خالد السليطي: حي كتارا منارة تتفاعل مع العالم

28 ابريل 2015
+ الخط -
الاسم اللافت للمكان، "كتارا"، لم يتمّ اختياره عفو الخاطر بالطبع، إذ هو الاسم القديم الذي أطلق على قطر في الخرائط الجغرافية القديمة. ويوضّح الدكتور، خالد السليطي، المدير العام للحيّ، الأمر : "ورد الاسم أيضًا في الخرائط التي وضعها بطليموس عام مائة وخمسين للميلاد، بحرف السين (C باللاتينية) في بداية الكلمة Catara. وعُرف المكان أيضًا وفقًا لبعض الأطالس الجغرافية القديمة باسم ( كدارا). ظلّ الاسم مشيرًا إلى قطر حتى القرن الثامن عشر (1738). والاسم الذي نستعمله اليوم، أي Katara، بحرف الكاف K اللاتيني لا الـ C، هو الذي أطلق للإشارة على ساحل شبه الجزيرة والخليج في القرن السابع عشر الميلادي. رغبنا في التواصل مع هذا الماضي العريق وأصالته، لذا استلهمت مؤسسة الحي الثقافي اسمها من خلال إحياء هذا الاسم، الذي أطلق على قطر قديمًا، إذ إن المؤسسة أرادت من خلال الاسم التأكيد على أهمية العلاقة، التي تجمع بين الإنسان وجذوره التاريخية والثقافية." 
للمكان مترامي الأطراف أكثر من ميزة، لذا كان السؤال عن هدف المؤسسة التي تشغّله ومفهومها عن الثقافة: "كتارا أشبه بحاضنة للإبداع والتميّز والفكر الحرّ ومنارة للثقافة والفنون، تتفاعل مع عالم متنامٍ تتغير معالمه وتتشكّل ملامحه باستمرار. صحيح أنه في الأصل مؤسّسة عامة تهدف إلى النهوض بالحركة الثقافية وإبرازها وتحويل أرضية الحي، بمرافقه ومبانيه، إلى بيئة مناسبة لرعاية النشاط بمختلف أنواعه ؛ الإبداعية والفكرية والفنّية والأدبية، إلا أنه وبشكل أدقّ يهدف إلى الحفاظ على التراث المادي والمعنوي لدولة قطر، وتشجيع العمل الإبداعي والمعرفي والفكري المرتبط بالثقافة العربية والإسلامية، والانفتاح على الثقافة الإنسانية المتعدّدة والمتنوعة، من خلال الاستثمار في الثقافة بكلّ أشكالها، وجعلها جسرًا رابطاً بين الشعوب، يتخطّى الحدود المحلية والإقليمية صوب العالمية".
بيد أن جواب الدكتور السليطي يتخذ وجهة أوسع، آن يقارن بين "كتارا" والمؤسسات والجهات الثقافية الخليجية والعربية العديدة، إذ يرى أن "النمط التراثي الذي بني الحي وفقه هو ما ميّزه عن المؤسسات الثقافية الأخرى، بحيث يتماثل مع النمط التقليدي الذي صممت عليه الأحياء والقرى في قطر والخليج في الماضي. من هنا كان الحي التراثي القديم حاضرًا في ذهن الذين صمموه هندسيًا، فجاء على هذا النحو، بحيث مثّل وحدة تكاملية تعكس المكان والزمان والأصالة والإرث، الذي عاشه الإنسان في قطر قديمًا، وربط ذلك كلّه بالانفتاح والمعاصرة والثقافة الحديثة التي تبنّاها المجتمع القطري ومجتمعات الخليج، خصوصًا في مرحلة ما بعد النفط والتغيرات الجذرية التي أحدثها".
