مناهج "السلام" الفلسطيني.. الفطرة تكسب

27 ابريل 2015
"إسرائيل" إلى جانب "فلسطين" بخريطة الوطن العربي (العربي الجديد)
+ الخط -
ما بين محاولات إثبات الحق في الأرض والتمسك بالثوابت من جانب، ومواءمة الواقع الذي أوجدته اتفاقيات ومعاهدات السلام بين منظمة التحرير الفلسطينية ومصر والأردن مع الاحتلال الإسرائيلي من جانب آخر، تتأرجح مناهج التعليم التي يتربى عليها التلاميذ على مقاعد الدراسة.
هذه المحاولة من الموازنة، كما يرى البعض تميل إلى قوة الواقع الذي يحمل بين مفرداته الكثير من الالتزامات بالتعهدات الواردة في الاتفاقيات، والضغوط التي تمارس بين الفترة والأخرى؛ بهدف تعديل المناهج بما يتسم مع أطر العلاقة الجديدة التي باتت تنظم معالمها، في أعقاب اتفاقية أوسلو ما بين منظمة التحرير والاحتلال الإسرائيلي، وإن كان ذلك بشكل ضمني، أو تلك المعاهدات الموقعة من قبل دول الجوار العربي مع الاحتلال.
في المقابل، يرى آخرون، أن التربية والنشأة تلعب دوراً هاماً في "الرفض الفطري" لتقبل أي من المدخلات على الهوية الوطنية للأجيال الملتحقة بمقاعد الدراسة، وما يعزز ذلك أن وجود الاحتلال منذ العام 1948 لم يستطع أن يمحو الثوابت والحقوق التي لا تزال مترسخة في عقول الأجيال المتعاقبة.

شوائب المنهاج
المعلمة (ن. ذ) إحدى المعلمات في مدارس الضفة الغربية المحتلة، تحدثت لـ "العربي الجديد" عن وجود بعض الشوائب التي أصابت بعضا من مقررات التدريس الفلسطينية، وبشكل خاص كتاب "التربية الوطنية" للصف التاسع وكتاب "التربية الوطنية" للصف العاشر.
ومن الملاحظات التي توردها "طريقة عرض المنهاج غير المشوقة والمكثفة؛ وهذه أفضل وسيلة لإبعاد الطلبة عن تاريخ وتراث فلسطين، بحيث إن الطالب ينفر من المنهاج بسبب كثافته وسوء العرض، وهو ما يحول دون رغبة الطالب في التعرف إلى تاريخه".

أما الملاحظة الثانية التي تشير لها المعلمة، تتمثل في الصفحات التي تحوي نقاطا أو عناوين ترسخ الاحتلال كدولة؛ وهذا ما يظهر في كتاب التربية الوطنية للصف التاسع في الصفحات 20، 30، 31، 54، 67، 73، 74، 77، ويحمل أحد الفصول داخل الكتاب عنوانا واضحا تحت مسمى (الفلسطينيون في إسرائيل)، ويورد عبارة تقول: "أدى قيام إسرائيل في عام 1948 إلى تشتت الشعب الفلسطيني في أقطار عربية عدة".

كما تشير، المعلمة ذاتها والتي رفضت نشر اسمها لتجنيبها المساءلة القانونية، إلى أن كتاب "التربية الوطنية للصف العاشر يحوي فصلا كاملا، يشرح فيه المشاريع والمبادرات السلمية دون التطرق إلى الثغرات أو السلبيات التي تعرضت لها القضية الفلسطينية نتيجتها".
كما أن غلاف الكتاب نفسه، يتضمن خارطة فلسطين يعين عليها أسماء الكثير من المستوطنات والمواقع الإسرائيلية بنفس المسمى الذي أوجده الاحتلال، وهو ما يعني -وفقا للمعلمة- اعترافا واضحا بالوجود الاحتلالي، حيث تتضمن الخريطة أسماء للمدن الفلسطينية المحتلة منذ عام 48 بالأسماء العبرية، وكذلك أسماء عدد من المستوطنات التي تقع خارج الحدود التي رسمتها اتفاقية أوسلو للضفة الغربية وقطاع غزة.

إلا أن ما يثير دهشة معلمة الجغرافيا (ص.ع)، ما تحدثت به لـ "العربي الجديد"، وهو خريطة الوطن العربي التي توزعها وزارة التربية والتعليم على المدارس، والتي يوضع عليها كلمة "إسرائيل" إلى جانب "فلسطين"، وهو ما يدعو للتساؤل حول السبب في وضع هذين المسميين على الخريطة التي توزعها الوزارة، وتخصص للشرح داخل فصول الطلبة.

الأونروا والانقسام
وبحكم هجرة ما يزيد على ثلثي الشعب الفلسطيني في أعقاب عام 1948، وحرب عام1967، وتجمعهم في مخيمات للاجئين سواء داخل الأراضي الفلسطينية، أو لدى العديد من الدول العربية، عمدت وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" على تقديم خدماتها في مجال التعليم، من خلال المدارس الخاصة بها.

