جنوب ليبيا: مناطق مهجورة وأخرى تئن تحت الفقر

22 يوليو 2015
الاشتباكات توقف الحياة في سبها (فرانس برس/Getty)
+ الخط -
يستيقظ سكان الجنوب الليبي يومياً على زخات الرصاص، وسط صراع المليشيات على "الغنائم" من مقرات حكومية ومنشآت أخرى. وكذا، يرتفع صوت الرصاص في حال مقتل أحد المواطنين وغالباً "على الهوية". وقد ارتفعت معدلات الجريمة مند يونيو/حزيران الماضي بشكل خطير.


وتعاني مناطق الجنون من أوضاع معيشية صعبة جداً، وذلك بسبب النقص الحاد في الوقود وانقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة وارتفاع درجات الحرارة إلى 45 درجة مئوية، في حين أن المصارف التجارية تفتح يوماً وتغلق عشرة أيام، نتيجة الأزمة الأمنية المستفحلة... وفي ظل هذه الكارثة الخانقة، يعاني المواطنون يومياً للحصول على الحد الأدنى من متطلبات الحياة، مع توقف غالبية الخدمات العامة والخاصة، وشلل المؤسسات الاقتصادية، وتوقف الآلاف عن العمل واستفحال الفقر وحالات العوز.

سبها: لا مقومات للعيش
في التفاصيل، لا تزال محطات الوقود مقفلة منذ ما يقرب السبعة أشهر، في حين يصل سعر الـ 20 لتراً من الوقود إلى حوالي 75 ديناراً ليبياً في السوق السوداء، بينما يباع بما لا يتعدى الأربعة دنانير في محطات الوقود في المناطق الآمنة.

ويقول سكان محليون في مدينة سبها، عاصمة الجنوب، لـ "العربي الجديد"، إن المنطقة خالية فعلياً من أي منافذ معيشية طبيعية. فالمستشفيات مقفلة بمعظمها، لنقص العديد البشري ونقص المعدات والآلات والأدوية، كما تفتقر إلى الحد الأدنى من مستلزمات العمليات البسيطة من خيوط ومطهرات، وانعدام إمكانية إجراء تحاليل الدم وصور الأشعة.

أما المستشفيات المفتوحة فهي تتلقى الحالات الطارئة، وينحصر دورها بتوجيه المريض نحو العيادات الخاصة أو نحو مستشفيات العاصمة طرابلس.

اقرأ أيضا: الفساد ينهش القطاع الصحي الليبي

ويؤكد سكان المنطقة، أن الأمن مفقود تماماً، فلا يستطيع أي مواطن التنقل إلا نحو أماكن محدودة، وذلك نتيجة وجود عمليات السطو المتواصلة في كل شارع تقريباً. كما أن الحدود المترامية في الجنوب جعلت الهجرة غير شرعية عبر ليبيا تزداد بأعداد كبيرة، في ظل غياب السيطرة الكاملة على الحدود المتاخمة مع تشاد والنيجر.

وبرغم المأساة، يردد المواطنون في الجنون عبارة: "لا مفر"، بعدما ارتفع بدل النقل من خلال سيارات الأجرة من مدينة سبها نحو العاصمة طرابلس التي تبعد 750 كيلومتراً، من 25 ديناراً إلى ما بين 75 ديناراً و100 دينار ليبي.


وفي جولة في الأسواق الشعبية وبين المحال التجارية في سبها، لاحظت "العربي الجديد"، أن أسعار السلع الغذائية مرتفعة إلى الضعف بالمقارنة مع الأسعار السائدة في طرابلس، ولا سيما السلع الأساسية مثل سعر لتر زيت الطهي الذي يصل إلى أربعة دنانير بينما يباع في طرابلس بدينارين ونصف فقط، في حين يصل سعر علبة حليب الأطفال إلى ما بين 20 ديناراً و25 ديناراً للعلبة الواحدة، وهو ضعف السعر المعتمد في العاصمة.

أوباري: وضع إنساني مزرٍ
لم تتمكن "العربي الجديد" من دخول مدينة أوباري عاصمة بلدية وادي الحياة المهجرة من سكانها، وذلك نتيجة التجاذبات السياسية بين مجموعات مسلحة تدعم حكومة طرابلس ومجموعات أخرى تدعم حكومة طبرق، وتطور هذه التجاذبات إلى اشتباكات مسلحة.

