لا يخلو لقاءٌ يجمع وزير الثقافة الأردني، عادل الطويسي، مع هيئة ثقافية أو حوار له مع وسائل الإعلام من تدبيج شعارات وكليشيهات جاهزة حول دور الوزارة في محاربة الإرهاب، وكشفه عن خطط ومرصد لمتابعة "التطرف الثقافي"!
الوزير الذي شغل هذا المنصب بين عامي 2006 و2008، استطاع أن يضع أول خطة للتنمية الثقافية (لثلاث سنوات)، في تاريخ وزارته، تشمل مشاريع نشر وتفرّغ إبداعي ودعم لقطاعات عديدة، وتمكّن من تنفيذ جزء منها، حاز على شهادة الخصوم والأصدقاء، آنذاك، بنجاحه الملحوظ في موقعه.
عاد الطويسي وزيراً للثقافة في الحكومة الجديدة - التي شكّلها هاني الملقي مطلع حزيران/ يونيو الماضي - محمّلاً بتطلعات لإكمال خطته، التي لم يطرأ عليها أي تعديل بعد انتهائها، بل تراجعت معظم مخرجاتها وألغي بعضها كذلك، لكنه صُدم بانخفاض ميزانية الوزارة القليلة من 17 مليون دينار أردني (تعادل 25 مليون دولار أميركي) إلى ما دون النصف، وهي بالكاد تفي برواتب موظفيها والتكلفة التشغيلية لمراكزها الثقافية في العاصمة والمحافظات.
تركّزت تصريحات الوزير الأولى على خطة تنمية ثقافية جديدة لأعوام (2017 - 2019)، والبحث عن موارد مالية إضافية من مؤسسات القطاع الخاص، لكن ذلك تراجع فجأة لصالح حسابات أخرى، إذ كُشف عن وثيقة وطنية لمكافحة التطرف وُضعت قبل عامين، تتشارك في تنفيذها 17 جهة رسمية، منها الثقافة، وإن أشرفت عليها أجهزة الأمن وسبغتها بطابعها.
من دون سابق إندار، نقلت الحكومة المهام الإدارية والفنية لـ "مديرية مكافحة التطرف والعنف"، من وزارة الداخلية إلى وزارة الثقافة، وشكّلت لجنة برئاسة وزيرها وعضوية المديرين العامين لعدد من الوزارات والجهات المعنية، بهدف متابعة تنفيذ الوثيقة.
تبدّلت اهتمامات الوزارة، وأعلن الطويسي عن العمل على إنشاء "مرصد التطرّف الثقافي"، تنبثق منه لجان تتبّع الأعمال الدرامية أو الثقافية، ومواجهة إمكانية استغلالها للترويج لأي فكر متطرف، والسعي نحو تجهيز سلسلة من الكتب والأفلام الوثائقية تدعو إلى تعزيز السلوكيات ونبذ التطرف بأشكاله كافة، وتأسيس "جائزة ثقافة التسامح والاعتدال"، وغدا شعار خطة التنمية الثقافية: "الإصلاح الثقافي بوابة للإصلاح السياسي والاجتماعي".
لم ينتبه القائمون على هذه الأفكار إلى أنهم يحوّلون وزارة الثقافة إلى مؤسسة للدعاية والتوجيه السياسي، وبدلاً من دعم شتى أشكال الإبداع والفنون بوصفها فعلاً يتوق إلى الجمال والحرية والتحرّر، وُضعت أهداف مسبقة ستجلب معها نتاجات ومشاريع رديئة يستثمرها أدعياء ومستغلون بكليشيهات جاهزة لمحاربة التطرّف، كما استغلها آخرون قبلهم تحت عناوين "وطنية" في العقد الأخير تحديداً.
مرّت مفاهيم "الإسلام السمح" و"الاعتدال" و"الوسطية" في خطاب الوزير من دون تدقيق وتوضيحٍ لما يعنيه، وكيف تمكن ترجمتها في الواقع، وغمز البعض إلى مفارقة تتمثل بكون الوزارة هي الجهة التي تمنح ترخيص مراكز دينية اتهم بعضها بنشر التطرّف، وتحصل على تبرعات محلية وعربية بالملايين، بينما يهدّد الإفلاس معظم الروابط الثقافية المرخصة من قبل الوزارة.
لم تمض أيام قليلة حتى صرّح الطويسي بنقل "ملف مكافحة التطرّف" برمته من وزارته إلى مجلس الوزراء، إذ سيعهد إلى موظف كبير في الدولة، وهو ما عكس ارتباكاً رسمياً في إدارة الملف، ولا يعلم أحد إن كان المجلس سيتنازل مرة ثانية أو ثالثة عنه إلى جهة أخرى.
لكن يبدو أن وزارة الثقافة التي تعاني مشاكل لا حصر لها ستنشغل لسنوات مقبلة بعناوين لا تخصّها، إنما فرضتها توظيفات واشتراطات سياسية كان يمكن الاستغناء عنها لو أن الدولة الأردنية دعمت الثقافة والفن بوصفهما أساس بناء المجتمعات لا مجرّد ديكور لتزيين حكوماتها المتعاقبة.