رجب معتوق: نقابات الأنظمة مجرد "ديكور"

20 أكتوبر 2014
+ الخط -
يعاني العمال العرب ويلات الأوضاع الاقتصادية، ومجابهة الحكومات للعمل النقابي، والعديد ‏من حالات الصرف التعسفي... مما ‏يطرح تساؤلات ‏كثيرة يجيب عنها الأمين العام لاتحاد النقابات العربية رجب معتوق في مقابلة مع "العربي الجديد":
*ما هي أهم التحديات التي تواجه النقابات العربية؟ وهل من مشترَك في الأزمات المعيشية في المنطقة العربية؟

يضم الاتحاد ‏الدولي للنقابات الآن معظم النقابات العمالية في العالم الثالث، ونتشارك في الهموم والتصدي للتحديات، ‏وناقشت الدورة العاشرة ‏والتي انعقدت منذ أيام موضوع التعاون في العالم الثالث، وكيف يمكن لنقابات هذه المنطقة أن ‏تؤسس لتضامن نقابي، تستطيع من ‏خلاله مواجهة التحديات المشتركة، ومن أهم التحديات التي تواجه النقابات: ‏الأزمات الاقتصادية العالمية وانعكاساتها، ارتفاع ‏مؤشرات البطالة، ازدياد حدة الفقر والتهميش، ارتفاع نسبة الأمية، النزاعات المسلحة، وحالات الفوضى السياسية ‏والاقتصادية.

‏‎ • ‎كيف يمكن مواجهة البطالة التي تفترس العالم العربي؟

‏إن البطالة آفة عالمية، خاصة في بلدان العالم الثالث، حيث ‏تضعف خطط التنمية والمشاريع الإنتاجية والخدمية التي يمكن أن ‏تستوعب أكبر قدر من الباحثين عن العمل.
في الوطن العربي ‏تظل نسبة البطالة أقل من غيرها في الأقاليم الأخرى كآسيا وأفريقيا ‏وأميركا اللاتينية، إلا أن بعض المستجدات على العالم العربي ‏تزيد من حدة الأزمة مثل آفة الإرهاب، وانتشار التنظيمات ‏الإرهابية على مساحة واسعة، وتحول الصراعات السياسية في ‏بعض بلداننا إلى نزاعات مسلحة يتم تدويلها، كما انتشرت ظاهرة ‏الحروب على أسس طائفية ومذهبية وإثنية، وبالتالي لا يمكن ‏القضاء على البطالة بدون توافر الاستقرار السياسي والأمني.‏‎

كيف تؤثر هذه الصراعات في تنامي إهدار حقوق العمال، ‏وخصوصاً ارتفاع حدة الصرف من العمل؟

تحدثنا عن البطالة في معرض إجابة عن سؤال سابق، وقلنا إنها مشكلة عالمية ‏ضاعفت منها الأزمات الاقتصادية ‏والمالية ضربت العالم خلال العقدين الماضيين، وكادتا أن تتسببا في ركود اقتصادي عالمي كبير، ‏ففي الدول الصناعية ‏نسمع حتى يومنا هذا عن فصل وتسريح آلاف العمال، وإفلاس شركات ومصارف عديدة في الوطن العربي، ‏أدى إلى ‏ازدياد حدة المشكلة في ضوء الحراك الجماهيري الكبير الذي شهدته بعض البلدان العربية.
فهذا الحراك أنتج تراجعاً ‏في ‏أداء الاقتصادات العربية، نتيجة فوضى الإضرابات والتظاهرات وتراجع الإنتاج الصناعي والخدمي، والانخفاض ‏الحاد في ‏مستوى السياحة، وارتفاع حدة النزاعات المسلحة وتحول بعضها إلى ما يشبه الحروب الأهلية، وللقضاء ‏على البطالة يحتاج إلى ‏تنمية مستدامة وتوظيف جيد للموارد المادية والبشرية، وهو ما يعد صعبا في تقديرنا في ظل ‏الظروف القائمة حالياً. أما فيما يتعلق ‏بانعكاس الصراعات القائمة في بعض البلدان العربية على حقوق العمال العرب ‏والأجانب العاملين لديها، فهذا ما بحثه مؤتمر ‏العمل العربي الذي انعقد مؤخراً في القاهرة وأصدر قرارا بشأنه بموافقة ‏أطراف الإنتاج الثلاثة: حكومات، أصحاب عمل، عمال، ‏وهو ما نراه بداية حسنة في هذا الاتجاه للقضاء على ‏البطالة.

