مازن المعايطة: الفقر والبطالة أكبر تحدٍ لاقتصاد الأردن

23 مارس 2015
رئيس اتحاد عمال الأردن مازن المعايطة (العربي الجديد)
+ الخط -
يطالب رئيس اتحاد عمال الأردن، مازن المعايطة، في حوار مع "العربي الجديد" بضرورة أن يتزامن الإصلاح الإقتصادي مع إصلاحات سياسية تفتح المجال أمام مختلف القوى لتشارك في عملية صنع القرار، لأن الاقتصاد بحاجة إلى استثمارات ذات قيمة مضافة.


وهذا نص المقابلة:

* كيف نظرتم، كقيادة عمالية أردنية، إلى مشهد الربيع العربي منذ سنوات، ولا سيما أن بداية الاحتجاجات كانت رداً على تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية؟
لا شك أن تعرّض البوعزيزي في تونس للإهانة، وقطع مورد رزقه، دفعه الى إحراق نفسه احتجاجاً. وكانت هذه الحادثة بمثابة كلمة السر التي دفعت الشعوب العربية لكي تنتفض على حكامها.فجميع الدول التي شهدت الثورات كانت تعيش أوضاعاً اقتصادية واجتماعية صعبة، وقد انتفض الشارع العربي جراء القمع السياسي من جهة، وتردي الأوضاع الاقتصادية من جهة أخرى.

وإذا نظرنا إلى الأحداث من أساسها، فقد كانت تحركاً للمطالبة بالمساواة والعدل وتكافؤ الفرص. ولأن هذه المعايير كانت غائبة في غالبيتها في مناطق الثورات والحراك الاجتماعي والسياسي، فإن بعض الزعماء بادروا وفي الوقت الضائع إلى رشوة الشعوب والعمال بإقرار بعض التعديلات على أنظمة التأمين والأجور، وفي بعض الدول العربية تمت مضاعفتها، لكن ذلك جاء متأخراً في العديد من الدول، وشهدنا العديد من الثورات من أجل لقمة العيش بحرية وكرامة. لقد كانت النقابات والمنظمات العمالية في صلب هذه الأحداث، وقد أظهرت الأحداث بشكل واضح الدور المفصلي للنقابات والاتحادات في جميع الدول العربية، وبالقدر الذي كانت فيه الاتحادات قوية كان لها دور مؤثر في توجيه الأمور وتحريكها على نحو يخدم مصلحة المواطن العربي.

* هل كان لهذا الحراك مفاعيل على مستوى الحركة العمالية في الأردن؟
الحراك، من حيث المبدأ، يؤدي الى التغيير، وفي معظم الحالات لا بد أن يكون التغيير إيجابياً. والحراك الذي حصل في أوساط الحركة العمالية الأردنية، نتاج طبيعي للحراك الذي شمل جوانب الحياة العربية سياسياً ونقابياً واجتماعياً. صحيح أن هذا الحراك تخللته بعض المظاهر السلبية، لكن تلك هي الضريبة التي لا بد من دفعها حين يكون الحراك شديداً والرغبة في التغيير أشد وأقوى.


وعلى خلاف ما شهدته أوساط المنظمات العمالية في دول عربية أخرى، كانت نتائجه في الأردن إيجابية، أسفرت عن تغيير في آليات العمل وآليات التعامل، وبدون شك فقد تعززت الحركة النقابية العمالية، وزادت لحمتها، وخاصة أن الإنجازات المطلبية الكبيرة في العديد من النقابات تزامنت مع هذا الحراك، ولعبت دوراً في تحقيق النتائج الإيجابية للحوار داخل أوساط الحركة النقابية الأردنية والنقابات المنضوية تحت مظلتها.

* هل نستطيع أن نقول بأن جميع التطلعات المطلبية قد تحققت؟
لا يمكن تحقيق جميع المطالب 100%، قد يكون الخلاف بحدود 20 أو 25%، ودورنا هنا أن نقوم بتقريب وجهات النظر بين النقابات المختلفة ووزارة العمل، لكننا في النهاية مع النقابات لا ضدها، وإلى جانب ذلك، نحن معنيون أيضاً بقوة اقتصادنا الوطني، ومعنيون بنجاح الاستثمارات فيه، ومثلما يهمنا تأمين فرص عمل جديدة، يهمنا أن يكون الاقتصاد قوياً، حتى نتمكن من المطالبة الفعالة وتحقيق الرفاهية لشعوبنا.

* كيف تقيّمون واقع الأجور بشكل عام في الاردن، وهل أنتم راضون عن معدلات الرواتب والأجور؟
في ظل المتغيّرات الاقتصادية والاجتماعية وتآكل دخل الطبقة العاملة نتيجة الغلاء المتزايد، وارتفاع تكاليف المعيشة، لا بد من إعادة النظر بالحد الأدنى للأجور، لأن القيمة الشرائية للأجور الحالية لم تعد تفي بأدنى متطلبات الحياة اليومية. وقد خاطبنا الحكومة مراراً وطالبناها بإعادة دراسة مستوى الأجور، فالعمال يعانون من ارتفاع في أسعار سلة المستهلك، وانخفاض القيمة الشرائية للدينار الأردني، وتدني مستوى المعيشة عموماً، ولذا يجب إعادة النظر بالرواتب في ظل هذا الوضع القائم.


