تكنولوجيا الأعمال المصرفية

25 مايو 2015
التكنولوجيا تطوّر العمل المصرفي (Getty)
+ الخط -
يعتبر القطاع المصرفي عماد النهضة الاقتصادية، وأهم الصناعات المالية التي تخلق القيمة في المجتمعات الإنسانية، عن طريق الاستثمار المولد لفرص العمل والتنمية البشرية، من خلال إغناء التنقلات المالية والتداولات التجارية، بما يحسن من كفاءة الخدمات كالتحويل المالي، الادخار والاقتراض.

وعليه، أصبح نجاح النظام المصرفي محدداً لقوة الاقتصادات الوطنية ولمتانة الخدمات المقدمة، في وجه المتغيرات الحاصلة بالعالم وفي مقدمتها الأزمات المالية. فالقطاع المصرفي هو دائما أول القطاعات المتأثرة بالظروف الاقتصادية والمؤثر فيها.
 
وبالموازاة مع ذلك، غزت التكنولوجيا مختلف الصناعات والأسواق، وأصبحت المعلومة والمعرفة رمزاً للعصر الاقتصادي الجديد، حيث تتحكم التجارة الإلكترونية ووسائل الاتصال في شرايين المبادلات التجارية، سواء بين المؤسسات أو الأفراد. وعلى ذات المنحى، زادت الاستعمالات التكنولوجية وتوغلت بعدة قطاعات بما في ذلك القطاع المصرفي، فقد شكلت التنافسية، تدويل الخدمات المصرفية وكذلك تكاثر الأنشطة، فشملت التأمين، الاستثمار المالي والتداول في البورصة عوامل رئيسية للانتقال إلى رحاب تكنولوجيا الأعمال المصرفية.

وعلى هذا الأساس، فتكنولوجيا الأعمال المصرفية هي مجموع الوسائل والأدوات التكنولوجية من أجهزة، ومنصات إلكترونية، وتطبيقات وبرامج معلوماتية، التي تعمل على تطوير وتسهيل الخدمات المصرفية على المستهلكين، والتغلب على فوارق الزمان والمكان، بإتاحة الأنشطة المصرفية بأشكال متنوعة.

وكانت بداية تكنولوجيا الأعمال المصرفية، مع انتشار آلات الصرافة الإلكترونية التي تمكن من القيام بالسحب والإيداع المالي، إجراء تحويلات مالية، التعرف على الرصيد المصرفي، سداد فواتير مختلفة عبر شبكة من الاتصالات المرتبطة فيما بينها، وقد حظيت هذه الأجهزة برضى الزبائن وأسهمت في تخفيض التكاليف الإدارية على المصارف.

وقد رافقت هذه الطفرة التكنولوجية وجود أجهزة أخرى، كنقط البيع الإلكترونية التي يستعملها المستهلكون لتأدية المدفوعات من خلال بطاقات مصرفية إلكترونية، ناهيك عن انتشار الصيرفة المحمولة، حيث يتم القيام بجميع الخدمات المصرفية عبر الهاتف المحمول والأجهزة الذكية، عبر استخدام المستهلكين لتطبيقات دقيقة تربطهم بالحاسب المركزي للمصرف، وتوضح لهم المسار الذي يجب اتباعه من خلال الإرشادات التي تقيدهم بها مراكز النداء المصرفي وخدمة الزبون عبر إخبارهم بالتوصل بمبالغ مالية، أداء فواتير، حساب الادخار، الموافقة على قرض مصرفي، نسبة الربح في الاستثمار المالي، حصيلة التداول اليومي في البورصة.

وجدير بالذكر، أن عدد مستخدمي الخدمات المصرفية النقالة قارب المليار ونصف المليار سنة 2014، وهو ناتج عن ارتفاع الإنفاق العالمي على التكنولوجيات الموجهة للقطاع المصرفي بنسبة 70 % في 10 سنوات. أما عربياً فحجم الإنفاق على تكنولوجيا الأعمال المصرفية وصل إلى 10 مليارات دولار في السنة الماضية، بمعدل نمو سنوي يقارب 12%، وكانت الإمارات، قطر، مصر والمغرب أكثر الدول إنفاقاً على هذه التكنولوجيات.

كما سعت المصارف العربية إلى إجراء إصلاحات واسعة همت الجانب التنظيمي، من خلال إعادة ترتيب البيت الداخلي بهيكلة جديدة تواكب مفهوم المصرف المتعدد المهام، تحديث النظم المعلوماتية التي تقوم على تقديم خدمة ذات جودة عالية للبناء منتهجة سبل التواصل والتفاعل المباشر مع متطلباتهم. وكذلك، تحصين البنية المصرفية والنظام الوطني المالي بإجراءات للشفافية والحوكمة، وترسانة قانونية قادرة على حماية المصارف من التهديدات الأمنية المتمثلة في الاختراقات الإلكترونية، ومن المخاطر المالية الناجمة عن حالة الركود الاقتصادي.

وفي ضوء ما سبق، تبدو مظاهر المصارف الرقمية ملوحة في الأفق، يرافقها تغير مطرد في سلوكيات المستهلكين للخدمات المالية، مما يزيد من التحديات المستقبلية للمصارف بتوفير بنية تحتية تكنولوجية متكاملة، تمتلك المقدرات المطلوبة لمواجهة الزيادة المرتقبة في المعاملات المصرفية الرقمية بمقدار ستة أضعاف مقارنة بنظيرتها التقليدية. وتصميم استراتيجيات تنموية تأخذ بالاعتبار مكانة المصارف كمؤسسات مالية وازنة خالقة للثروة بالاقتصاد، والعمل على سياسات مالية تحقق التوازن الذي تريده المصارف المركزية.
(باحث وأكاديمي مغربي)

المساهمون