كلّما ضلَّ مساءٌ طريقَه

15 مارس 2016
أيمن حلبي/ الجولان السوري المحتل
+ الخط -

المساء هنا ينام أمام النوافذ عارياً إلاّ من ظلمتِه، أجُرُّه من يده إلى منزلي، هؤلاء إخوتك الذين لفرطِ ما كانوا متعبين صباح أمس، باتوا نهارهم هنا، ففاتتهم طرق العودة.

وهكذا كلّما ضلَّ مساءٌ طريقَه أو نسي موعد العودة جاء إلي، فتكاثرت المساءات في منزلي، في المطبخ، على المكتبة، داخل الصور، على الجدران، في الملابس، وتلك التي آخذها معي إلى العمل أو الشارع، لكنّها كلُها ناقصةٌ وتحتاجُ إلى حمّام دافئ وعشاء صحي.

وحدث ذات مرّة أني نسيتُ أن أصحوَ فتأخّر المساء عن المدينةِ خمس ساعات، ومرّةً في -الخريف الماضي- وجدتُ مساءً تعثّر بين صباحين ووقع فغطّى الطين وجهه وبدا عجوزاً مُتعباً، حملتُه وأنا أعرف أن المساءَ حينما يُصيبه المرض يهرم بسرعة، فيصير أشبه بيوم طويل ثقيل الوزن له رائحة المطر والحزن.

وكذلك وجدتُ مرّةً مساءً غيرَ مكتملٍ لا يكفي يوماً واحداً، جررته من يدِه وما زال عالقاً بيدي حتى الآن، حتى أنّ مساءً عاشقاً زارني فقط ليُحدّثني عن كدر الوقت وعن أناسٍ طافحين بالخير، التقاهم في المدن المختلفة، ثم ضاع صوتُه وهو يشرحُ لي طعم فتاته في القبلة الأولى، ثم أخبرني لاحقاً أن مهنة المساء أن يشرح الصمت.

أُطلُّ من شرفتي، مساءٌ جديدٌ تائهٌ في المدينة، تعالَ إلى منزلي، فالطريقُ بعيدٌ نحو الحافلة، وأنا أعرفُ أنّ مدناً أخرى سينقُصُها مساء.

أُراقبُ مساءاتٍ كثيرة تهربُ، تتجمّع في منزلي، أعرف أنها تحتاج شخصاً آخر الآن، شخصاً يستطيع أنْ يُرتّب لها مواعيد الصحو والحب، مواعيد الكلام والصمت، مواعيد الحافلة نحو اليوم المقبل أو الشخص المقبل أو المدينة المقبلة.


* شاعر فلسطيني مقيم في موسكو



اقرأ أيضاً: لتصبحي أبدية بعدها

المساهمون