الطب عن بُعد... ثورة التكنولوجيا

01 يونيو 2015
انتشار الطب الإلكتروني (Getty)
+ الخط -
يعدّ الطب الإلكتروني صناعة تكنولوجية حديثة نسبياً، حيث لم يظهر إلا في منتصف التسعينيات من القرن الماضي عبر تأسيس مواقع طبية على شبكة الإنترنت، والعمل على أنظمة معلوماتية للطب تهتم بمختلف التخصصات، كعلم الوراثة، أمراض القلب، أمراض الرئة، طب الأطفال. وعلى هذا النحو، نسجل وجود أكثر من مليوني دراسة في العام 2014 حول الطب الإلكتروني خصصت معظمها لأحدث التقنيات العلمية المستعملة في الطب، الإدارة الرقمية للمؤسسات الصحية كالمستشفيات والمستوصفات والتطبيقات الطبية بالأجهزة المحمولة، بينما على المستوى التخصصي فقد اهتمت معظم الأبحاث بالتغذية الصحية، الطب النفسي وبأنشطة التجميل.

وبذلك، أصبح المريض يلجأ إلى الطب عن بُعد من خلال مواقع إلكترونية تمثل عيادات طبية تقرّب المسافات على المرضى وتتابع حالاتهم عبر أجهزة الاتصال، وتقدم لهم الإرشادات اللازمة للنقاهة الطبية. كما تتم الاستعانة بالهواتف، أجهزة الاستقبال الفضائي، تقنيات الفيديو وكذلك أنظمة التموضع العالمي للتفاعل مع المرضى وتبادل الخبرات مع الأطباء الموجودين في جميع أنحاء المعمورة. وفي السياق نفسه، نجد اعتماد المصحات الإلكترونية على تجميع البيانات الطبية في أنظمة معلوماتية محكمة، إنشاء صفحات تفاعلية حول صحة الزبون، مع توفير فرق خاصة للرعاية الطبية الافتراضية لمرافقة المريض في حالته وتتبّع تحسن أوضاعه.

اقرأ أيضا: تكنولوجيا العمل عن بعد

يعتبر الانتقال من العالم الحقيقي إلى نظيره الافتراضي تحدياً صعباً أمام المؤسسات الطبية الساعية إلى الرفع من الأداء وتحقيق هامش أوسع من الربح عن طريق كفاءة رقمية متميّزة، حيث يجب القيام بمسح ضوئي للرموز والعلامات، واستخدام التعريفات الإلكترونية والموزّعات، والاحتكام في كل ذلك إلى معايير موحّدة، وإعادة تصميم بيئة العمل بما يسهّل تعلّم الآليات الجديدة للعمل وتأمين استخدامها، علاوة على ضرورة وجود سياسة عامة رسمية من طرف الدولة تشجع على تأسيس وتمكين منظومة الصحة الإلكترونية.

وفي هذا الصدد، ينتشر الطب الإلكتروني بشكل كثيف في مناطق عديدة من العالم، ففي الولايات المتحدة الأميركية، تعمل الأجهزة الرقمية على تزويد المريض بمعلومات شاملة عن صحته، فتوصّف حالة السكر، الضغط، القلب والتنفس، كما توثّق انتظام المريض في تعاطي الأدوية، بالإضافة إلى توفير العلاج عن بُعد خصوصاً للفئات ذات الاحتياجات الخاصة وكبار السن. أما في فرنسا، فيساعد الطب الإلكتروني بنسبة كبيرة العلاج النفسي من خلال رصد الحالة، تشخيصها وتوجيه النصائح اللازمة التي تُعنى بالاسترخاء وراحة النفس مع تعزيز الوصفات الطبية بأنشطة رياضية.

وكانت المفوضية الأوروبية قد بدأت الاستثمار في الصحة الإلكترونية مبكراً عبر مبادرة حوكمة الصحة الإلكترونية التي تجمع دول الاتحاد الأوروبي على التنسيق في المسائل القانونية، توحيد المعايير، معاني الألفاظ والمصطلحات وأشكال التحقق والتثبّت. وكذلك، من خلال الأجندة الرقمية الأوروبية التي تسعى إلى استثمار تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في مجال الرعاية الصحية عبر تقنيات الطب عن بعد المرتكزة على أجهزة متطورة للاتصال بين المستشفيات، مراكز العناية الطبية والوحدات الاستعجالية، تقوم بمراجعة الحالات المرضية وكتابة تقارير، تحليل صور الأشعة والإجابة عن الاستفسارات الطبية. وعلى المنوال ذاته، يتم إرساء أنظمة للترميز الطبي تجاور باقي التطبيقات التكنولوجية التي يستعملها الطب الإلكتروني بغرض عرض حلول ملائمة تتناسب مع احتياجات كل شخص.

اقرأ أيضا: تكنولوجيا الأعمال المصرفية

وبالموازاة مع ذلك، أفرز الطب الإلكتروني تغييرات كثيرة على التعليم الطبي، فأصبح التعليم الإلكتروني منهجاً أساسياً تعتمده كليات الطب ومراكز التدريب الطبي للاستفادة من استخدامات تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، وفتح الباب أمام تعلّم الطب. وبذلك، يحقق الطلبة طفرة نوعية في اكتساب المهارات والمعارف المؤهلة لمزاولة مهنة الطب، بما يؤدي إلى تجاوز النقص العالمي الكبير في موظفي القطاع الصحي بحوالي ثمانية ملايين موظف حسب منظمة الصحة العالمية.

وختاماً، يتفاعل الطب كباقي مناحي العلم مع مستجدات التكنولوجيا والتحديث الطارئ على وسائل الاتصال، الأمر الذي من شأنه فرض تداعيات كبيرة على إدارة المؤسسات الصحية.
(باحث وأكاديمي مغربي)
المساهمون