مصر في رمضان.. انقلاب ومعتقل ومقهى وخيمة

19 يونيو 2015
تشهد الساحة الحسينية أكبر التجمعات في رمضان (فرانس برس)
+ الخط -
"رمضان جانا وفرحنا به بعد غيابه مرحب رمضان".. هكذا يطل علينا شهر رمضان، وإن غابت بعض مظاهر الفرحة في السنوات الأخيرة بسبب الظروف السياسية. الأحياء الشعبية عادة ما تستقبل الشهر الكريم بشيء من الاختلاف، فتنشط حركة الناس في الأسواق لشراء حاجات الشهر ومتطلباته، ويزداد الشارع ضجيجا بأصوات الباعة، وتزين الفوانيس الكبيرة مدخل المحال التجارية، وترسل حبال الزينة، التي بدأت تدريجيا في الاختفاء، رسائل تهنئة إثر اصطدام الرياح بها، وما إن يحين رفع أذان المغرب إلا وتشهد الشوارع سيلا من فرقعات "البمب والصواريخ"، وتتزين السماء بكرنفال من الألعاب النارية التي صار يدمنها الشباب مؤخراً، وصارت بديلا ضمنيا لمدفع الإفطار، التقليد التاريخي والمميز عبر الأجيال.

وبدلا من إعداد السحور على أنغام "اصحي يا نايم وحد الدايم"، وطبلة المسحراتي التي لم يدركها الجيل الجديد، صار يُعد على صوت مباريات كرة القدم والكرة الطائرة التي ينظمها صغار الشباب في الشوارع.


على العكس تماما، تخلو الأحياء الراقية تقريبا من مظاهر الاحتفال بالشهر الكريم، فلا تدركه إلا بالقرب من المطاعم الكبرى والفنادق التي تتزين واجهتها كل عام بالأضواء والفوانيس والديكورات الإسلامية والعربية.

رمضان في زمن الانقلاب

يسجل رمضان هذا العام أعلى معدلاته، فهو الأطول في عدد ساعات الصيام منذ 32 عاما (15 ساعة و18 دقيقة)، ويتزامن مع الإجازة الصيفية، وارتفاع درجات الحرارة، فيهرب الشباب من ظمأهم بالنوم نهارا، ويسهرون حتى ساعات الصباح الأولى، الحرارة لم تقتصر على حرارة الجو، بعد أن فرضت حرارة أسعار السلع الرمضانية نفسها، وشهدت ارتفاعا كبيرا وغير مسبوق مقارنة بالأعوام الماضية، مما أجبر المواطنين على شراء كميات أقل والاستغناء عن أصناف كثيرة اعتادوا عليها، وبالأخص "ياميش" رمضان، رغم ما يقومون به من اقتطاع جزء من رواتبهم على عدة أشهر أو الاشتراك في "جمعيات" لسد حاجة رمضان.

من ناحية أخرى، فإن زيادة أعداد المعتقلين على يد وزارة داخلية الانقلاب، والتي سجلته بعض الإحصائيات بـ 41 ألف معتقل، تجعل من رمضان هذا العام الأعلى رقما في عدد الأهالي التي تستقبل رمضان بدون أبنائها، وبدلا من لم الشمل حول مائدة إفطار رمضانية، تفرقت الأسرة بين سجين يعيش على ذكريات الشهر مع الأهل والأحباب، وبين آباء وأمهات تفتقد الإحساس بـ "لمة" الشهر الكريم.

