المصريون يشكون دولة "شفط" الأموال

05 يناير 2015
من الإحتجاجات ضد غلاء الأسعار(رمزي حيدر/فرانس برس)
+ الخط -
تتبع الدول ذات الاقتصاد المأزوم، قرارات لحل مشكلاتها. تختلف القرارات بحكم اختلاف التوجهات والانحيازات، لكن في أغلب ‏الأحيان يتم اختصار المشكلة الاقتصادية في أزمة الموازنة العامة. وبناء على هذا التصور القاصر، الذي يهمل مراجعة وتقييم ‏التوجهات الاقتصادية العامة، تلجأ الحكومات الى تقليل الإنفاق وزيادة الإيرادات مستبعدة سياسة دعم الإنتاج نظراً لموقعها ‏الاقتصادي التابع للسوق العالمية. 
وفي هذه الحالة تكون قرارات فرض الضرائب المباشرة وغير المباشرة أداة جمع الأموال، ‏وإن كان فرض الضرائب التصاعدية على الدخل والارباح أمراً مهماً لحل الأزمة، إلا أنه في الوقت نفسه، ليس الحل الذي يخلق ‏عملية تنمية حقيقية إن لم يتزامن مع تنفيذ خطط لدعم القطاعات الإنتاجية.
غالباً ما يتحمل الفقراء أعباء الأزمة الاقتصادية. وذلك نتيجة فرض الضرائب غير المباشرة المتمثلة في رفع أسعار الخدمات وإقرار غرامات وعقوبات مالية مبالغ بقيمتها. ويؤدي ‏هذا التوجه الاقتصادي إلى تعميق المشكلات المعيشية للناس، خاصة في أوساط الشريحة الاجتماعية الأكثر فقراً.
لم تختلف نوعية تلك القرارات ‏كثيراً في معظم الدول العربية، إلا في مسمّى القرار نفسه، حيث يفرض معظم الدول رسوماً مالية على تعاملات المواطنين اليومية ‏مع أجهزة الدولة. بل ترتفع قيمة تلك الرسوم بشكل مستمر. ويتجلى الظلم في هذه القرارات في كونها تطبّق بشكل جبري ‏على ملايين المواطنين بشكل إلزامي. وتعمل هذه الرسوم على نهب الدخل المحدود أساساً. على سبيل المثال، تم ‏أخيراً في مصر فرض زيادة على غرامات مخالفات إشغال الطريق وكذلك مخالفات المرور، إضافة إلى رفع عدد من الرسوم في ‏التعاملات اليومية مع جهاز الدولة، فضلاً عن زيادة أسعار الخدمات.
ولم يكن قرار فرض رسوم إضافية على‏ التقاضي إلا ‏إجراء جديداً يصبّ في ذات الاتجاه، حيث يتجاوز هذا القرار مفهوم تحقيق المصلحة العامة المتعلقة بالصرف على الخدمات، لأنه سيخصص حصيلة رسوم التقاضي لصندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية. هذا الامر الذي يعني ‏أن المتقاضي سيساهم بجنيهاته القليلة في تقديم الخدمات الطبية والترفيهية لأعضاء الهيئات ‏القضائية، في حين أنه شخصياً محروم منها.
هنا تتضح المفارقة في تطبيق تلك السياسة الاقتصادية التي تمثل نوعاً من الجباية على الفقراء. وقد كان القرار الأخير بفرض ‏رسوم للتقاضي أمام المحاكم، سبباً في حراك المحامين لأنه سيؤثر سلباً على عملهم أيضاً. وقد اتخذ الحراك شكل الاعتصامات الرافضة للقرار من منطلق أن حق التقاضي هو حق أصيل، لا ينبغي أن توضع أمامه عراقيل اقتصادية، كما لا يجوز أن يؤسسس ‏لوضع فيه تميز في ممارسة الحق في التقاضي على أرضية اقتصادية.
وتشير القاعدة الثابتة دستورياً في هذا الصدد، إلى التزام ‏الدولة وأجهزة القضاء توفير الحق في الدفاع إذا لم يتمكن المواطن من توفير من يدافع عنه، وكذلك كفالة الحق في التقاضي ‏والمساواة أمام القانون.
ليست مصر الحالة الوحيدة التي تستخدم سياسة الجباية التي تقتطع جزءاً من أموال المواطنين من دون تفرقة في حجم المداخيل، بدعوى تحقيق مصلحة عامة. فمعظم البلدان العربية باستثناءات دول ومراكز مالية في الخليج، تمارس التوجهات ذاتها، والتي تهدف إلى زيادة ‏حصيلة موارد الدولة من جيوب المواطنين من دون تمييز في الوضع الاقتصادي والاجتماعي. هكذا، يقوم جهاز الدولة باستعادة ما صرفه على الأجور والخدمات عن طريق ‏الضرائب غير المباشرة.‏
يقع هنا جهاز الدولة في موضع جهاز الاستغلال لا جهاز تقديم الخدمات، الأمر الذي يحمّل المواطنين أعباء جديدة، ويجعل من أجهزة الدولة "حصّالة شفط أموال"، بدلاً من أن يكون دورها خدمة المجتمع. وهذا الأمر يعيد التفكير في ‏شكل الدولة ودورها في ظل أنظمة الحكم القائمة، كما يطرح سؤالاً آخر: هل الدفاع عن جهاز الدولة في شكله الحالي دليل على ‏الوطنية أم دليل على تبرير الاستغلال والاستبداد وسياسات الجباية؟

*باحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية – جامعة القاهرة ‏
المساهمون