* تعكس الأرقام تدهور أوضاع الطبقة الوسطى وتدني مستويات دخلها، ألا يعتبر هذا التراجع مؤشراً مقلقاً؟
نحن نتطلع بكل تأكيد إلى المحافظة على هذه الطبقة في المجتمع، والتصدي لكل الأسباب والوسائل التي تعمل على إفقارها أو إذابتها أو اضمحلالها. ونسعى بشكل دائم إلى تحسين المستوى المعيشي والاقتصادي لمكوناتها، من خلال مطالبتنا للحكومة باتباع سياسات من شأنها توسيع فرص الاستثمار والعمل على ازدهارهذا القطاع بكل الوسائل الممكنة، لكي يتمكن من استيعاب أكبر عدد من العاطلين عن العمل، وبالتالي التخفيف ما أمكن من حدة البطالة والفقر كظاهرة أصبحت تهدد استقرارنا الاجتماعي والاقتصادي.

من جهة أخرى، تعد البطالة من المشكلات المعقدة التي تواجه الاقتصاد، فهي بطالة هيكلية؛ إذ إن الاقتصاد الأردني غير قادرعلى توفير فرص العمل بالكم والنوع الكافيين لاستيعاب الداخلين الجدد إلى سوق العمل، كما أنها تعتبر بطالة طويلة المدى، حيث تجاوزت معدلاتها 10% لعدة عقود. كما أنها بطالة تصيب الشباب على نحو رئيسي. واللافت في هذا الصدد أنها ترتفع في صفوف الإناث من مختلف الأعمار والفئات والمستويات التعليمية، لذلك باتت البطالة تشكل بالفعل عبئاً ثقيلاً على الحياة اليومية الأردنية، الأمر الذي يستدعي إعادة النظر بها، وإيجاد حلول مناسبة تساهم في الحد منها، خوفاً من انتشارها أكثر.

* يواجه الاقتصاد الأردني تحديات عديدة، كيف تنظرون إلى هذه التحديات؟
الأوضاع الاقتصادية متردية، وخاصة أن فرص الاستثمار لا تزال ضئيلة، لذا نحن بحاجة إلى استثمارات فعلية تحقق قيمة مضافة، تسهم في تقليص حجم البطالة. تصدّر الجامعات الأردنية اليوم ما لا يقل عن 60 ألف شاب سنوياً إلى سوق العمل، ولذلك نحن بحاجة الى استثمارات تنجز نمواً حقيقياً، ترفع من معدلاته المتوقعة، كي يستقر الوضع الاقتصادي ويتجاوز التحديات التي تواجهه، وينطلق حسب التصنيفات الإيجابية للمؤسسات الدولية المعنية بمراقبة وتصنيف اقتصاديات الدول.

من جهة أخرى، فإن الاستثمار في القطاع الصناعي، وهو القطاع الأبرز في المملكة، يواجه عملياً تحديات كبيرة، بسبب تواضع السوق الأردنية من جهة، واعتمادها على الأسواق العالمية من جهة أخرى، ما يجعلها خاضعة لاحتياجات الدول في ظل منافسة قوية، تعتمد على جودة المنتج وتدني سعره. في وقت ترتفع فيه قيم مدخلات الإنتاج المحلي وأثمان الطاقة التقليدية، في ظل افتقار الأردن في الوقت الراهن للبدائل.


إلى ذلك، يفتقد السوق إلى وجود شركات استثمارية متخصصة على صعيد أعمال الصيانة بمختلف أنواعها التقليدية والحديثة، إضافة إلى افتقاره أيضاً إلى شركات مماثلة لديها القدرة على تنفيذ المشاريع الإنشائية بشكل متكامل، من دون أن تستعين لتأمين احتياجاتها من الخبرات والعمالة وأدوات الإنشاء اللازمة لإنجاز مشاريعها بشكل فعال.

* كيف ترون دور القطاع الخاص على هذا الصعيد؟
أعتقد أن التوجه نحو القطاع الخاص أمر ضروري لتأدية دور أكبر في تحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة والمستدامة، ويمكن أن يتم بأفضل الطرق والأساليب الممكنة، ويساعد هذا على استيعاب أكبر للتقنيات الحديثة، التي تجعل الاقتصاد الأردني في مصاف الدول المنافسة في الأسواق العربية والعالمية، إلا أن ذلك لا يمكن أن يحدث إلا عند تقبّل التغيير والإصلاح في نُظُم العمل الإداري، واتّباع نهج اللامركزية في الإدارة بتفويض الصلاحيات وبناء القيادات القادرة على تحمّل المسؤوليات من القطاعين العام والخاص، وذلك باتباع أسلوب الإدارة المشاركة التكاملية في وضع رؤية واستراتيجية التخطيط، ورسم السياسات التنموية لمستقبل النهضة الاقتصادية في الأردن.