طقوس وعادات

رغم حرارة الجو وسخونة الأحداث، يبقى لرمضان طقوسه وعاداته، وإن اختفى بعضها في ظل الحياة العصرية والظروف السياسية، وتختلف طقوس الشباب ما بين العبادة والتسلية والسهرات الرمضانية، بعضهم يعيش روحانيات رمضان كاملة، ويعتبره فرصه لتغيير الذات والتقرب إلى الله ومراجعة النفس، فيحافظ على الصلوات الخمس جماعة، ويواظب على صلاة التراويح يوميا، والسنن والنوافل، ويسعى الكثيرون لأن يكون لهم نصيب من العمرة في رمضان، أو الاعتكاف في العشر الأواخر، التي قد يُحرم منها الكثيرون هذا العام بسبب الظروف الأمنية، والقبض على من يشتبه فيه بلا عودة، مع تشديد وزارة الأوقاف واشتراطها البطاقة الشخصية مقابل الاعتكاف، وهناك من يستثمر رمضان في أعمال الخير، فيصب جل همه في جمع الدعم المادي من المتبرعين لتجهيز حقائب رمضان وتوزيعها على المحتاجين، وكذلك تحضير وجبات إفطار وتغليفها وتوزيعها على الصائمين في الأحياء الفقيرة أو المستشفيات وفي الشوارع والطرق، وينسقون ويعدون لحفلات إفطار جماعي في دور المسنين والأيتام وإشراكهم وجبة الإفطار بعد أن فقدوا عائلاتهم وذويهم.


سهرات رمضانية

مع الزخم التليفزيوني وإنتاج عدد كبير من المسلسلات أعدت خصيصا لرمضان، اعتبره البعض شهرا تلفزيونيا، يقضون معظمه في متابعة فضائيات تتسابق هي الأخرى في الاستحواذ على المشاهد وجذبه بعروض حصرية، وبرامج ترفيهية، وسهرات حية ومباشرة، ومسابقات كثيرا ما يتفاعل معها الصائم لتسرق قدرا لا يستهان به من وقته، وينتظر الكثيرون سهرات الأهل والأقارب وتبادل الولائم في ما يعرف بـ "العزومات"، تمتلئ فيها الموائد بكل أصناف الطعام والمشروبات الرمضانية مثل التمر باللبن، وقمر الدين، ومنقوع العرق سوس الجاهز، فلم يعد لدى المرأة المصرية وقتا كافيا لنقعه، إلى جانب الحلويات الرمضانية من الكنافة والقطايف.

على جانب آخر، وما بين المقاهي والخيام الرمضانية يقضي معظم الشباب سهراتهم في ليالي رمضان، فبعد انتشار فكرة الخيام الرمضانية، تنافست الفنادق لإقامة خيام داخل البهو الرئيسي لها، يرتادها أبناء الطبقات الغنية في مصر لما تحققه من تسلية وغناء أشبه بالليالي الفنية والاستعراضية، واستحدثت أشكالا ترفيهية أخرى، منها عروض الفنون الشعبية والتنورة وحفلات للتخت الشرقي والموسيقى العربية والشيشة.

وتأتي جلسات المقاهي مع الأصحاب والأصدقاء حتى وقت السحور، بديلا مناسبا للخيام بأسعارها المرتفعة، يقضون فيها سهرات رمضانية مميزة مستمتعين بالدومينو، والشطرنج مع كركرة الشيشة، ومشاهدة التلفاز.

رمضان في الحسين

ليالي رمضان في مصر القديمة هي ما تبقى من عبق الماضي، وتشهد مساجدها حالة خاصة من الروحانيات الدينية الممزوجة بالاحتفالات، لغاية الإفطار، وإذا رغبت في البقاء حتى السحور، فأنت على موعد مع رحلة عبر الزمن، وأمامك الكثير من الأماكن المميزة بمعمارها التاريخي، منها شارع خان الخليلي الذي لا ينام، ويسحرك بمشغولاته الفضية والذهبية مع خلفية صوتية تملأ المكان بالابتهالات الدينية، ويمكنك التجول في الغورية وتحت الربع، المنطقة المعروفة بصناعة الفوانيس، وإذا أردت الاستمتاع بعروض التنورة والتراث الشعبي وحفلات الفن والثقافة فأنت قريب من بيت العود وبيت الهراوي وبيت زينب خاتون بقهوته المميزة، أما إذا كنت في حاجة إلى أمسية عصرية وسط أغاني التراث فما عليك سوى "قهوة الفيشاوي" التي تتسم بالشللية وجلسات المحبين والعائلات.

(مصر)
المساهمون