حين تقلِّد امرأةٌ نشيدَ القبَّرة

31 ديسمبر 2018
(الشاعر، تصوير: فريدي أماريلس)
+ الخط -

في أقصى الزُّرقة

في أقصى زُرقة البحر، شفقٌ وسماء
وملائكة تعرف كلَّ نجمةٍ باسمها.
لكن، لماذا يبتعدُ عنِّي أفقي وسمائي، كلّ هذا البعد؟
ألأنّهما يحتفظان بالشباب والجمال كالشِّعر في روحي؟
لماذا ينزع هذا العمرُ القمر عن سمائي،
بوحوشها وطيورها؟


■ ■ ■


القبَّرة

جاءت القبَّرة للعالم قبل الآلهة
ومن نشيدها العذب، وُلدت الأحلام وطعام الآلهة.
تنشِد القُبّرات لأرواح النار والهواء والمياه في الينابيع
وتُنشد لروح الأشجار في الأرض،
تُنشِد للسماء حين تطير.
وُلدت القبّرة في بحيرة صغيرة من العدم
في أسود لامتناهٍ
قبل أن يَخلق الشرر المتقافز من عجلة المِسنِّ
النجومَ،
قبل أن تظهر الجزر البيضاء
حين تقلِّد امرأةٌ بشفاهٍ زرقاء
نشيد القبَّرة.


■ ■ ■


سيِّدة الطيور

(إلى ألبا سكار، مع كثير من الحب والشكر)

رأيت في شبابي طيوراً ضخمة
تطيرُ حيث يتّسع الكون باحثاً عن أحلام جديدة،
رأيتُها تتجاوز بركة النفايات الكثيفة التي تمنع رؤية السماء،
رأيت ملايين الرجال والنساء يلعقون جراحهم
وهم يدخلون السماء
تتبعهم نسور وديكة عمياء
يفتحون ممرّاً في البحر.
لكن في عمري هذا،
يبدأ اليومُ بأقمار من المرجان على البحر الواسع
في عالم صغير
في غبطة الحب،
والأسماك تخرج للهواء لتتنفَّس عطور الغاردينيا
وشذى النساء.
في عمري تمتلئ السماء بالنجوم
بإمكاني أن أنادي كلَّ واحدة باسمها،
في عمري أرى سرباً من الغيوم يكتب ألفبائيَّةً جديدة
كلمات عذبة للعاشقين
وأسمع الطيور تغنِّي هذه الكلمات
كي تطير في النعمةِ، سيِّدتُنا، سيّدة الطيور.


■ ■ ■


ما قاله لي ملاك

فضح ملاك مصابٌ بالبرد الدنيا
كي يوقظني في منتصف الليل،
قال لي إنه كان يزرع زهوراً في السماء
وإن الفراشات كانت تساعده لصناعة أكاليل
من الورد والياسمين والأوراق الخفيفة
لإحياء مشهد أطياف القدِّيسين،
قال لي إن الأشجار في السماء لا تموت
وإنها جميلة متينة
وإن الملائكة تتسلّق أغصانها مع الطيور
لتشدو عن صفاء طعم الفاكهة
على إيقاع طيران المجرّات السرمدي
وارتعاشة أجنحتها،
وإنه في السماء كانت هناك أضواء ولمعان
وإنها تُضاء حين تمرُّ روحٌ في السماء
فتمنحها الملائكة لوناً نقيّاً.


■ ■ ■


على ضوء البرق

على ضوء البرق رأيتُ روحي منعزلة،
رأيتُ سوسناتٍ بيضاوات، زهرة الغرانيوم، ريحاناً
فقاقيع ومرجاناً،
رأيت كنارياً يبكي ومنقاره معكوس نحو السماء،
ورأيتُ كدر روحي:
الوجه الجافَّ البائس،
بلا أجنحة، طيراً جريحاً.
يتعرّف الإنسان على قسوةٍ تواجه الروح
طائرٍ ينزع الجَمال عن الريش،
بلا نشيد.