* هل بإمكاننا أن نقر بأن للاضطرابات السياسية التي تشهدها دول الجوار تأثيرات على الاقتصاد الأردني؟

حقيقة مهما تمتع الأردن بالصلابة، فإن الأزمات واستمرارها بالعراق وسورية تحدث إرباكاً لصانع القرار الاقتصادي، كما أنها تنعكس سلباً على الاقتصاد. فعلى سبيل المثال، دخول أعداد كبيرة وهائلة من إخوتنا اللاجئين السوريين، صرف أنظار الحكومة نوعاً ما عن عملية التركيز على التخطيط. وبدأت الحكومة بالتفكير بكيفية تأمين احتياجاتهم الإنسانية والخدمية، ولذلك فإن المشكلات الاقتصادية التي يعاني منها الأردن تفاقمت بفعل هذه الظروف بكل تأكيد.

* ما هي رؤيتكم المستقبلية لعملية الإصلاح التي يشهدها الأردن حالياً؟ وهل تعتقدون أنها ستلقى النجاح المطلوب؟
لا بد من التأكيد أولاً أن الإصلاح الاقتصادي يحتاج إلى خطة شاملة، فمن الضروري أن نرى إصلاحاً سياسياً واقتصادياً شاملاً يقوم على مبدأ تكامل الفرص وتكافؤها، لأن ذلك يعني، وبكل بساطة، تنشيط الحياة الحزبية والسياسية من جهة، وتنشيط الحياة الاقتصادية من جهة أخرى، ويتيح الفرصة أمام كل القوى للمشاركة في صنع القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ضمن ضوابط وأطر تحترم كرامة الإنسان الأردني وحريته دون المساس بثوابت الوطن ومصالحه.

من جهة أخرى، أعتقد أن الأردن يحتاج اليوم إلى قانون انتخاب عصري، يلبي طموح الفعاليات والقوى والتنظيمات الحزبية والنقابية والمهنية والشعبية، ويفتح المجال أمام جميع أفراد المجتمع للمشاركة في العملية الانتخابية، واستثمار هذا الحق في إيجاد نواب يمثلون كافة مكونات المجتمع الأردني على أسس من العدالة وصدق التمثيل، بهدف رسم صورة مثلى للديمقراطية التي نعيشها.

ومن هنا، فإنه عند القيام بهذه الاصلاحات، يمكن عندها الحديث عن نجاح الخطط الاقتصادية، لأن الاقتصاد مرتبط بالأوضاع السياسية، ولا يمكن أن ينجح الاقتصاد دون وجود ظروف سياسية ملائمة، قائمة على أسس الديمقراطية السليمة.

تعريف:
مازن المعايطة، من مواليد مدينة الكرك في العام 1949، حاصل على بكالوريوس لغة عربية وآدابها من جامعة اليرموك في العام 1984، رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال لثلاث دورات متتالية. تسلّم سابقاً منصب نائب رئيس مجلس إدارة منظمة العمل العربية، وهو عضو في المكتب التنفيذي للكونفدرالية الدولية للنقابات الحرة عن منطقة آسيا والمحيط الباسيفيكي، ونائب لرئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي.


البطالة بين الشباب الأردني
أظهرت بيانات جهاز الإحصاء الأردني أن معدل البطالة ارتفع خلال العام 2014 إلى 12.3%، مقابل 11% في العام 2013. ويقدّرعدد العاطلين من العمل داخل سوق العمل الأردني بنحو مئتي ألف شخص من إجمالي القوى العاملة الأردنية البالغ حجمها نحو مليوني شخص. وحسب بيانات جهاز الإحصاء الأردني، فإن 49.7% من العاطلين ينتمون للفئة العمرية ما بين 15 و24 عاماً، فيما تناهز النسبة 41.4% للفئة العمرية بين 25 و39 عاماً، و8.9% لمن هم فوق الأربعين عاماً. وأوضح التقرير أن أغلبية العاطلين عن العمل في الأردن يتمتعون بمستوى تعليمياً أقل من الثانوي، حيث تصل نسبتهم إلى 43.7%، ثم يليهم الجامعيون بنسبة 40.6%، أما الحاصلون على دبلوم متوسط، فقد بلغت نسبتهم 8%، والمستوى الثانوي بلغت نسبته 7.3%.

من جهته، أشار تقرير صندوق النقد الدولي العام الماضي، إلى أن متوسط البطالة في الأردن بلغ 14% على مدار العقد الماضي، ويصل إلى مستوى بالغ الارتفاع بين الشباب والنساء على وجه الخصوص. وأوضح التقرير أنه لتوفير فرص العمل واستيعاب الداخلين الجدد في سوق العمل، يتعيّن تحقيق نمو سنوي متوسط في إجمالي الناتج المحلي قدره 6.1% على مدار الفترة 2013- 2020، مشيراً إلى أنه لتحقيق هذا الهدف يتعيّن تجديد الزخم الدافع للإصلاحات الهيكلية، وهو ما يتطلب جهوداً لتحسين مناخ الأعمال، بما في ذلك التعجيل بالموافقة على قوانين الاستثمار والإقراض المضمون والإعسار المالي

إقرأ أيضا: منسيات في عيدهن
المساهمون