النظام السوري ينشر الأوهام حول المناطق الصناعية

10 يونيو 2015
النظام يخترع النمو برغم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية (فرانس برس)
+ الخط -
خلال سنوات الحرب في سورية، تكبّدت المدن الصناعية الأربع (عدرا، حسياء، الشيخ نجار، دير الزور) خسائر كبيرة، وفقد عشرات آلاف العمال وظائفهم من جراء ذلك. لكن الحكومة السورية بدأت أخيراً تتحدث عن "تعافي" المناطق الصناعية، وبداية مسار من الانتعاش "ربما يقود مع نهاية هذا العام إلى تأسيس مناطق صناعية جديدة في مدينة اللاذقية التي تتمتع باستقرار أمني نسبي".


تحاول الحكومة السورية إعطاء صورة مشرقة عن المناطق الصناعية، عبر أرقام تنشر الأوهام، إذ تشير آخر البيانات الرسمية المرتبطة بمنطقة "عدرا الصناعية" (ريف دمشق) إلى ارتفاع عدد المنشآت ووصولها إلى 1250 منشأة منتجة، وارتفاع حجم الاستثمار حيث بلغ 1167 مليار ليرة (6.2 مليارات دولار حسب السعر الرسمي) مع نهاية الربع الأول من العام الحالي. أما منطقة "حسياء" الصناعية (حمص) فيبلغ إجمالي حجم الاستثمار فيها 108 مليارات ليرة سورية (572 مليون دولار) وتضم 127 منشأة منتجة، وفق البيانات.

منطقة "الشيخ نجار" الصناعية شمال شرقي مدينة حلب، والتي تعرضت إلى دمار شبه كلي خلال العامين الماضيين، قبل أن تستعيدها قوات النظام السوري، فيقول عنها محافظ مدينة حلب إنها "آمنة بالكامل"، وبحسب البيانات الحكومية، تمت إعادة نحو 300 منشأة إلى العمل والإنتاج من أصل نحو 1100 كانت تنشط في الشيخ نجار، وتوقفت بالكامل في منتصف العام 2013.

اقرأ أيضا: مجزرة ضريبية سورية باسم "تشجيع الاستثمار"

يشير الصناعي السابق ونائب رئيس مجلس إدارة المنتدى الاقتصادي السوري تمام البارودي لـ "العربي الجديد" إلى أهمية المناطق الصناعية بالنسبة للنظام، إذ "استثمر فيها بصورة كبيرة خلال العقد الأخير قبل اندلاع الاحتجاجات، واستطاع أن يجذب استثماراتٍ أجنبية، مثل بعض الشركات الصناعية التركية في منطقة الشيخ نجار في حلب، وكمثال على ذلك، عملاق شركة الغذاء في تركيا Ulker، فضلاً عن استثمارات إيرانية في منطقة حسياء في حمص، وبعض الاستثمارات الصينية". مع ذلك، "لم تقلع عجلة الإنتاج في المناطق الصناعية بالشكل المطلوب، وذلك نتيجة الفساد الإداري، حيث قام بعض الصناعيين بشراء مساحات كبيرة من الأراضي من خلال الاكتتاب فيها بأسعار زهيدة جداً، ومن ثم الإبقاء عليها لفترة من الزمن تجاوزت السنتين بغية بيعها وتحقيق أرباح من فارق سعر الأرض".


لا تزال المناطق الصناعية تعمل إذن، ولكن "بصعوبات كبيرة وبكفاءة إنتاجية منخفضة"، يقول الصناعي السوري أبو كرم، الذي انتقل إلى المدينة الصناعية في ريف دمشق، بعدما أغلق معمله في مدينة دوما قبل ثلاثة أعوام. ويشير لـ "العربي الجديد" إلى أن تلك الصعوبات تتعلق "بتأمين مستلزمات الإنتاج من مواد أولية ومشتقات نفطية وحتى التيار الكهربائي". ويعود ذلك بدرجة كبيرة إلى "قلة المعروض من تلك المواد أساساً وإلى خطورة نقلها عبر الطرقات التي تمر بمناطق النزاع أو تكون محاذية لها". لكن الحكومة السورية حاولت تقديم تسهيلات لدفع الصناعيين نحو مناطق الصناعيين كما يقول أبو كرم مثل "خفض قيمة الدفعة الأولى للمقسم الصناعي من 33 إلى 15%، وزيادة عدد الأقساط نصف السنوية من 10 إلى 20 قسطاً، وتأجيل سداد الدفعة الأولى من قيمة المقسم الصناعي المتضرر لمن يرغب بالانتقال من المناطق الساخنة إلى المدن الصناعية".

على الرغم من الصورة المغايرة التي تحاول الحكومة السورية إشاعتها، يهدد الخطر الطرق المؤدية إلى المناطق الصناعية كما يهدد المناطق الصناعية نفسها. ويشير الناشط أبو زاهر من ريف حلب إلى أن النظام السوري "استطاع تأمين منطقة الشيخ نجار منذ السيطرة عليها بصورة نسبية لكن الوضع خطير جداً ومتغير، وهو يعلم ذلك، فالشيخ نجار تربط بين الريف الشرقي والشمالي لمدينة حلب، وهي لا تبعد عن مناطق الاشتباكات".

اقرأ أيضا: اقتصاد اليوم التالي بعد الأسد

يبدو أن تلك الحقيقة دفعت الحكومة السورية للعمل على تنفيذ منطقتين صناعيتين جديدتين في محافظة اللاذقية، بحسب ما أشارت صحف سورية رسمية أخيراً. وتبلغ مساحة المنطقة الصناعية الأولى 275 دونماً فيما تبلغ مساحة الثانية 350 دونماً. وقد تم تخصيص 200 مليون ليرة للبدء بالتنفيذ وتم "استملاك الأراضي اللازمة لهما ومعظمها أملاك دولة". فيما يعتقد البارودي أن الحاجة إلى المناطق الجديدة في اللاذقية هي بسبب "هجرة رؤوس الأموال الكبيرة من مدينة حلب باتجاه الساحل السوري، إذ عمد الكثير من الصناعيين إلى نقل مصانعهم وعمالهم بالكامل إلى الساحل هرباً من آلة الحرب في مناطق النزاع".
المساهمون