■ ■ ■


زهرةٌ من ملايين السنين

على طرفٍ من العالم
منذ ملايين السنين
أكل رجلٌ بدائيٌّ وردة
ونام وهو يُراقب النجوم.
لم يكن عالماً من الأوهام
ولم تكن هناك خيبات أمل.
كانت الفطرة تدافع عن الحياة.
وكانت الألوان نقيَّةً برِّيَّة
كالجوع.
كانت الملائكة تهرب من السماء لترى الألوان،
وكان الرجال والنساء حين يموتون
يعودون للأرض
لأنهم لم يشاؤوا نسيان ألوان أوراق الأزهار،
ولا ألوان الأسماك ولا الطيور.


■ ■ ■


زهرةٌ لسان فرانسيسكو دي أسيس

(إلى أبي، الذي علّمني أن أحبَّ سان فرانسيسكو دي أسيس)

جيوفاني بيرناردوني، ابن بيترو بيرناردوني،
فرانسيسكو، فرانسيسيتو،
أعاد إلى أبيه الملابس واللقب والاسم
وبقي حافياً عارياً،
تزوج من "مادونا الفقراء"
وعرف كيف يضع لها ألوان المطر وكيف يُلوِّن نشيد الطير.
كانت روح جيوفاني بيرناردوني دوماً في الجانب المشرق من الحياة.
بقيَ فرانسيسكو وحيداً،
وتزوّج من القدِّيسة "العُسرة" التي هي زوجة الروح،
علّمته كيف ينشد كالطيور
مع الروح العارية
التي يُنشدها الرجل حينما يرتدي
"مادونا الفقراء"
ويتدثّر بالروح
وتكون رائحته ورداً
تطير الطيور في صفاء أنفاسها،
في مياهها الضحلة الأصيلة
وفي ضحكتها التي هي زغردة عذبة للكناري،
تبني دير سان داميان
والمذبح
كي تكون قطعة زرقاء من السماء
متاع الروح الوحيد
في الأرض.


■ ■ ■


طيرٌ مليءٌ باللوز

أروحُ للماضي حيث يمنحني أبي القوّة،
ويلقي لروحي طعام الطيور المعطّر
كي لا تحزن الملائكة.
حين التقيتُ أبي
كنَّا قدِّيسيْن متحابَّيْن،
مُحاطيْن بالأسماك، والزوارق.
نحن كطيرٍ مليءٍ باللوز
يعلو للنجوم
ليرى الربيع،
ليزرع الأشجار المُزهرة،
ليستمع للناس الذين يحكون ما يعيشون،
يعلو
للَّهيب المُتصاعد للسماء
دون أن يحرق الملائكة
المختبئة في أوراق الشجر الوارفة،
وفي روائح الحيوان.


■ ■ ■


اكتشاف الأبراج

أخرج كلَّ يوم لأحدّق في الكون الشاسع
ليلاً، أبحث عن شقوق في السماء
تدخل منها ملائكة ضخمة وتخرج
السراديب التي دخل منها إبليس حينما عاد كالابن الضال
طالباً الصفح.
تعرف الملائكة كلّ زاوية من الكون
لأنها من شقَّ مسارات تعاقب الأجرام السماوية،
اكتشفت الأبراج،
رسمت ألوان المجرّات بخيال أحلامها
السماوي
وضعت على النجوم بريقها الخفيف.
مئات الملايين من الملائكة تحرس تناغم الكون،
مئات الملايين من الملائكة تراقب مملكة الرجل والمرأة في الأرض.


* Francisco de Asís Fernández من مواليد غرناطة (نيكارغوا) عام 1945. كغيره من شعراء جيله، ناضل في الحركة الساندينية ضد الديكتاتور سوموسا حتى سقوطه. نشر العديد من الأعمال الشعرية، منها: "آلامُ الذَّاكرة" (1986)، و"الحُبُّ والموتُ" (1997)، "شجرة الحياة" (1998)، "احتفال البراءة" و"تدوير الشعر" (2001)، "مرآة الشاعر" (2004).

** ترجمة عن الإسبانية: غدير أبو سنينة

المساهمون