كمنجات أمواتنا المتجمدة

24 ديسمبر 2015
(الشاعر في بورتريه لـ ديانا فوبا)
+ الخط -

1
مشهدُ طبيعةٍ شفافٌ مثل صفحةٍ
مطبوعة يغطي نافذتي،
معقدٌ وضاغطٌ،
ولكن ما يبدو خارجَ البيت
عاش في داخلي منذ زمن طويل
(في داخلي صفحاتٌ كُتبت في الحديقة،
وحساءُ خضرواتٍ يغلي على النار أيضاً)
ثلاث وثلاثون نافذة كوخ
مفتوحة على أعماقِ
نفسي، في تلك الحديقة
حيث ما تخلّفَ من عصري
يشتعل، يشتعل بلهب جاف
(صوت الوقواق.. كو كو)
ويظهر من اللهب مشهدٌ
لستُ فيه.


2
ضوءٌ أزرق يتسحّب
على امتداد زقاق ضاحية
(ليس قريباً أو بعيداً أبداً،
يلتهب خافتاً وحذراً،
مثل فنار في عوارض سقف خشبية
نجومٌ تنقّط السماءَ
أمضت هذه الليالي الماضية
واطئة فوق فراش من أشجار الصنوبر)
علامات طبشورته العجيبة
تتناثر شظايا نحو حوض غسيل سماوي
(يظل ثقب الباب الضئيل هذا
في الباب مغلقاً)


3
في زاويتي (صُنعت من جذوع أشجار وملفعات)
يمكن سماع دمٍ ينبض
بصمتٍ بالغ خلال شعيرات
العمل الإيقاعي لمثاقب الخشب
(رقابٌ وأذرعٌ لاترتخي أبداً
مثل "غوليفر" أنا في زاويتي)
أحدق بما حولي
بمنظار، ثم ومن هنا
(عوالم متغيرة بنزوة)
كل ما أسمعه مع ذلك تلاصق أجساد دائم
(نصفُ قرن آخر سيكون،
متآكلا راشحا) قبل أن تنهار
زاويتي تحت الثقل،
ولن تبرز من العشب سوى علامات أقواس "غوليفر" جديدة
(فولاذية، أحناها الزمن) لتقول للعالم:
كانوا فنانين بارعين.


4
غرابٌ يقفز من
غصنٍ مرتفع إلى آخر
(شيء ما هنا وصل حدّه معي،
ومع ذلك، أواصل العيش غير مبالٍ حقاً،
أنفخُ ثلجَ غير الموجود الجاف
مثل غبار)
وفي الليل، آلة مفرقعة
أغفلوا تخفيف صوتها.


5
كوخٌ يتمايل
على زبد مياهٍ
جنّة تبيع بأسعارزهيدةٍ
(ربما في لامكان)
يتمايل
بين شوارع موسكو العريضة
(أكمامُ موسكو فرغت
منذ زمنٍ بعيدٍ)
جروٌ متشرّد وحيد، لابد أنه بحكم العادة
يطلق "احتفاله" في زاوية منسية
(بلى حياةٌ بأكملها
تومض مثل غيمة)
ثم يندفع بعيداً
في موسكو السماوية.


6
من لا شيء ينشأ الشعرُ
(مثل صورة
تواجه نافذة،
أو على الأصح، اللحظة التي
تظهر فيها ظلالٌ على صف
أشجار تنمو
وراء النافذة)
قماشُ لوحة الرسم يظل بكراً
مع أن النهر المرسومة خطاطته
يتدفق، والظلال على تباين
تظهر وتتلاشى
(يعتمد هذا على الغيوم)
تطفو تدريجياً
على امتداد النهر
صفاً، هو شيء
منفرد وثابت، ولكن
لأن لا أحد يراه
(وما نفعه)
قصيدةً
في حالة حركة/قرار،
موضوع/ذات
فن وحياة
(ناهيك عن النافذة)
تظل غير مكتوبة.


7
كمنجات أمواتنا
المتجمدة
تُنتزع من محافظها
(يوماً بعد يوم، ونوطة بعد نوطة،
صوت نقر ضعيف، أوتارٌ جافة)
هكذا نستحضر أصواتهم.


8
صوتكِ غير مسموع تقريباً
(بالكاد يمكنني سماعكِ
تتفحصين العتمة بدقة)
مطرٌ يتساقط على السطح
وشيئاً فشيئاً، لا يبقى صوتكِ
إلا في صناديق الكلام
أخرس أنا، في هذه الأعماق
مررتِ بي ذاهبة لتلدي.



* Gleb Shulpyakov شاعر وروائي روسي، ولد في موسكو عام 1971. إلى جانب مجموعاته الشعرية، نشر عدداً من الروايات وكتب الرحلات ومسرحية عنوانها "بوشكين في أميركا"، وعدداً كبير من المقالات النقدية الأدبية نشرت في الدوريات الروسية، كما ترجم بضعة أعمال شعرية، إنجليزية وأرمنية، إلى اللغة الروسية، منها أعمال "تيد هيوز" و "و.هـ. اودن" و "روبرت هاس".

ترجمه عن الإنجليزية محمد الأسعد


اقرأ أيضاً: ثلاثة شعراء من تايوان: وجوه برائحة التفاح

دلالات
المساهمون