا تليق بمهمة وساطة أو توسط.
فالسيد المبعوث، بعد أن يدمج مفهومي "المفاوضات" و "المباحثات" بين السوريين، عن غير
يرتفع ضغط المتابع، وتتسارع ضربات قلبه، لكنه يأمل بعبارةٍ تشير، ولو قليلاً إلى مسؤوليةٍ، ولو جزئيةٍ، من تسبب بالعنف، ومن يملك قواه التدميرية الهائلة، إلا أن سراب الموضوعية سرعان ما يشيح عن تعبير فجّر التعليقات، عندما أشار السيد المبعوث إلى أن الناس "لا يعرفون من أين يأتيهم القصف"، وحدد أدواته بالصواريخ، حتى يصبح المشهد أكثر ضبابية. وربما السيد المبعوث لم يسمع بالبراميل المتفجرة، أو القنابل العنقودية والفراغية، أو أنه نسي أو تناسى قراءة تقارير المنظمات الحقوقية الدولية حول استخدامات الأسلحة الكيميائية، فهو غالباً ما يعتمد على تقارير موظفين أمميين، يبحثون عن لقمة العيش في أروقة جنيف أو نيويورك، والذين وصلت حرفيتهم للتشاور مع ممثلي الحكومة السورية وتعديل عبارات تقاريرهم "الإنسانية"، كما ذكرت، أخيراً، مجلة "فورين بوليسي".
السيد المبعوث الذي سعى إلى إقناع المعارضة السورية بقبول المشاركة في المفاوضات مع النظام، من دون تحقيق أيٍ من بنود قرار مجلس الأمن 2254، والتي تتعلق بوقف القتل اليومي وفك الحصار عن المناطق السكنية، يتوجه الى السوريين ختاماً بالقول: "الأمم المتحدة لم تتخلَّ عنكم، ولن تخذلكم". وكل ما سبق قوله، كما مجمل مسار وساطته وإنجازاته، والتي توجها بهذه الكلمة المصوّرة يدل على العكس تماماً. ونستعير عبارتين وردتا بالعربية الاستشراقية في كلمته، ونعيد رميهما في ملعبه: "خلص.. كفاية".