وفي استفسار من "العربي الجديد" حول ظهور بعض الإشكاليات في قطاع غزة، من طرح "الأنروا" لمنهاج حقوق الإنسان في مدارسها، أوضح معتصم الميناوي، نائب مدير عام العلاقات الدولية والإعلام في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية بغزة، أن هذا الأمر تم حله بشكل كام، بعد أن تفهمت "الأونروا" الرفض الذي تم إبداؤه من قبل وزارة التربية والتعليم في ذلك الحين، حيث جرى نقاش ما بين الوزارة و"الأنروا" حول رفض هذه المقررات؛ كونها لا تتواءم والثقافة الفلسطينية وتم تفهم ذلك من طرفها، وإلغاء طرحها ضمن مناهج التعليم.

إلا أن الميناوي، أشار إلى أن الانقسام السياسي الفلسطيني انعكس خلال فترة معينة على طبيعة المنهاج الفلسطيني بين مدارس قطاع غزة والضفة الغربية، وهذا تمثل في استحداث لمقرري "الفتوة" و"حضارتنا" في قطاع غزة في عهد الحكومة التي أدارتها حركة حماس، وهي مقررات تتحدث عن تربية التلاميذ على روح المقاومة ونقد الحركة الصهيونية والاحتلال، وممارستهما بحق القضية الفلسطينية والإنسان الفلسطيني، وكذلك الحديث عن قرارات التقسيم، وغابت هذه المقررات عن مدارس الضفة.
ويشير الميناوي إلى أنه في أعقاب تشكيل حكومة التوافق الفلسطيني، تم إيقاف هذه المقررات لتعود مدارس غزة تلتزم بكافة المقررات التي توفرها الوزارة، في ظل حكومة التوافق.

الصياغة الذكية للمناهج
يتحدث د.سهيل صالحة، منسق برامج الماجستير في مناهج وطرق التدريس، وأحد طواقم العمل في الإدارة العامة للمناهج بوزارة التربية والتعليم سابقا، عن وجود ضرورة لـ "إعادة ترميم المناهج الفلسطينية بعد مرور نحو 15 عاماً على إنتاجها في أعقاب قيام السلطة الفلسطينية".
ويتحدث صالحة لـ "العربي الجديد" بالإشارة إلى أن اللجان المكلفة بإعداد المناهج "هي لجان فنية؛ هدفها القيام بمهمة تربوية توائم الواقع ولا تنعزل عنه، ولا تبحث بنفس الوقت عن صناعة قرار سياسي". حيث يشير إلى أن هناك "ذكاء في التعامل مع إعداد المناهج؛ فالطريق لا تزال غير واضحة المعالم سواء ما يتعلق بالاستقلال أو انتهاء الاحتلال، وهناك أماكن كثيرة لا تزال تحت سيطرة الاحتلال".

وينفي صالحة أن يكون هناك "محددات أو خطوط أو ربما ضغوط تخضع لها لجان إعداد المناهج في وزارة التربية الفلسطينية، إلا أن هذه اللجان تأخذ بالاعتبار الثقافة الفلسطينية الأصيلة، وكيفية تقبل وتعاطي الجمهور والشارع الفلسطيني لهذه المناهج".
ويستحضر صالحة "التجربة الفلسطينية منذ وجود الاحتلال الإسرائيلي حتى اليوم، فقد خضعت المناهج الفلسطينية قبل اتفاق أوسلو للرقيب العسكري الإسرائيلي، وكان يمنع ذكر اسم فلسطين فيها، إلا أنه ورغم ذلك تمت تربية الأجيال تربية وطنية لم تستطع من خلالها المناهج التأثير على هويتهم وانتمائهم".

ويوضح صالحة في ختام حديثه، دور المعلم والمجتمع والبيئة وتربية البيت، في الوقوف أمام أي تغيرات قد تطرأ على مناهج التعليم، فالمدرسة والمنهاج لا يمكن أن يصنعا شخصية وهوية الأجيال إذا لم توافق الواقع والتربية التي نشأت عليها.
بدوره، يتفق د.أيمن يوسف، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العربية الأميركية في جنين، وأحد المشاركين في صياغة منهاج التربية الوطنية في وزارة التربية والتعليم، مع ما ذهب إليه صالحة، في أن صياغة المنهاج تحتاج لكثير من الذكاء بالتعاطي مع السياق الموجود؛ والذي أوجد السلطة الفلسطينية ومع الواقع الذي يعيشه الإنسان الفلسطيني.
ويضيف في حديثه لـ "العربي الجديد" موضحاً أن "المناهج الفلسطينية وضعت في سياق أوسلو وهذا لا إنكار فيه، وأنه ربما تأثرت بعض المناهج بشكل مباشر أو غير مباشر بهذه الاتفاقيات، إلا أن هناك دعوات مستمرة من خلال ورش العمل التقييمية للمنهاج لعملية تطويرها بما يحقق الهوية الفلسطينية".

ويعزو الدكتور أيمن في ختام حديثه وجود بعض الإشكالات في المنهاج الفلسطيني إلى عاملين؛ الأول يتمثل في ظروف ضعف السلطة الفلسطينية نتيجة الواقع الذي وجدت فيه، سواء الظروف المالية والإمكانات، أو حتى الظروف السياسية، أما العامل الثاني؛ فيتمثل في ظرف الانقسام الداخلي الفلسطيني وحالة عدم التوافق التام في الرؤية الفلسطينية.

المساهمون