حركة المقاطعة ما زالت بعيدة

11 سبتمبر 2016
(بريطانيا في ذكرى العدوان على غزة)
+ الخط -

يدعي هذا المقال أن المقاطعة لم تضرب بعد العصب الحساس للاقتصاد الإسرائيلي، بل بقي تأثيرها منحصرًا في إطار الوعي العالمي، من خلال نزع الشرعية عن الاحتلال، وإبقاء هذه القضية حية، واستحضار المقاطعة لنظام الأبارتهايد في جنوب أفريقيا، رغم أن الفرق هو أن المقاطعة لنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا ضربت اقتصاد هذه الدولة وشاركت فيه دول وليس مؤسسات فقط، إضافة إلى أن إسرائيل تحاول الضغط، وبنجاح كبير حتى الآن، بهدف تجريم حركة المقاطعة في العالم.

في التقرير السنوي الذي قدمته "وزارة الخارجية الإسرائيلية" حول أهدافها السياسية والدبلوماسية للعام 2015، أشارت إلى نشاطها في عام 2015، فكان "تعزيز مكانة إسرائيل وشرعيتها على المستوى الدولي، كدولة يهودية وديمقراطية، كشريكة ومساهمة في المجتمع الدولي. وإفشال جهود جهات دولية بزعزعة شرعية إسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي وفرض المقاطعة عليها".

ولتنفيذ هذا الهدف، وضعت الخارجية الإسرائيلية مسارين، الأول: نشاط مركب من الدبلوماسية السياسية والدبلوماسية الجماهيرية وأدوات قانونية من أجل تقليص الدعم الذي تقدمه دول معينة لأجسام تعمل على نزع شرعية إسرائيل ومقاطعتها. الثاني: تعزيز التعاون مع جهات صديقة، من أجل تقديم المساعدة لمواجهة نشاطات منظمات معادية لإسرائيل.

تخصص السياسة الخارجية للدعاية على المستوى الدولي أهمية ومكانة كبيرتين في السنوات الأخيرة، وذلك نتيجة ازدياد الحركات المقاطعة لإسرائيل اقتصاديا وحتى نزع الشرعية عنها.

ومعنى "نزع الشرعية" في المفهوم الإسرائيلي قد يشمل الكثير من الحركات المناهضة للاحتلال الإسرائيلي، وتصنفها الدعاية الإسرائيلية كنزع شرعية عنها وليس عن احتلالها فقط، لذلك يجب الحذر في استعمال المصطلح الإسرائيلي "نزع الشرعية"، رغم أنه لا تغيب حركات مناهضة لشرعية إسرائيل.

ولا تخشى إسرائيل من الأبعاد الاقتصادية للمقاطعة، وإنما من أبعادها السياسية والرمزية، وخاصة في ما يتعلق بنزع الشرعية الدولية عن المستوطنات واقتصادها، ووضع المستوطنات في مكانها الصحيح كعقبة أمام "حل الدولتين".

ففي تقرير أعدته شعبة العلاقات الدولية في وزارة المالية الإسرائيلية، جرى التقليل من التأثيرات الاقتصادية السلبية لمقاطعة المستوطنات على الاقتصاد الإسرائيلي عموما، فقد أشار التقرير إلى أنه في حالة مقاطعة المنتجات الاستيطانية المصدرة إلى الاتحاد الأوروبي (والحديث ليس عن مقاطعة بل وضع إشارات على منتجات المستوطنات)، فإن ذلك لن يسبب ضررا للاقتصاد الإسرائيلي وصادراته إلى الاتحاد الأوروبي، حيث تُشكل منتوجات المستوطنات 1.4% من مجمل الصادرات الإسرائيلية للاتحاد الأوروبي، و0.4% من مجمل الصادرات للعالم، كما تُشكل الصادرات الزراعية للمستوطنات حوالي 2.4% من مجمل الصادرات للاتحاد الأوروبي، و1.5% من مجمل الصادرات للعالم.

لذلك فإن الحساسية والعصبيّة الإسرائيلية من حركة المقاطعة لا تنبعان من اعتبارات اقتصادية، وإنما من اعتبارات سياسية ورمزية، توسم إسرائيل كدولة احتلال، وتؤكد على عدم شرعية المستوطنات، وتضرب الخطاب والرواية الإسرائيليين حول الموضوع الفلسطيني.

يلاحظ أن رد الفعل الإسرائيلي على حملات المقاطعة هو أكبر من حجم التأثير الذي تتركه هذه الحملات على الاقتصاد الإسرائيلي والمؤسسة الأكاديمية الإسرائيلية، وذلك بهدف نزع الشرعية عن حملات المقاطعة من خلال اتهامها باللاسامية تارة، وبالازدواجية الأخلاقية تارة أخرى، أو بتحالفها مع "التطرف الإسلامي" تارة ثالثة.

في المقابل، أشار تقرير أعده مركز البحث والمعلومات التابع للكنيست في نهاية كانون الأول/ ديسمبر 2014، حول الانعكاسات المحتملة للمقاطعة الاقتصادية على إسرائيل، إلى أن العلاقات الاقتصادية بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل لم تتأثر من حيث حجم التبادل التجاري في أعقاب صعود تيار المقاطعة في أوروبا.