‏‎ • ‎لكن تشهد بعض البلدان العربية حالات فصل للعمال، فما هو ‏موقف الاتحاد العربي للنقابات من ذلك؟

أي عملية فصل للعمال أو التنكيل بالقادة النقابيين، فيما إذا كانت مخالفة للقوانين النافذة ‏هي من دون شك خرق مدان ‏وغير مقبول، والتشريعات تعطي الحق للمتضررين باللجوء إلى القضاء لإنصافهم، والاتفاقيات الدولية ‏تعطي الحق ‏للتنظيمات النقابية لاتخاذ ما تراه مناسبا للحد من هذه السلوكيات، بالإضافة إلى إمكانية اللجوء إلى المنظمات ‏العربية ‏والدولية.

.‏‎ • ‎ما هو دور المنظمات النقابية في دعم وتطوير مصالح الفئات التي تمثلها؟

المنظمات النقابية متي استوعبت ‏دورها الاجتماعي، وكانت قياداتها على قدر من الوعي بالتحديات الماثلة ‏أمامها، يمكنها أن تشكل قوى ضغط اجتماعي هام. ‏والتعاون بين هذه المنظمات النقابية وبحثها في الحلول ‏الناجعة لكافة المشكلات التي تواجه بلدانها كفيل بأن يساعد أصحاب ‏القرار على معالجة تلك المشاكل ‏بصورة جيدة، وبمشاركة كافة مكونات المجتمع وقواه الفاعلة، ومن بينها المنظمات النقابية.

.‏‎ • ‎كيف ترى الحريات النقابية في الوطن العربي، خاصة في ظل وجود حكومات استبدادية تواجه النقابيين ‏باتهامات العمالة والخيانة؟

‏الحريات النقابية في الوطن العربي ما زالت تعاني من انتهاكات حادة وخطيرة، ولا يمكن ونحن في القرن الواحد ‏والعشرين أن ‏نقبل بأن يكون سجل الحقوق والحريات النقابية في عدد من البلدان العربية مزدحما بالانتهاكات ‏والتدخلات المباشرة وغير ‏المباشرة في العمل والنشاط النقابي. وما زالت دول عربية عديدة لا تعترف بالتنظيم ‏النقابي في القطاع العام، بينما في دول أخرى ‏لا يتم الاعتراف بحق التنظيم النقابي في القطاع الخاص. في ‏المحصلة الحريات والحقوق النقابية في الوطن العربي ما تزال في ‏دائرة الخطر.

.‏‎ • ‎كيف ترى التعددية النقابية؟

الوحدة النقابية هي أساس العمل النقابي، ففي الاتحاد قوة وفي التفرقة ضعف، هذه ‏هي القاعدة. ولكن الوحدة ‏النقابية تحتاج إلى مقومات وشروط للقبول بها من قبل العمال، لعل أهمها حرية التعبير، والاستقلالية ‏النقابية ‏عن الحكومات والأحزاب وأية قوى أخرى داخلية كانت أم خارجية. إضافة إلى توافر الديمقراطية النقابية ‏والشفافية ‏وعدم وجود فساد مالي أو إداري... فمتى توفرت هذه العوامل لن يكون هناك مبرر لقبول العمال ‏بالتعددية، وعكس ذلك يكون ‏محرضا هاما على مطالبتهم بها، وفي هذه الحالة يصبح الأمر من حقهم، ولا ‏يستطيع أحد أن يوجه إليهم اللوم أو العتب أو ‏التخوين.

‏‎ • ‎ما هو تأثير غياب النقابات التي تعبر عن العمال على الجوانب الاقتصادية ومكافحة الفقر؟

عندما لا تكون هناك ‏نقابات، أو تكون النقابات ضعيفة الأداء، أو مدجنة ومسيسة وتابعة للنظام القائم، أو ‏عندما لا تملك قياداتها مؤهلات وقدرات ‏وإمكانات القيادة، وتكون غير واعية، وغير كفؤة، يكون العمل ‏النقابي هزيلاً، وعبارة عن ديكور لا ضرورة له، وفي هذه ‏الحالة لا يمكنه أن يسهم في توفير الأمن ‏الاجتماعي، بل يخلق حالة من التذمر في أوساط العمال، تكون وطأتها شديدة على ‏إنتاجيتهم، والمردود ‏الاقتصادي الذي يحققونه، وبالتالي يكون المجتمع برمته خاسراً.

