شهقة اليائسين: الفقر والبطالة يدفعان المصريين إلى الانتحار

22 ديسمبر 2014
العدالة المفقودة (طوني تاكاهاشي/getty)
+ الخط -
لا يمكنك أن تطالع جريدة مصرية خلال الفترة الأخيرة، إلا وتجد حالة انتحار رجل أو امرأة، كهل أو شاب... يختلف الجنس، يختلف العمر، إلا أن سبباً واحداً يعوم على وجه دوافع الانتحار في مصر: الضائقة المالية. وتشهد مصر أياماً غريبة، حيث يمكن أن تحدث أكثر من 15 حالة انتحار في شهر واحد، ويمكن كذلك أن ينتحر ستة مصريين في يوم واحد، مثلما حصل في يوم 13 ديسمبر/ كانون الأول الجاري.

وقد بدأ ارتفاع معدلات الانتحار والاسباب التي تكمن خلفها تثير الكثير من ‏التساؤلات عن الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية في مصر، وعن ‏مؤشرات الجوع والفقر والبطالة. ‏في كتابه "شهقة اليائسين"، يحلّل ياسر ثابت أسباب الانتحار بين المصريين، ويبيّن أن الفقر والبطالة والمشكلات الاقتصادية والاجتماعية، تعتبر من أبرز الاسباب الدافعة للانتحار. ويشير في كتابه إلى وجود 2200 حالة انتحار سنوياً في مصر.

إعانات غذائية
يقول المدير التنفيذي لبنك الطعام المصري، رضا سكر: "إن هناك ‏زيادة في نسبة المحتاجين للإعانات الغذائية في مصر سنوياً منذ ثورة ‏‏25 يناير/ كانون الثاني، وإن المعدلات في ارتفاع مستمر حتى اللحظة الراهنة". ‏ويشير سكر الى أن نسبة الارتفاع في معدل الطالبين للإعانات الغذائية تراوح ما بين 15% الى 20% خلال ثلاث سنوات. ‏
ويرجع المدير التنفيذي لبنك الطعام أسباب تلك الزيادة إلى وضع العمالة، وارتفاع معدلات البطالة، نتيجة للانهيار الذي يصيب مفاصل الاقتصاد، ويشرح، لـ"العربي الجديد"، أنه "زاد معدل المتعطلين عن العمل كثيراً، وذلك بالتزامن مع انهيار قطاعات اقتصادية كبيرة، مثل السياحة، وتراجع حركة التصدير ‏والاستيراد، وتراجع القطاعات الصناعية والزراعية. وذلك إضافة إلى غياب المشاريع التنموية التي ‏يمكنها أن توفر فرص عمل للشباب وللفقراء في مصر". ويعتبر سكر أن "هذا الواقع السيئ أدى الى انهيار ‏المنظومة الاقتصادية للعديد من الأسر المصرية التي كانت تفصلها عن ‏الجوع نقاط قليلة".‏
ويقول سكر إن بنك ‏الطعام كان يضع استراتيجية للقضاء على الجوع عام 2020 "إلا أن ‏التغيّرات التي طرأت على مصر خلال الثلاث سنوات الماضية تقف ‏حائلاً أمام تنفيذ تلك الاستراتيجية". وتوقع أن تزداد نسبة الجوع خلال ‏الفترة المقبلة.‏
من جهته، يرى مدير مركز بصيرة لاستطلاعات الرأي واستاذ ‏الإحصاء في كلية التجارة في جامعة القاهرة، الدكتور ماجد عثمان، أنه يوجد ارتباط قوي بين مؤشرات الفقر والجوع من جهة وحالات الانتحار من جهة أخرى. ويشير عثمان الى أن ‏مؤشرات الفقر قفزت خلال الثلاث سنوات الماضية من 25.2% إلى ‏‏26.6%، بزيادة 1.4%، وهذه النسبة ليست قليلة في بلد يتجه تعداد سكانه سريعاً نحو 88 مليون نسمة. ‏
ويرجع عثمان أسباب ذلك الى حالة الاضطراب السياسي والاقتصادي ‏التي تشهدها مصر من قبل ثورة 25 يناير. ويضيف أن "سوء توزيع ‏الثروة في مصر التي يوجد بها ثلاثة من أغنى أغنياء العالم دليل على ‏سوء الادارة في البلاد، ودليل على التفاوت الاجتماعي الحاد الذي يزيد اتساعاً عاماً بعد عام.‏
ومن جهته، يقول منسق حملة عمال ضد الخصخصة، محمد حسن، إن معدل الجوع في ‏مصر يزداد بصورة كبيرة خلال السنوات الماضية وحتى اليوم. ويشكك حسن في تقديرات المراكز ‏البحثية، مدللاً على ذلك بارتفاع نسبة الفقر في بعض محافظات ‏مصر إلى ما يزيد عن 60%، مثل محافظة أسيوط، وتليها سوهاج ثم ‏المنيا مروراً ببني سويف والجيزة. ‏
ويقول حسن، في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد"، إن عدد العمال ‏الذين تم تسريحهم من أعمالهم خلال الفترة الراهنة يتجاوز الـ14 ألف ‏عامل. ويضيف أن هناك توقعات بزيادة كبيرة في عدد العمال المسرحين من أعمالهم بسبب اتجاه الدولة للخصخصة.‏
ويستطرد حسن في حديثه متسائلاً: "كيف يمكن لدولة قامت بها ثورة ‏وموجتان احتجاجيتان أن يُلقى فيها القبض على طفل لم يتجاوز العاشرة من عمره ‏بسبب سرقته خمسة أرغفة ليسد أفعى الجوع التي تأكل أحشاءه؟". ‏ويتابع: "كيف تصمت دولة بكل رجال أعمالها الذين يهدرون ملايين الدولارات ‏سنوياً على موائدهم أمام انتحار العشرات من المصريين هرباً من الفقر والبطالة؟".
الأجوبة على أسئلة حسن عديدة، وشديدة الواقعية. إذ يرد مدير مركز الشفافية ومكافحة الفساد، شحاته محمد شحاته، إن "‏العدالة الاجتماعية في مصر غائبة، الامر الذي يؤدي الى مزيد من ‏الجوع والفقر"، وبالتالي ارتفاع معدلات الموت انتحاراً. ويتوقع شحاته أن تزداد نسبة الجوع في مصر "طالما ‏لم تضع الدولة أي حلول أو برامج اجتماعية لآلاف المصريين الذي يأكلون من صناديق ‏القمامة، وطالما لم تضع استراتيجية حقيقية لمكافحة الفساد، الذي يؤدي ‏الى خسارة الدولة ما يقرب من 37 مليار دولار سنوياً، وفقاً لمنظمة ‏الشفافية العالمية في آخر تقرير لها". ‏

