الضرائب في العراق: لا عدالة ولا أهداف

26 يناير 2015
الضرائب لاتميّز بين شرائح المجتمع العراقي (حيدر حمداني/فرانس برس)
+ الخط -
منذ تشريع أول قانون للضريبة في العراق سنة 1927 وحتى إتمام قانون رقم 113 سنة 1982، لم يطرأ أي تطور على التشريع الضريبي العراقي. النظام السابق انشغل بالحروب. سلطة الائتلاف أصدرت أمراً يحمل الرقم 49 يخفض نسب الضرائب بين 40% و60%، لكنها لم تنجح في تحقيق الهدف الرئيسي للضرائب، سواء من الناحية الاقتصادية أم الاجتماعية. لجأت الحكومات المتعاقبة للضرائب غير المباشرة، فساوت الفقراء بالأثرياء. في حين تطور حجم التهرب الضريبي للشركات، ليقع العراق في أزمة اللاعدالة الضريبية. 

بين الظلم والأحقية الضريبية
بحسب الخبير المالي منير عبد الله رفيعة، فإن النظام الضريبي لم يحظ بالمتابعة المطلوبة، على اعتبار أن العراق بلد غني بالبترول. لذا فإن التشريع الضريبي لم يكن له الاهتمام إن كان من قبل المجتمع أو مؤسسات الدولة العراقية والقوانين المالية التي ترسم الإدارة الضريبية. ويتابع رفيعة أنه "بعد العام 2003 صدر الكثير من القوانين والأنظمة، لكن حتى الآن لا توجد ‏عدالة حقيقية في السياسة الضريبية، حيث نلحظ أن الضرائب تفرض على أبواب محددة، من دون مراعاة مستوى ‏المعيشة، ولا سيما مع القرارات الأخيرة التي اتخذتها الحكومة المركزية تجاه زيادة الضرائب على بعض السلع، من أجل ‏مساعدتها في عبور الأزمة المالية أو تلك التي تفرض على الملكية أو التي تفرض على أنواع ‏معينة من السلع المستوردة دون أخرى".
ويعتبر ربيعة أن "هذه السياسة تتسبب بخسارة على الإنتاج المحلي، ما ينعكس سلباً على ‏المواطن والاقتصاد ككل. لذا نجد أن العراق يسعى إلى تحقيق الإصلاح المالي والاقتصادي، وفقا للتحولات ‏الجديدة وإزاء هذا الواقع لا يمكن الحديث عن إصلاح اقتصادي من دون تحقيق الإصلاح الضريبي. وهذا هو التحدي الحقيقي ‏لكل الإصلاحات الأخرى".‏
ويشير المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء مظهر محمد صالح إلى أن الضرائب غير المباشرة تعد وسيلة ناجحة اعتمدتها الإدارة الضريبية في الفترة الاخيرة. ويقول لـ "العربي الجديد": "اعتمدت الحكومات هذا النمط نظراً لوجود صعوبات للتحصيل الضريبي، إذ لا يوجد إحصاءات دقيقة عن حجم الضرائب المفروضة، والإيرادات المتوقعة".
إلا أن أحد الموظفين في وزارة التعليم العالي، يعتبر أن ما يطبق اليوم من ضريبة هو"سرقة"، ويقول لـ "العربي الجديد": "تدفع الضرائب مقابل تقديم خدمات معينة، إلا أننا في العراق لم نحصل على أي فائدة، فالدولة لا تفرض وعاء ضريبياً متناسباً مع قدرات المواطنين. حيث يتم فرض الضرائب غير المباشرة على جميع المواطنين، من دون تمييز وفق المداخيل بين الفئات الاجتماعية".