تصميم الحي الثقافي، وفقًا لهذا المنظور، حتّم وجود قاعات متعددّة الاستعمالات، منها قاعات مفتوحة، وأخرى لا. فضلًا عن المدرج المكشوف، الذي لطالما عرضتْ فيه مسرحيات فضلًا عن الأمسيات الغنائية والموسيقية. ونظرًا إلى الأهمية التي توليها دولة قطر للفنون والموسيقى خاصّة، فقد خصصت دار للأوبرا، حيث تعزف بانتظام الفرقة الفيلهارمونية القطرية. أمّا قاعة المسرح، فمن الممكن أيضًا تحويلها لتغدو قاعة سينمائية. هذه المرافق كلّها، تعني أيضًا الإفادة من أعلى الهيئات والمؤسسات الثقافية القطرية، لذا تحضر في الحي أيضًا وزارة الثقافة والهيئة العامّة للمتاحف. في الحي أيضًا طائفة من الجمعيات المتصلة بالفنون والثقافة والفنون والعلوم، منها جمعية القنّاص الخاصة بصيد الصقور، وقد استلهم شكل مبناها من "الغطاء الخاص بالصقر".
كل هذه الجمعيات "تمارس أنشطتها من خلال مجموعة من المباني، التي تمّ تخصيصها لهذه المراكز والجمعيات. وغالبية فعالياتها مرتبطة بالآداب والفنون والإنتاج الدرامي والسينمائي والموسيقي وخدمة المجتمع. وهي تهدف إلى خلق جوّ من الإبداع والابتكار واستثمار الطاقات البشرية"، وفقًا لكلام الدكتور السليطي، ونرى انعكاس الأمر من خلال وفرة عدد الزائرين للحي الثقافي، وقبل أن نتوجه للمدير بالسؤال عن الأمر، ننتبه إلى غلبة الشبّان بين الزائرين : "هذه ملاحظة في محلّها، نعم اهتمامنا بشريحة الشباب كبير، وقد دخلنا في مشاريع تعاون مع جهات عدّة منها ما هو على مستوى فردي، ومنها ما هو أكبر، أقصد المؤسسات والهيئات والوزارات الحكومية، وذلك لخدمة هذه الفئة المتميزة في المجتمع. نعمل على فتح أبواب المؤسّسة العامة للحي الثقافي على مصراعيها للشباب وخصوصًا المبدعين والموهوبين من الجيل الجديد من الشباب القطري الواعد، في تبنّي وعرض واحتضان أنشطتهم وفعالياتهم وإبداعهم الفكري والفني. وأرغب في أن أؤكد هنا أننا نهتم بالشبّان والشابّات أيضًا، إذ إن المؤسسة حريصة على التواصل مع هذه الشرائح المهمّة للارتقاء بالحركة الفنية في قطر، بغية العمل على دعم الهوية الثقافية القطرية. "كتارا" تهدف إلى إبراز المواهب الفنية الإبداعية والعمل على صقل قدراتها وتطويرها وتقديم الدعم المناسب لها، كي تتمكن من القيام بدورها من خلال بيئة فنية راقية لتساهم بذلك في بناء المجتمع". السؤال عن طغيان عدد الشباب في الحي، دفع إلى السؤال عن عدد الزائرين، لسبر تفاعل سكّان الدوحة مع الحي. أوضح الدكتور السليطي الأمر بالأرقام هذه المرّة : "تجاوز عدد زوّار كتارا عام 2014 تسعة ملايين زائر، بمعدل يومي يزيد عن خمسة وعشرين ألفاً، وبمعدل شهري يصل إلى حوالى سبعمائة وأربعة وستين ألف زائر. أثناء الإجازات ترتفع هذه الأرقام إلى حد كبير، وأود الإشارة أيضًا إلى الزيادة الملحوظة في عدد العائلات، خصوصًا القادمة من دول مجلس التعاون الخليجي، ومن أبرزها المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات. لذا فإننا نعدّ (كتارا) أحد أبرز الوجهات السياحية التي بدأت تُنافس خليجيًا وفي المنطقة بشكل عام، إذ ساهمت في جذب السياحة الوافدة من مجلس التعاون الخليجي، فشكّل السياح الخليجيون نسبة حوالى خمس وثلاثين بالمائة من عدد الزائرين". 
