سلاح الجوع يفتك بأجساد السوريين أينما وجدوا

30 سبتمبر 2015
المجاعة تحيط بالشعب السوري (الأناضول)
+ الخط -
ألحقت الحرب المتواصلة في سورية دماراً واسعاً بموارد البلاد الزراعية والحيوانية، وهو ما كان يدفع المنظمات الدولية للتحذير من الخطر الذي يتهدد الأمن الغذائي للسوريين. ذهبت كل تلك التحذيرات أدراج الرياح في ظل تزايد حدة المعارك وتوسعها، وبالتالي تزايد الخسائر الاقتصادية حتى وصلنا اليوم إلى مرحلة لم يعد فيها الأمن الغذائي لملايين السوريين في خطر وإنما في انهيار تام.


"انعدام الأمن الغذائي" هو ما يعانيه نحو 14 مليون سوري، بحسب منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) التابعة للأمم المتحدة. ويعيش نحو 10 ملايين من هؤلاء داخل الأراضي السورية، يتوزعون بين مناطق سيطرة النظام والمعارضة، فضلاً عن تنظيم داعش، فيما تتوزع البقية كلاجئين على دول الجوار.

وللتخفيف من حدة هذه الكارثة، إذ يفتقد نحو 65 في المائة من السوريين الأمن الغذائي، لا يبدو تقديم إعانات غذائية عبر المنظمات الدولية حلاً فعالاً ومستداماً، في حين سيكون لدعم الإنتاج الغذائي في سورية نتائج أفضل بكثير. وهو ما تحاول فعله المنظمات الدولية كمنظمة "الفاو" التي تقول إنها بحاجة إلى "تقديم مساعدات إضافية إلى المزارعين لمساعدتهم في استعادة الهياكل التحتية الزراعية وسبل المعيشة". وتضيف المنظمة: "وخلافاً لذلك، سوف تواصل أوضاع الأمن الغذائي تدهورها".

اقرأ أيضا: سورية: 7.6 ملايين نازح يصارعون من أجل البقاء

تدهور وشيك
وبحسب منظمة أوكسفام، فقد نفق نحو 50% من قطعان الماشية، وتراجع ناتج محاصيل الحبوب إلى النصف منذ بداية الأزمة عام 2011، بسبب تصاعد النزاع وآثار الأحوال الجوية الرديئة.

وتُعدّ زيادة الإنتاج الزراعي مهمة لضمان استقرار إمدادات الغذاء في سورية وشبه الإقليم، فقد شهدت أسعار المواد الغذائية ارتفاعاً أثّر بشكل خاص على 75% من السوريين الذين أصبحوا يعيشون حالياً تحت خط الفقر.

ويعتبر التقرير الصادر عن المنتدى الاقتصادي السوري أن القطاع الزراعي يعدّ من أكثر القطاعات الاقتصادية تضرراً نتيجة الأزمة في سورية، فقد تراجعت نسبة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي من 17.9 في المائة عام 2010 إلى 5 في المائة عام 2013. كذلك "تراجع ناتج محاصيل الحبوب إلى النصف منذ بداية الأزمة عام 2011، بسبب تصاعد النزاع وآثار الأحوال الجوية الرديئة". فيما تؤكد منظمة الفاو نفوق نحو 50 في المائة من قطعان الماشية في سورية.

اقرأ أيضا: قدر السوريين المشؤوم

وفضلاً عن تراجع إنتاج القمح، "يسيطر تنظيم داعش على نحو 30 في المائة من الإنتاج، وذلك بسيطرته على مدينتي الرقة ودير الزور"، بحسب الباحثة لمياء الخليل التي تقول لـ"العربي الجديد": "يعتبر الخبز غذاءً رئيسياً للغالبية المطلقة من السوريين، لذلك فإن التراجع الكبير في محصول القمح وتهريب جزء كبير مما يتم إنتاجه إلى خارج سورية يمثلان أكبر تهديد للأمن الغذائي".

