نحو تكامل المنافع في إدارة النفط العراقي

10 ديسمبر 2014
الفقر من ابرز التحديات أمام الاقتصاد العراقي(فرنس برس/getty)
+ الخط -
يبدو أننا اليوم، بحاجة إلى التخطيط الخلاق والفعال لبناء سياسة نفطية جديدة، خصوصاً أنَّ العراق قد مر بتحولات استراتيجيّة كبيرة. فقد انتقل من نظام شمولي إلى نظام يفصل بين السلطات، ومن نظام مركزي الى نظام اتحادي، ومن اقتصاد خاضع للتخطيط المركزي إلى اقتصاد السوق.

التخطيط والرقابة
هذا التحول جعل من الأجهزة التنفيذية تتبدل في الدور الوظيفي لها أيضاً. فالمؤسَّسات الاتحادية التنفيذية تعمل على التخطيط للقطاع الذي تعمل فيه، وتعمل بالمقابل على مراقبة الأداء وقياسه، وتحقيق الأهداف المرسومة والجهد المبذول لذلك. في حين ستكون الأذرع التنفيذية لوزارة النفط العراقية التابعة للسلطة الاتحادية، مسؤولةً عن تنفيذ هذه الأهداف، وذلك بعد تحديد حزمة من السياسات والإجراءات والتعليمات.
لكن الإشكالية التي مازالت عالقة لحد الآن، هي آلية تنظيم العلاقة بين الوزارات، في مجال إدارة الثروات الطبيعية في الأقاليم والمحافظات المنتجة للنفط، والمشار إليها في الدستور الاتحادي الدائم لجمهورية العراق لعام 2005. وهنا أشير إلى أن هنالك ضرورة لتفسير الغموض الدستوري في المادة 112، والعمل على إعادة توصيف العلاقة بين الوزارات وصلاحيات توقيع العقود، وفقاً لما نص عليه الدستور الدائم في الصلاحيات الممنوحة إلى الأقاليم، والمحافظات النفطية غير المنتظمة بالأقاليم.
إضافة إلى ذلك، فإنّ مسألة توزيع الثروات داخل الدولة الاتحادية، لابد أن يعاد التفكير بها. فالدراسات الاقتصادية التي تقدم بها الخبراء والمختصون، تشير إلى أن توزيع الموارد المالية في الأنظمة الاتحادية، يتم من خلال توزيع نقدي مباشر وفق حصص سكانية. أو يكون توزيعاً ماديّاً عبر حزمة من برامج وخطط إنمائية مشتركة، على أساس تكاملي بين الوحدات الاقتصادية للدولة الاتحادية المشتركة.
وتقع مسألة توزيع العوائد النفطية في مقدمة جدول أعمال توزيع الموارد المالية العامة، لأسباب متعددة:
أولاً، يمثّل النفط، المصدر الأساسي لتمويل الموازنة الاتحادية السنوية للدولة، بما يقارب 92% أو أكثر. إضافةً إلى أنَّ النفط يمثّل ثلثي الناتج المحلي الإجمالي (GDP). فضلاً عن أنه المصدر الأساس للعملات الأجنبية، والاحتياطي النقدي الداعم لوعاء الدينار العراقي. الوعاء الذي تنامى وتطور بمقدار 73 إلى 80 مليار دولار، نتيجة استمرار أسعار النفط في ارتفاع نسبي، في مرحلة ما قبل اجتياح "داعش" للأراضي العراقيّة. لكن بعد شهر تموز/يوليو سجلت الأسعار انخفاضاً بنسبة 18% إلى 25%، وهو رقم قد يهز الموازنة الاتحادية المعتمدة بشكل كبير جداً على النفط.
ثانياً، السبب هنا يُعزى الى الالتزامات السيادية الخاصة بالحكومة الاتحادية العراقيّة، والتي تستدعي توزيع الموارد المالية، وفق صيغة أو قواعد عادلة، تكفل الإفادة المتوازنة والعادلة بين أجزاء الوطن. وذلك يتم في إطار التكوينات للمحافظات المنتجة للنفط، وغير المنتظمة بإقليم، أو الأقاليم أو الوحدات الإدارية القائمة، كما في كوردستان العراق وسواها من الأقاليم المتوقع تشكيلها واستحداثها في المستقبل.
وفي إطار ما تقدم، نجد أنَّ الرؤية الهيكلية والمنهاج الخاص بتقسيم الثروة للموارد المالية، وخصوصاً عائدات النفط، تتم وفق معيارين. الأول، نقدي، وهذه نظرة ضيقة وغير مدركة لمعنى الوطن والدولة العراقية الجديدة. والثاني، رؤية إنمائية متنوّرة تنظر إلى العراق كقوّة فاعلة في المنطقة، ومؤثّرة في إدارة التفاعلات الاقتصادية.
وفي الواقع هنالك فارق جوهري بين هاتين المقاربتين، يتمثل إما في اعتماد استراتيجية مشتركة للتنمية الوطنية، أو أن تجري التنمية بصورة مجزأة وغير متناسقة من حيث الوحدات، ولا تحسب حساباً لقاعدة "تكامل المنافع"، أو التكامل الاقتصادي بين وحدات الاقتصاد الوطني.
كما أن كلتا المقاربتين أو النظريتين، تتصارعان الآن في إطار البحث لتقسيم العوائد النفطية والموارد المالية بين المركز والأقاليم. فالمشروع المقترح لقانون توزيع الموارد المالية، والمفروض عرضه على مجلس النواب الحالي مرة أخرى، يعكس التعارض أو التناقض بين هاتيين المقاربتين. وهذا ما يجعلنا نبحث أو نرجح لبناء نظرية مشتركة في إطار النظريتين المطروحتين، كمعادلة جديدة لابد أن تعتمدها مسودة القانون الجديد المتعلق بتوزيع الموارد المالية.
دلالات
المساهمون