‏‎ • ‎ما هي الإجراءات التي اتخذتموها في ‏مواجهة الكفيل والاتجار بالبشر؟ ‏

قضية الكفيل في تصورنا حملت أكثر مما هي عليه، خاصة بعد الإصلاحات التي قامت بها ‏عدد من دول ‏الخليج العربي في تشريعاتها المتعلقة بتنظيم العمالة من الخارج، إذ يوجد بلدان ألغت العمل بنظام الكفيل، وأخرى تقوم ‏بإعادة ‏النظر في هذا الموضوع.

‏‎ • ‎‏ هل ترى أن هناك ضرورة حقيقية في التعاون بين نقابات دول العالم الثالث التي تتناحر بصورة ‏مستمرة؟

بالتأكيد الجميع في حاجة ماسة للتعاون، خاصة أثناء ظهور الأزمات والتحديات الكبرى، والحاجة تفرض على ‏الجميع ‏اليوم التعاون من أجل إيجاد الحلول للأزمات والمشاكل والهموم المشتركة. والتعاون النقابي بين المنظمات النقابية ‏في ‏جنوب العالم قائم منذ وقت، كما أن التحالف النقابي الدولي الذي أسس في يناير من هذا العام بين الاتحاد العالمي ‏للنقابات ‏ومنظمة الوحدة النقابية الأفريقية والاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب، لمتابعة القضايا ذات الاهتمام المشترك ‏على الصعيد ‏الإقليمي والدولي، دليل آخر. فالتعاون قائم من دون شك، وهو يتعزز يوماً بعد يوم، ويسعى إلى إيجاد ‏حلول واقعية للأزمات التي ‏يعاني منها العمال في ظل التغيرات التي تحدث في الفترة الراهنة.

‏‎ • ‎وماذا يمكن أن تحقق مثل هذه اللقاءات والتحالفات؟ ‏

تسهم ‏هذه اللقاءات في إيجاد مناخ من التعاون المثمر والفعال بين مختلف مكونات الحركة النقابية العالمية، خدمة ‏لأهداف وتطلعات ‏العمال، وللحد من آثار المشكلات التي تتصدى لها الحركة النقابية العالمية.

‏‎ • ‎‏ هل هناك أسس يمكن البناء عليها لتحقيق التعاون ‏النقابي العربي؟

يحتوى التعاون جنوب - جنوب على مزايا هامة تتجلى في عدة عوامل تسير جميعها في اتجاه ضرورة ‏مأسسته ‏وتعزيزه وتطويره، لعل من أبرزها تقاسم الدول النامية عدة مؤهلات وإمكانات، فقدرتها ومواردها تتكامل فيما بينها ‏في ‏أغلب الأحيان. والعديد من البلدان النامية استطاعت تنويع اقتصاداتها، مما مكنها من اكتساب قدرة كبيرة على إنتاج ‏السلع ‏والخدمات، ووجود ثورة الاتصالات أصبح فرصة جديدة لتبادل أسهل للمعلومات بين دول الجنوب، وتوافر ‏إمكانات هائلة في ‏مجال الموارد البشرية، وظهور جهات جديدة فاعلة - فضلا عن الحكومات - تبرز في مجال ‏التعاون الدولي كالنقابات ومنظمات ‏المجتمع المدني، والقطاع الخاص، حيث بات دورها يتضح أكثر في مجال التعاون ‏بين دول الجنوب.

.‏‎ • ‎ما هو أفق التنمية في ‏ظل النزاعات التي تشهدها البلدان العربية والأفريقية؟

الاستقرار السياسي والأمن والسلم الأهلي، عناصر هامة للغاية ‏لتحقيق التنمية. وبدون توفر هذه العناصر لا ‏يمكن التطرق جدياً إلى سياسة تنموية. يضاف إلى ذلك الإرادة السياسية وكفاءة ‏الإدارة والشفافية، والقضاء على آفة ‏الفساد، وتوظيف موارد البلد المادية والبشرية على النحو الأمثل.

‏‎ • ‎هل أثرت ثورات الربيع ‏العربي على الحريات النقابية؟

يمكن القول إن الحركة النقابية العربية في حاجة ماسة لإعادة النظر في آليات نضالها، ومراجعة ‏أولوياتها، ‏كما أن هناك ضرورة لمراجعة التشريعات واللوائح والنظم التي تسيّر عملها ونشاطها
المساهمون