كما أشار التقرير إلى أن إسرائيل حساسة لأصوات المقاطعة الاقتصادية، وخاصة أن ثلث الناتج القومي يعتمد على الصادرات الإسرائيلية للسوق الخارجية. إلا أن التقرير يبيّن أن تيار المقاطعة الاقتصادية لإسرائيل لم يضرب عصب الاقتصاد الإسرائيلي وخاصة في الاتحاد الأوروبي، فالتقرير يلفت إلى أن الصادرات الإسرائيلية للخارج ارتفعت خلال السنوات 1999 - 2013 بنسبة 92%.

وبيّن التقرير أن الصادرات الإسرائيلية ارتفعت خلال هذه الفترة بنسبة 77% في الدول المتطورة وبنسبة 111% في كل دول العالم. وأشار التقرير إلى أن 28% من الصادرات الإسرائيلية عام 2014 كانت إلى الاتحاد الأوروبي، وتليها الولايات المتحدة الأميركية (27%).

ويوضح التقرير أن العلاقات التجارية بين إسرائيل وأوروبا عموما، والاتحاد الأوروبي خصوصا، لم تتأثر بسبب نشاطات تيار مقاطعة إسرائيل، حيث يكشف التقرير أن حجم صادرات إسرائيل من السلع والمنتجات إلى دول أوروبا في العام 2000 شكّل 33% من مجمل صادرات إسرائيل، وارتفع إلى 36% عام 2013.

وتراجع قليلا حجم الصادرات إلى الاتحاد الأوروبي خلال الفترة نفسها، من 29% عام 2000 إلى 27% عام 2013، إلا أنه ارتفع إلى 28% عام 2014. ويتوقع مركز التصدير الإسرائيلي أن ترتفع الصادرات الإسرائيلية إلى الاتحاد الأوروبي في العام 2015 بنسبة واحدة لتصل إلى حجم 15 مليار دولار.

تبذل إسرائيل جهودا كبيرة في محاولة لمواجهة حركة المقاطعة، وتحسين صورتها الدولية، ففي تقرير أعده مركز البحث والمعلومات التابع للكنيست حول منظومة الدعاية الدولية لإسرائيل، أشار إلى وجود ثمانية أجسام حكومية إسرائيلية تعمل في مجال الدعاية الدولية لإسرائيل: منتدى الدعاية الحكومية التابع لمكتب رئيس الحكومة، منظومة الدبلوماسية العامة في وزارة الخارجية، وزارة الشؤون الاستراتيجية التي أخذت على عاتقها محاربة حركة المقاطعة ونزع الشرعية عن إسرائيل، وزارة الدعاية، مكتب الإعلام الحكومي، مكتب النشر الحكومي، وحدة الناطق الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي، والمساعدات الخارجية.

ومع ذلك، أخفقت إسرائيل في وقف تيار المقاطعة في العالم، ويظهر أن حركة المقاطعة تزداد قوة وتسجل نجاحات جديدة حتى في الساحة الأميركية، وباتت المقاطعة توضع في رأس سلم أولويات الدبلوماسية الإسرائيلية للخطورة التي توليها إسرائيل لهذه الحركة على الجانبين السياسي والرمزي.

وتتبنى إسرائيل حاليا فكرة الهجوم على تيار المقاطعة بدل الدفاع، وتنسجم السياسة الإسرائيلية الحالية مع إحدى الأوراق البحثية الصادرة عن معهد أبحاث يميني يسمى المعهد المقدسي لشؤون الدولة والجمهور، اقترح على إسرائيل أن تقوم بهجوم مضاد ضد موجات نزع الشرعية في العالم من خلال تذكير العالم بأن اليهودية قدمت للإنسانية يوم الراحة الأسبوعي (السبت)، وفكرة المساواة أمام القانون وحقوق الإنسان والعدل، وغيرها، وهي مبادئ يمكن إيجادها في كل ديانة سماوية.

ويمكن بسهولة ملاحظة أن في الدعاية الإسرائيلية ثمة خلطا بين النقد لإسرائيل وبين نزع الشرعية، وهنالك الكثير من المواقف الناقدة لإسرائيل تدخل في مفهوم نزع الشرعية الإسرائيلي. وتعمل على ملف الدعاية الإسرائيلية عدة مؤسسات، فهنالك وزارة كاملة تسمى وزارة الدعاية تهتم بتنظيم برامج دعائية لإسرائيل وتسويق سياساتها، تسمى وزارة "الدعاية والجاليات".

وهناك شعبة الدعاية في مكتب رئيس الحكومة وهناك شعبة الدعاية في وزارة الخارجية، ودخل الناطق بلسان جيش الاحتلال إلى ساحة الدعاية الإسرائيلية، وخصوصا خلال الحروب التي تشنها إسرائيل، وكانت آخرها الحرب على غزة والتي لعب فيها الناطق باسم الجيش دورا كبيرا في الدعاية الخارجية.


(باحث وأستاذ جامعي/ أم الفحم)