غزة.. ذاكرة الحرب

06 اغسطس 2015
عامٌ مضى على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة (Getty)
+ الخط -
لم يُكتب على مدينةٍ قدرٌ من الشقاء والمجد معًا مثل ما كُتب على غزة، ثلاث حروب ضارية عاشتها المدينة والقطاع في أقلّ من ستّ سنين! تفجرت فيها الدماء أنهارًا، وتناثرت الأشلاء لترسم خارطة الوطن الجريح، سالت الدموع وعلا الصراخ؛ فاشتعلت غزة مقاومة تدافع عن حقها في الحياة، وتجابه ترسانة الجيش "الأقوى في الشرق الأوسط" بأبسط المقومات، في ظلال تخاذل عربيّ مهين.


عامٌ مضى على حرب غزّة الأخيرة، يتحسسُ الغزيّون جراحهم، فإذا هي تسيلُ دمًا قانيًا! وبيوتهم التي دمّرها القصف لم تجد غير الوعود الفارغة، واتفاق الهُدنة تخلّى عنه الوسيطُ وشركاء التفاوض قبل أن يتنكّر له العدوّ ويتنصّل منه!

مشاعرُ متناقضةٌ تنتابُ الغزيين إذ يستذكرون أيام الحرب الطويلة يومًا فآخر! في هذا اليوم دمّروا الشجاعيّة، وفي ذلك اليوم طحنوا بيت حانون، وفي آخر استباحوا خزاعة، وفي ذلك الصباح المُرّ وقعت مجزرة رفح!

وثمة أيام لنا أيضًا، في أحدها خطفوا شاؤول، وفي ثانٍ خرجوا لهم من بحر عسقلان، وفي ثالثٍ حلّقت طائرتُنا فوق رؤوس الأعداء، وبين يومٍ ويوم تتصاعدُ أخبار الشباب الصغار، يلتفون خلف خطوط العدوّ! يوم نحال عوز كان استثنائيًا! في اللحظة التي صرخ فيها الجنديّ توقّف الزمانُ، وقلوبُ أهل غزة توقّفت معه دهشةً وفرحةً وافتخارًا! ما زال أهل غزة يستذكرون –مع آلامهم- هذا أيضًا!

في غزة أطفالٌ لم يدخلوا المدرسة بعد، عاصروا ثلاث حروب! أطفالٌ يرتعبون عند سماع صوت الطائرة، أو ما يشبهه، حتى من خرج منهم إلى العالم المفتوح، يرتجفُ قلبه كلّما سمع صوت طائرة مدنيّة، ومهما شرحتَ له، يبقى في وجهه معنىً ليس له تفسير! يبدو أنه لا يمكن لطفلٍ غزيٍّ أن يُحبّ صوت الطائرة!

كانت الحربُ كئيبةً قبيحة، لكنّ الذي عاشها من الداخل رأى في ثنايها جمالًا لا يمكن أن يتكرر -ولا تريد له أن يتكرر بطبيعة الحال!

لا شيء في الدنيا يُشبه وجوه الأطفال المشرّدين من بيوتهم، وهم يخرجون من مدرسة الفاخورة صبيحة العيد، قد تهيّؤوا للعيد وسط الحرب، لبسوا أجود ما احتملوا معهم في رحلة التشريد، وحملوا في أيديهم ما يشبه الألعاب؛ ولعبوا!

لم يتنازلوا عن حقهم في العيد! ولم يمنعهم الموتُ الحائمُ يتخطّفهم بين لحظة وأخرى أن يفرحوا ذلك اليوم!

لا شيء في الدنيا يشبه دموع الفرح في أعين أهالي الشهداء، وهم يوزّعون الحلوى ابتهاجًا بأسر المقاومة لجنديٍّ صهيوني! ولا صرخات التكبير المنبعثة من النوافذ والأسطح والشوارع مع كلّ خطابٍ يخرج به البطل الملثّم!

في الحربِ قصصٌ كثيرةٌ لم تُدوّن، عن أمّهاتٍ فقدنَ سبب الحياة وسرّها، ودفنّه مع فلذات أكبادهنّ، وأخريات بكينَ حتى تقرّحت مدامعهنّ خوفًا على أطفالهنّ، كُنّ يتصنّعن الابتسام والتجلّد لأجل أن يأتي الصاروخ –إن أتى- وأطفالها لاهون مطمئنّون.
يقولون إنّ الحربَ تُخرج أسوأ ما في الناس، غير أنّها في الحالة الغزيّة أخرجت أجمل ما فيهم على ما يبدو!

(فلسطين)
المساهمون