مصر.. حصاد عام من التقشف والغلاء

19 يناير 2015
+ الخط -
أضاف العام الماضي هموماً اقتصادية جديدة على كاهل المصريين، لما تضمنه من قرارات زادت من أعباء المعيشة اليومية. لم تقتصر المعاناة على الطبقات الأشد فقراً، وإن كانت تلك الطبقات هي الأكثر تضرراً. يمكننا استبيان أهم مظاهر الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي ستستمر في عام 2015، وفق عدة مؤشرات: 

زيادة أسعار الخدمات والسلع
أشارت التقارير الرسمية للحكومة المصرية إلى ارتفاع معدلات التضخم بشكل عام فى 2014 بنحو 10% عن العام الذي سبقه. وتمثل ذلك فى ارتفاع أسعار السلع الغذائية. وساهم انخفاض سعر صرف الجنيه مقابل الدولار في رفع أسعار العديد من السلع الأخرى. ولم تقتصر موجة الغلاء على السلع فحسب، بل شملت أيضاً الخدمات. حيث زادت كلفة النقل بنسبة بلغت 21%، كانت قرارات رفع الدعم عن الطاقة ومشتقاتها أبرز أسبابها. ورغم انخفاض الأسعار العالمية للبترول، إلا أن معدلات الأسعار في مصر ظلت عند نفس مستوى ارتفاعها.
كما شملت الزيادات ارتفاع تكلفة الخدمات الصحية بنحو 15%. ولم تسلم خدمات التعليم بكافة مراحله من ارتفاع التكلفة، حيث تمت زيادة الرسوم الدراسية وصولاً إلى 40% بالنسبة إلى طلاب الدراسات العليا.

ركود فى السوق واتساع فى البطالة
كذلك لم تبرح السوق المصرية حالة الركود، فقد استمر الخلل القائم فى الميزان التجاري، حيث أشارت الأرقام الرسمية إلى زيادة معدلات الواردات بنحو 13%، وانخفاض الصادرات بنحو 20% فى الفترة من أكتوبر/تشرين الأول 2013 وحتى أكتوبر/تشرين الأول 2014. وكذا، لم يحدث تقدم في معدلات التشغيل، وظلت طوابير ونسب البطالة على ما هي عليه. وفي واقعة تدل على بؤس أوضاع الشباب المتعطلين، تقدم نحو مليون ونصف المليون شاب وشابة لشغل وظيفة مدرس في مسابقة وزارة التربية والتعليم التي أعلنت عن حاجتها لتعيين 30 ألف مدرس فقط.

قوانين ومراسيم الفساد
شكلت الفترة الماضية، مرحلة إطلاق وإصدار قرارات اقتصادية شديدة الخطورة، لناحية توسيع دائرة الفساد والمحاباة. حيث أصدرت السلطة عددا من القوانين الاقتصادية قبل انتخابات مجلس الشعب، في ظل غياب آليات التشريع والرقابة البرلمانية. وقد ساهمت حالة الارتباك السائدة في المجتمع فى تمرير تلك القرارات والتشريعات. ومنها على سبيل المثال، لا الحصر، تعديلات قانون الاستثمار، والتي قضت بحظر حق التقاضي للمواطنين على العمليات أو الصفقات الاقتصادية التى تبرمها الدولة مع مستثمرين. وقد أتى هذا التعديل إثر أحكام القضاء التى صدرت ببطلان بعض عمليات الخصخصة، وإثبات وجود عمليات فساد فيها. وفي السياق ذاته، صدر قانون المناقصات، والذي يتيح لهيئات الدولة إسناد العمليات الاقتصادية والمشاريع إلى أي جهة عبر الإسناد المباشر من دون اعتماد المزايدات والمناقصات، وهو ما يفتح الباب للمحاباة والفساد وينفي مبدأ المنافسة. إضافة إلى القرارات والمراسيم التي تمنح إعفاءات جمركية وتخصص الأراضي بالأمر المباشر.
كذلك، تم الترويج إلى أنه لا حلول لأزمة الموازنة والأزمة الاقتصادية، إلا عن طريق فرض إجراءات التقشف الاقتصادي على الفقراء، عبر رفع الدعم عن مشتقات الطاقة وبعض السلع والخدمات الأساسية. وتم التسويق لنظرية تراجع الدولة عن دورها الاجتماعي، وكذا إفساح الطريق لمشاركة القطاع الخاص في إدارة الأصول والشركات الحكومية. ومن هنا تم تشكيل لجنة لفحص ومراجعة أوضاع الشركات المصرية لإعادة هيكلتها، وربما تنتهي تلك المراجعة إلى بيع معظم الشركات على مراحل، تبدأ بمشاركة القطاع الخاص إلى الانتهاء باستيلاء بعض رجال الأعمال على ما تبقى من قلاع صناعية.
ولم يسلم الفلاحون من تلك السياسات، حيث تم رفع أسعار الأسمدة، وكذلك تم رفع الدعم الموجه إلى بعض الزراعات والمحاصيل، ومنها محصول القطن.
في النهاية، يمكن أن نقول إن النهج الاقتصادي والاجتماعي الذي ساد طوال فترة حكم مبارك، لا يزال مستمراً، وتداعيات ما حصل في عام 2014، سنشهده هذا العام، بوقع أكثر عنفاً.

(باحث فى الأنثروبولوجيا الاجتماعية، جامعة القاهرة)
المساهمون