أدب المقاومة.. أحزان في ربيع البرتقال

05 نوفمبر 2015
غسان كنفاني (مواقع التواصل)
+ الخط -

"يا أبتاه!
مازال في وجهك عينان
في أرضك مازالت قدمان
فاضرب عبر الليل
بأشأم كارثة في تاريخ الإنسان
عبرَ الليل، لنخلق فجرَ حياة

يا أبتاه!
أن تسمل عينيك زبانيةُ الأحزان
فأنا ملءُ يديك
مسرجةٌ تشربُ من زيتِ الإيمان
وغدًا يا أبتاه أعيدُ إليكَ
قسمًا يا أبتاه أعيدُ إليكَ
ما سلبتك خطايا القرصان
قسمًا يا أبتاه!"
سميح القاسم، أنتيغونا ابنة أوديب

الكتابة شكل من أشكال المقاومة، وتعبير ملح ومعبر عن الهموم والأفكار والمشاعر، وسجل حي حافظ للذاكرة، والانكسارات التي توالت عليه، يدون بها الواقع بكافة هزائمه وانكساراته، وإرادته المنفية التي تتملكنا، بخاصة بعد هزيمة حرب67 التي أسفرت عن اشتداد عود المقاومة الفلسطينية، كانت "فتح" قد بدأت عملياتها العسكرية عام 65، أكدت وجودها أكثر مع معركة الكرامة التي تمكنت من هزيمة العدو الإسرائيلي عام 1968، مما أكسب المقاومة احترام الشعوب العربية وتعاطفها، إذ رأت فيها الأمل.


شهدت هذه الفترة صدامًا داميًا مع الحكومات العربية الملاصقة للعدو، وتطورًا معاكسًا لحركة المد العربي في الرواية، وهو ما انعكس في موقف الروائيين أنفسهم، فقد عاشت القضية الفلسطينية أحداثـًا مأسوية أخرى بعد هزيمة 67، كمجازر سبتمبر/ أيلول 1970، وتل الزعتر 1976، ظهرت في سداسية إميل حبيبي، والوطن والعينان لحميدة نعنع.

كانت القناعة لدى الفلسطينيين شبه مطلقة بأن الوحدة العربية هي الطريق الوحيد للتحرير، لذلك جاء الانفصال صادمًا، مع توالي الهزائم والمجازر الفلسطينية في لبنان والأردن، زادت حركة المقاومة الفلسطينية في النضال المسلح والانتفاضة المستمرة في الداخل والخارج. وبناء عليه تحول عدد كبير من كتاب فلسطين من حالة رفض الواقع والتقوقع والعودة إلى الماضي والحنين إلى الغضب الذي يرسم ملامح المقاومة، ولا مفر من الحرب.

تنتقل سميرة عزام ومعها الأدب الفلسطيني انتقالاً فذًا ومفاجئًا، من العودة إلى الماضي والحنين إلى الغضب الذي يرسم ملامح البداية للمقاومة. لذلك كانت شخصيات قصصها غاضبة ومقاومة، فالحقوق تنتزع ولا تكتسب. وتلك اللعنات التي تصب على الأعداء صباح مساء لن تشفي الجراح. ولا مفر من المقاومة والحرب. فكانت قصة "خبز الفداء"، هي أنصع مثال على تحول الغضب الفردي إلى فعل جماعي يقوم به الفلسطينيون.

تأتي صورة الموت في أعمال كنفاني معاكسة لما قدمه كنفاني عن حكايات الموت المجاني في روايته "رجال في الشمس"، فرواية "ما تبقى لكم" تنتهي بعبارة: "الساعة.. تدق في جبيني إصرارها القاسي الذي لا يرحم"، وهو ما يقوله في روايته "الشيء الآخر"، حيث تنتهي هذه المرحلة بإعلان العمل الفدائي عام 1965.

يعاود غسان كنفاني طرح الأسئلة من مرحلة إلى أخرى، في روايته "عائد إلى حيفا"، تحكي الرواية قصة سعيد العائد الفلسطيني إلى حيفا بحثًا عن ابنه خلدون، الذي تركه خوفًا من المجازر الصهيونية، وهناك في بيته المغتصب يتأكد أن خلدون العربي أصبح دوف اليهودي، وأنه من العبث استعادة هذا الزمن العربي، "عشرون سنة ماذا فعلت خلالها كي تسترد ابنك؟ لو كنت مكانك لحملت السلاح من أجل هذا.. أيوجد سبب أكثر قوة؟ عاجزون! مقيدون بتلك السلاسل الثقيلة من التخلف والشلل". وهنا ينتقل من الحل الفردي إلى الحل الجماعي إلى أن يصل إلى تجاوز المحنة التي لا تنتهي.

ننتقل إلى "الوقائع الغربي في اختفاء سعيد أبي النحاس المتشائم" لإميل حبيبي، التي تروي قصة ما حدث مع سعيد الذي تعاون مع السلطات الصهيونية، وهو ما دفع به إلى رؤية مصير ابنه الذي اختار طريق المقاومة، وهو المصير الذي عامل الصهاينة به الابن بلا رحمة. 
يقدم لنا نبيل خوري الوجه الأكثر قتامة في ثلاثيته، "حارة النصارى، الرحيل، القناع"، فهو ينقل تاريخ فلسطين من النكبة إلى المجازر في الأردن بأسلوب ثائر ومتمرد.

يرصد توفيق فياض في رواياته قمة الوعي المقاوم داخل الأرض المحتلة في "المجموعة 778، وحبيبتي ميليشيا"، فقد أدرك في فورة الغضب أن النظام الفلسطيني المقاوم هو الحل.

(مصر)
المساهمون