ويقول رئيس لجنة الأعيان والشورى في أوباري أحمد ماتكو، لـ "العربي الجديد"، إن الوضع في المنطقة يزيد تدهوراً يوماً بعد يوم، ولم يتم تسليم أي مساعدات إنسانية أو إغاثية للأسر النازحة من أوباري والتي وصل عددها إلى 45 ألف أسرة، ما يزيد من حجم المعاناة بينهم.

وحول الأوضاع التي تعيشها المنطقة، يؤكد ماتكو على الاستيقاظ والنوم على صوت زخات الرصاص "في المقابل تمر المنطقة بوضع إنساني سيئ للغاية، فلا يتوافر الحد الأدنى من الحاجات الغذائية والمعيشية للمواطنين، في حين أن سكان منطقة أوباري يقطعون 300 كيلومتر عبر الصحراء للوصول إلى سبها لشراء سلع غذائية أو سحب الراتب من المصارف، التي قد يصادف أن تكون مغلقة في سبها أيضاً". ويلفت إلى وجود حواجز مسلحة تقوم بالاعتداء "على الهوية" في الطريق الرابط بين أوباري وسبها.

اقرأ أيضا: الليبيون: فقر وتشرد وأسعار جنونية

وفي السياق ذاته، حذر مفتي الديار الليبية الصادق الغرياني من انتشار البلطجة في معظم المدن والقرى وبخاصة سبها، وقال عبر كلمة تلفزيونية بضرورة حفظ الأمن في سبها، وإيقاف أعمال القتل هناك.

وأشار إلى الأوكار الإجرامية التي تمتهن القتل وقطع الطريق في طرابلس وضواحيها، وهي معروفة ومعروف من يحميها ويديرها، والتقصير الحكومي الواضح جداً. ونصح للحكومة بضرورة تحمل مسؤولياتها وإيقاف النزيف المالي والبشري والاعتمادات المزورة وغيرها.

مناطق غنية
وتمتد مدن الجنوب الليبي بمساحة تتجاوز 500 ألف كيلو متر مربع، وتعتبر مركزاً لإنتاج الغداء والمياه وأهم مصادر النفط والغاز والحديد والرمال في البلاد، ويوجد في هذه المنطقة ثلاثة مطارات محلية ودولية غير مشغّلة.

وتضم مناطق: وادي الشاطئ، وادي الحياة، الجفرة، مرزق، غات وسبها وهي العاصمة السابقة وأكبر مدن الجنوب، وهي منطقة تاريخية في الجنوب الغربي من ليبيا، ويزيد عدد سكانها عن نصف مليون مواطن.

وتعتمد المنطقة الغربية في ليبيا، على إنتاج الجنوب الليبي من الزراعة، لتلبية 80% من احتياجات السوق المحلية، بالإضافة إلى المياه التي تشكل المورد الأساسي لمناطق غرب ليبيا وجنوبها.


كما تعاني مدينة غات، عاصمة بلدية غات، في الجنوب الغربي لليبيا البالغ عدد سكانها 27 ألف نسمة والمتاخمة للحدود الجزائرية، من نقص شديد في المواد الأساسية، ولا يتواجد فيها سيولة مالية في المصارف، ولا وقود.

في حين أن أغلب البضائع التي تحتاجها المدينة مثل الدقيق والزيت والبنزين تأتي عن طريق التهريب من الجزائر، وهي تعتبر رخيصة الثمن مقارنة بالبضائع الليبية.

وكانت ليبيا، منذ اندلاع النزاع المسلح الحالي في مايو/أيار 2014، قد اجتاحها الصراع بين الحكومة المعترف بها دولياً، المتمركزة في مدينتي طبرق والبيضاء في الشرق والمتمتعة بتأييد الجيش الليبي، وحكومة بطرابلس أعلنت عن نفسها بتلك الصفة تؤيدها قوات فجر ليبيا المسيطرة على طرابلس ومعظم الغرب الليبي.
دلالات
المساهمون