يقول المهندس الزراعي أنس الكحلة لـ"العربي الجديد" إن "الدمار الكبير في قطاع الزراعة وقطاع الثروة الحيوانية بسبب الحصار والمعارك، فضلاً عن اضطرار السكان للنزوح الداخلي والخارجي، كل ذلك أجبرهم على التخلي عن قطعانهم وبيع تلك التي لم تنفق بعد بسبب الحرب". ويؤكد ذلك الناشط معلا حمادة من ريف مدينة حلب، إذ يشرح لـ"العربي الجديد" الأسباب التي أضعفت الإنتاج الحيواني في سورية، ويقول: "إن تعقيدات نقل مستلزمات الإنتاج والأعلاف وارتفاع أسعارها، فضلاً عن صعوبة وخطورة التنقل للاستفادة من المراعي الطبيعية في ظل الحرب، كل ذلك جعل الكثيرين يبيعون قطعانهم أو جزءاً منها على الأقل".

وتشير البيانات الحكومية السورية إلى أن خسائر قطاع الثروة الحيوانية في دمشق وريفها فقط تبلغ سنوياً أكثر من 20 مليار ليرة (80 مليون دولار)، إضافة إلى 8 مليارات لقطاع الثروة النباتية (3.2 ملايين دولار). فيما يشير تقرير للمنتدى الاقتصادي السوري إلى أن الحصار الذي تتعرض له الغوطة الشرقية في محيط دمشق قد "انعكس سلباً على وضع الغوطة الاقتصادي بكافة مجالاته، لكن أهم تجليات الحصار هو انهيار الواقع الغذائي وندرة السلع الغذائية وارتفاع أسعارها".

اقرأ أيضا: فساد النظام يفلح بالقمح السوري ويحصد

تعتقد الخليل أنه "لا تمكن مواصلة تبرير هذه الكارثة الكبيرة على أنها نتيجة للحرب فقط، وبالتالي تأجيل أي حلول حتى انتهاء الحرب". وتضيف: "يجب أن تجري ضغوط على المجتمع الدولي والمنظمات الدولية من أجل تنمية موارد الغذاء داخل سورية، إذ إن الأسباب المعيقة لإنتاج الغذاء تتنوّع بين ارتفاع التكاليف، ونقص المواد الضرورية للإنتاج، وتضرر الآليات الزراعية، ويضاف إلى ذلك القصف العشوائي والمعارك بكل تأكيد، لكن بعض تلك الأسباب يمكن تلافيها أو التخفيف من آثارها قبل وقف الحرب بشكل نهائي".

إلى ذلك، أظهر تقييم للوضع الغذائي للأطفال النازحين في سورية، والذين تقل أعمارهم عن الخامسة والمقيمين في مراكز إيواء ومجتمعات مضيفة، أن معدلات سوء التغذية الحاد في ثلاث محافظات، وهي حماه وحلب ودير الزرو، قد وصلت إلى حد حرج وأن الوضع التغذوي في البلاد بشكل عام متدنٍ.

ووجدت الدراسة أن نسبة الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية الحاد، بلغ عشرة في المائة. وأفادت الدراسة أن نحو ثمانين في المائة من الأسر النازحة تعتمد على مزيج من المواد الغذائية التي يتم الحصول عليها عن طريق شرائها أو المساعدات الغذائية. وأشار التقييم إلى أن 70% من الأسر أفادت بأنها اضطرت إلى تقليل عدد الوجبات التي تتناولها خلال اليوم.

اقرأ أيضا: الخلل السوري المكشوف

ولا يقتصر انعدام الأمن الغذائي على السوريين داخل سورية، بل حتى على اللاجئين السوريين في دول الجوار. إذ أشار برنامج الأغذية العالمي في وقت سابق، وبحسب دراسات دورية يجريها البرنامج على أوضاع اللاجئين السوريين، أن غالبية اللاجئين السوريين الذين يسكنون خارج المخيمات في الأردن "يعانون من انعدام الأمن الغذائي". وعلى الرغم من ذلك، أعلن البرنامج التابع للأمم المتحدة مطلع شهر أيلول/ سبتمبر الحالي إيقاف المعونات الغذائية لأكثر من 200 ألف لاجئ سوري متواجدين في الأردن، وذلك على خلفية شح التمويل.

يذكر أن برنامج الأغذية العالمي اضطر إلى تخفيض قيمة القسائم المقدمة للاجئين السوريين في الأردن من 28.25 دولاراً إلى 18.4 دولاراً للفرد الواحد شهرياً، بسبب نقص التمويل.
المساهمون