دولة النهب وأزمة الموازنة

01 يوليو 2015
تعالج الحكومات العربية أزماتها الاقتصادية بالتقشف (Getty)
+ الخط -
تعلن وزارة المالية عادة في منتصف كل عام الميزانية العامة للدولة. ينظر إليها بوصفها البرنامج المالي المتضمن إجمالي بنود النفقات التي ستصرف، وكذلك الإيرادات التىي تحصّلها الدولة. وتتزامن مع هذا الإعلان شكوى أنها تواجه عجزاً مالياً ضخماً، هذا العجز ناتج عن قلة الإيرادات المحصلة نسبة إلى إجمإلى بنود الإنفاق التي تقررها.

غالباً ما تصدر تلك الحكومات بيانات للشعب أن الأزمة ترتبط بارتفاع قيمة بنود الإنفاق والتي تمثل لها أعباءً ضخمة لا تستطيع الوفاء بها، وفي هذا الصدد تتهم بنود الصرف على الخدمات والأجور والدعم كمتهم رئيسي يسبب عجز الموازنة.

هذا الخطاب المتكرر يمهّد لما بعده من إجراءات، حيث ترى الحكومة المصرية، بل وكثيراً من حكومات الوطن العربي، أن حل أزمة الموزانة العامة لا بد أن ينطلق أولاً من حلول أبرزها، تخفيض الصرف على الدعم والخدمات وتقليصها، والأجور، بل إن البعض ذهب إلى تقليص عدد العاملين بجهاز الدولة. واتساقاً مع السياسات الاقتصادية المتبعة، رأى فلاسفة الحكم أن التشغيل وفرص العمل ليست مهمة الدولة، هكذا تطرح الدولة حلاً عبقرياً يتناقض أساساً مع فكرة التنمية، بل وفكرة حل أزمة الاقتصاد أساساً التي تعتبر أزمة الموازنة جزءاً منها أو بمعنى أدق نتاجاً لها.

اقرأ أيضا: انتهاك القانون بالعدالة

ببساطة تريد الحكومة المصرية أن تقول إن الشعب سبب الأزمة، وإنه عبء ثقيل. وهي تتشابه هنا مع منطق أغلب الحكومات العربية، حيث تسود نغمة واحدة، إن أزمة الموازنة ترتبط بطبيعة الدور الاجتماعي للدولة، والمتمثل في التشغيل ودفع الأجور وتوفير السلع الضرورية وما يقدم تحت مسمى بنود الدعم.

وهو ذاته المنطق الذي يدفع الحكومات إلى تقليص المصروفات على تلك البنود إلى حد يقارب إلغاء بعضها. تقدم الدول تبريرات للانسحاب من الدور الاجتماعي لها. هذا المنهج يتجسّد في تكرار تصريحات المسؤولين الاقتصاديين في كل من مصر وتونس على سبيل المثال، حيث يتم نفي مسؤولية الدولة عن التشغيل واستيعاب العاطلين من العمل، وكذلك التصريحات المتعلقة بعدم قدرة الدولة على تقديم الدعم للخدمات والسلع.

اقرأ أيضا: فاسدو مصر وتونس... عودة الابن الضال

ورغم تلقي مصر وتونس دعماً ومنحاً كبيرة منذ بداية الثورة، إلا أن تلك المنح والمساعدات لم تساهم في حل أزمة الموازنة العامة، لأنها لم توجه إلى خلق تنمية حقيقية عبر بناء قطاعات إنتاجية، بل إن الدولتين حصلتا على قروض من مؤسسات مانحة لسد عجز الموازنة، تلك القروض بدورها ستؤدي إلى زيادة الدين الخارجي بشكل أكبر، وهي الأزمة التي تتفاقم يوماً بعد يوم، خاصة مع ارتفاع فاتورة خدمة الدين وسداد أقساطه وفوائده.

يمكن القول هنا، إن ما يطرح الآن من حلول هي ذاتها تلك المرتبطة بسياسات اقتصادية قديمة، سياسة التحرير الاقتصادي وما ارتبط بها من نهب وفساد، تلك السياسات سببت أزمة شاملة للمجتمع، حيث دفعت الاقتصاد إلى الانهيار والشعب إلى التمرد.

إلى ذلك، إن ما تزعمه الدولة من أن خلل الموازنة يرتبط بالصرف على الأجور والدعم ليس دقيقاً، وخاصة أن الأجور، إذا تم تحليل المنتفعين منها وجهات صرفها، نجد أن أغلب العاملين في قطاع الدولة يتقاضون أجوراً ضعيفة، فلا يصل راتب كثير منهم إلى الحد الأدنى للأجر (أقل من 200 دولار)، بينما يتم التهام الجزء الأكبر من بند الأجور من قبل فئة محدودة من كبار الموظفين والمستشارين في الوزارات وأجهزة السلطة، ناهيك عن بنود الصرف السرية التى تسمى بند السطر الواحد.

إن الحلول الانكماشية التي تطبّقها الدولة تركّز على الفقراء، تجعل حياتهم غير ممكنة، وفي الوقت ذاته لا تمس الأغنياء وأصحاب رؤوس الأموال.

اقرا أيضا: هللوا... حل عيد "البورصجية"

بالمحصّلة، إن حل أزمة الموازنة غير ممكن على الإطلاق في ظل السياسات الاقتصادية القائمة والتي تتحاشى دعم الاقتصاد الحقيقي المتمثل فى القطاعات الإنتاجية المختلفة، حيث لا يمكن أن تحل الأزمة إلا بزيادة الإيرادات الناتجة من قطاعات الإنتاج، لأن تلك الموارد تعد مصدراً مستمراً ودائماً بعكس موارد السياحة على سبيل المثال، حيث تتعرض للتذبذب، إضافة إلى أن القطاعات الإنتاجية تستوعب العمالة وتخلق تنمية حقيقية ومستمرة وتفي باحتياجات المجتمع من سلع، ما يؤدي أيضاً على جانب آخر إلى خفض بنود الإنفاق المتمثلة في شراء السلع.
المساهمون