سياسات الهدم
يشير مدير مركز الشفافية ومكافحة الفساد الى أنه "من دواعي الدهشة ‏في مصر، التي يعاني أكثر من نصف سكانها من الفقر والجوع، أن ‏تكون هناك وزراة للعدالة الانتقالية، التي لا أحد يعرف عن مهامها شيئاً ‏حتى الآن".‏
يضيف شحاته قائلاً إن ارتفاع معدلات الفقر يعتبر مؤشراً خطيراً، ويهدد بشكل فعلي أي نظام قائم أو سيأتي، من دون أن يجد الحلول للأزمات الاجتماعية. ويحذر شحاته، في حديثه مع "العربي الجديد"، من ثورة للجياع الذين لا يجدون أي ‏اهتمام من قبل الدولة.‏
ويشرح شحاته أن المسؤولين ‏في الدولة يتحدثون دائماً عن البناء، ولكنهم في الحقيقية يمارسون الهدم ‏المتعمّد ويتعاملون مع الامر بمنطق "اخطف واجري". يدلّل على ذلك ‏بتطبيق برنامج تخريبي للمنشآت الرابحة، مثل ما يحدث الآن في الشركة المصرية للأغذية، "بيسكو ‏مصر"، التي سيتم بيعها لشركة خاصة، وسيتم تشريد ما ‏يزيد عن 4 آلاف عامل منها. ويسأل شحاته: "هل سيعيش هؤلاء العمال المصروفين من وظائفهم في أمان، أم سيكونون عرضة للجوع ‏والفقر؟".‏ إذ إن تسريح 4 آلاف عامل، يعني فعلياً وقوع 20 ألف فرد، يمثلون العمال وأفراد عائلاتهم، في أزمة معيشية حادة".
المساهمون