بيد أن اسم المكان المنفتح على أمور شتّى، راج مؤخرًا كثيرًا، نتيجةً لإطلاق "جائزة كتارا للرواية العربية"، التي ستعلن نتائجها خلال أقلّ من شهر. فكان لا بدّ من السؤال عن هذه الجائزة الجديدة :"هي الجائزة الأكبر عربيًا على الإطلاق، وهي تعبير عن تقدير المؤسسة للإبداع والمبدعين. الجائزة موجهة لكلّ الروائيين العرب من الخليج إلى المحيط. هدفنا من خلالها فتح الباب أمام الرواية العربية، لتكون منبرًا يعزّز من التلاقي والتكامل، ويفتح الأبواب أمام المبدعين سواء أكانوا من المخضرمين أم من الواعدين. نقول لهم عبر الجائزة كم إننا نقدّر إبداعاتهم". وإذ بدا كلام الدكتور السليطي، عامًّا، سألناه عمّا يمّيزها إذن عن غيرها من الجوائز المشابهة :"لا تنبع أهميّتها من قيمتها المادية فحسب، حيث تبلغ قيمتها الإجمالية 650 ألف دولار، لكنها تنبع من تقدير المؤسسة للإبداع والمبدعين العرب، وترجمتها لهذا التقدير من خلال دعم الإبداع الروائي العربي، والعمل على إيصاله إلى العالمية من خلال ترجمة الروايات الفائزة إلى اللغات؛ الإنجليزية والإسبانية والفرنسية والصينية والهندية. الجديد في جائزة "كتارا للرواية العربية" مقارنةً بغيرها من الجوائز هو إمكانية تحويل الرواية، التي تصلح، إلى عمل درامي بعد الاتفاق مع الروائي والناشر، وأن جوائزها العشر تنقسم إلى فئتين رئيسيتين : الروايات المنشورة (5 فائزين يحصل فيها كلّ نصّ روائي فائز على جائزة مالية قدرها 60 ألف دولار أميركي، ليصبح مجموع جوائز هذه الفئة 300 ألف دولار أميركي)، والروايات غير المنشورة (5 فائزين يحصل فيها كلّ نصّ روائي فائز على جائزة مالية قدرها 30 ألف دولار أميركي، ليصبح مجموعها 150 ألف دولار أميركي) وستقوم اللجنة المشرفة على الجائزة بنشر الأعمال الفائزة غير المنشورة وتسويقها، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، فإن الأمر الثاني المميّز هو منح اللجنة جائزة أفضل رواية قابلة للتحويل إلى عمل درامي من بين الروايات الفائزة، وقيمتها 200 ألف دولار أميركي، مقابل شراء حقوق تحويل الرواية إلى عمل درامي".
وستعلن النتائج في العشرين من شهر مايو/أيّار القادم، "حيث سيتم إعلان أسماء الفائزين العشرة بالجائزة في مجالي الرواية المنشورة وغير المنشورة. كما سيتمّ الإعلان عن أعضاء لجنة التحكيم في الحفل الختامي للجائزة، الذي سيقام على مدار ثلاثة أيام في الفترة ما بين 18 - 20 مايو/أيّار، وسنشهد فيه العديد من الندوات والمؤتمرات، كما ستتمّ دعوة الفائزين العشرة إلى الحفل، إضافة إلى نخبة من الأدباء والكتاب والمثقفين والأكاديميين والإعلاميين العرب، ضمن ترتيبات ترتقي إلى مستوى وأهمية الجائزة". وخصّ الدكتور السليطي ملحق الثقافة بخبر تدشين مركز ومعرض دائمين للرواية العربية بهذه المناسبة، حيث سيشمل المركز مكتبة للرواية العربية، ومركزًا للتدريب، وأرشيفًا وقاعدة بيانات للرواية العربية، يندرج تحته مشروع طلائع "كتارا" للرواية العربية، إضافة إلى معرض دائم يشرح تاريخ الرواية العربية، ويضمّ صور أشهر الروائيين العرب، ونسخًا من مؤلفاتهم.
المساهمون