لاعدالة وتهرب ضريبي
ويعتبر خبراء الاقتصاد أن الضرائب فشلت في تأدية الدور الموكل إليها، سواء أكانت مباشرة أو غير مباشرة. ويقول الخبير الاقتصادي أحمد الحسيني إن النظام الضريبي في العراق "مشوه والمعطل". ويشير لـ "العربي الجديد"، إلى أن النظام الضريبي لم ينجح حتى في تحقيق موارد مالية لسد العجز. ويشرح الحسيني أن الضريبة التي تستقطعها الحكومة من رواتب الموظفين لا تسد 2% من العجز، فالضرائب تبلغ ما يقارب ترليوني دينار (مليار و 800 مليون دولار) في المقابل فإن العجز الكلي المحقق في الموازنة يصل إلى 37 ترليون دينار عراقي أي نحو 43 مليار دولار، ما يعني فشل الحكومة في توجيه الضرائب لسد العجز".
من جانبه، يؤكد عضو اللجنة المالية البرلمانية هيثم الجبوري لـ "العربي الجديد"، أن العراق لا يملك ثقافة تعنى بالوعي الضريبي. ويشير إلى أن البرلمان أخفق مرات عدة في تشريع قوانين تدعم جباية الضرائب ما ضيع على البلاد موارد مالية كبيرة، كانت من الممكن أن تساعده في موازناته السنوية التي تعتمد بشكل كبير جدا على واردات النفط فقط.
ويلفت الجبوري إلى أن هنالك الكثير من الشركات الاستثمارية والصناعية والتجارية تتهرب من دفع الضرائب، بل إنها تخرج رؤوس أموالها إلى الخارج للتهرب من دفع المستحقات المفروضة عليها. كما أن هنالك تهاونا كبيرا من قبل الهيئة العامة للضرائب في جباية الأموال من بعض المؤسسات والشركات العاملة في العراق "ما يثير الكثير من علامات الاستفهام حولها".
أما خليل صدام، صاحب أحد المحال التجارية وسط بغداد، يؤكد لـ "العربي الجديد"، أن الضريبة في العراق لا تمت للعدالة بصلة، فهي تفرض على سلع دون أخرى، كما أنها تدخل في أبواب ليس في مكانها الأصلي أو أنها مبالغ فيها، ولا سيما مع مراجعاتنا لتحويل ملكية دار سكني أو سيارة أو محل، فإنها تفرض ضرائب تتجاوز ربع قيمة العقار أو المحل وهذا غير منطقي.

زيادة الإيرادات
إلا أن مدير عام الهيئة العامة للضرائب كاظم الموسوي يجد النظام الضريبي في العراق، داعماً أساسياً للاقتصاد ويقول لـ "العربي الجديد": ‏"إن الإيرادات الضريبية زادت خلال الفترة الأخيرة، برغم التخفيض الذي لحق بنسبة الضريبة إلى 15%". ويشرح أن ‏"سبب ارتفاع الإيرادات يعود إلى توسع النشاط الاقتصادي والاستيرادي وبالتالي ازدادت التحصيلات الضريبية"، مبيناً أن ‏إيرادات الهيئة للعامة للضرائب للعام 2014 بلغت مليارا و350 مليون دولار، وبذلك سجلت نمواً وصل ‏إلى 13% قياسا بإيرادات العام 2013. ويعتبر أن "هذا نجاح كبير على الرغم من فقدان الدولة لإيرادات أربعة ‏منافذ حدودية وأكثر من ثمانية فروع للهيئة، بسبب الأحداث الأمنية الأخيرة التي حدثت في صيف 2014".‏
ويشير الموسوي إلى أن الضريبة لا تسري على كل القطاعات العاملة في العراق "فمثلا قطاع ‏الزراعة الذي يشكل من 5 إلى 6% من الناتج المحلي للبلاد فهو بحسب القانون غير خاضع ‏للضريبة . كما أن القطاع الصناعي العراقي خاضع للضريبة، إلا أنه لا يتمتع ‏بجباية مرتفعة كونه غير فعال ولايعمل بالشكل المطلوب". ويتابع "أما القطاعات التي يتم ‏اقتطاع الضريبة منها فهي القطاع النفطي وتحديدا الشركات التي تحصل على التراخيص، وذلك بعد إنتاجها ‏للنفط. وهذه الضرائب تذهب مباشرة للدولة بحسب العقود المبرمة مع وزارة النفط، كذلك يتم ‏احتساب الضريبة من شركات الهاتف النقال العاملة في العراق والشركات التجارية المتنوعة".‏
المساهمون