تزييف معدلات الفقر والبطالة يصنع الأوهام التونسية

26 أكتوبر 2015
معلومات لا تزال محجوبة برغم الثورة ومطالبها (فرانس برس)
+ الخط -

الأرقام والإحصائيات هي الدليل القاطع أمام البروبغاندا الإعلامية للسلطة وسعيها المحموم لتزييف الواقع الاقتصادي الاجتماعي. لهذا السبب، لطالما مثّلت الدراسات المستقلّة والبحوث العلميّة هاجساً مقلقاً للحكومات التي تسعى لتغطية فشلها أو فسادها باتباع سياسة التعميم وتزييف الأرقام والتلاعب بالنسب والإحصائيات. حكومات تونس المتعاقبة منذ الاستقلال لم تكن استثناء. إذ ما تزال المعطيات الحقيقيّة حول العديد من القطاعات الاقتصاديّة قيد التستّر والكتمان أو التلاعب.

اقرأ أيضاً:المنظومة الجبائية التونسية تستثني الأثرياء


المغالطات في المعطيات

يقول الخبير الاقتصادي نور الدين القطاري أنّ الثورة استطاعت أن تكشف كمّ المغالطات في المعطيات الرسميّة المتعلّقة بالعديد من القطاعات والمؤشّرات الاقتصاديّة. فالمخلوع زين العابدين بن عليّ لم يكتف بالتعتيم على بعض المعطيات، بل عمد إلى تزييف الأرقام والإحصائيات في العديد من المجالات، وبالأخصّ تلك التّي ترتبط مباشرة بتقييم الأداء الاقتصاديّ لحكومته. ويضيف بأنّ مؤشّرات عديدة على غرار نسبة الفقر والبطالة ومؤشّرات التنمية كانت مغايرة تماماً لما للواقع الذّي انكشف بعد الثورة. إذ "لطالما كانت الوسائل الإعلامية للنظام تروّج لنسبة فقر لا تتجاوز 4%، في حين قفزت بعد الثورة مباشرة إلى 24.7%"، ويعود ذلك بحسب القطاري إلى معيار الفقر المعتمد من قبل النظام السابق، "حيث حُدّدت عتبة الفقر بـ 200 دولار في السنة للشخص الواحد أي ما يعادل 4 سنتات في اليوم إلا أنّ عتبة الفقر حسب المعايير الأممية هي في حدود دولارين في اليوم الواحد".
ليس هذا فحسب، بل عمد النظام السابق إلى مغالطة هياكل المراقبة الدولية وذلك عبر إصدار أرقام ومؤشرات اقتصادية مشكوك فيها بهدف تلميع صورته وإبرازه بصفة الناجح في تحقيق الازدهار الاقتصادي والاجتماعي. وتشمل تلك المعطيات بالخصوص نسق الاستثمار المحليّ والأجنبيّ. فخلال العشريّة الأخيرة تمّ تركيز 80% من الاستثمارات العموميّة والخاصّة في الشريط الساحليّ الشرقي للبلاد، ممّا أدّى إلى تفاوت رهيب في معدّلات البطالة في المناطق المهمّشة والتي تتجاوز 35%، ولكن يتمّ إخفاء هذه النسبة عبر احتساب المعدّل الإجمالي.
يستطرد نور الدّين ليشير إلى أنّ بن علي عمد إلى التوظيف السياسي للخطاب حول الطبقة الوسطى مروّجاً لإيلائها الأهمية الكبرى عبر خطط كبرامج السيّارة الشعبيّة والمساكن الشعبيّة والكمبيوتر العائلي، عبر القروض الميسّرة لهذه الفئة. ولكنّ النتيجة التي حاول المسؤولون إخفاءها كانت ارتهان 70% من الموظّفين التونسيّين إلى الديون ودخولهم في حلقة مفرغة من المديونيّة.

اقرأ أيضاً:الفقر والأمراض يتحالفان على تونسيين

يختم أنّ آخر فضائح التلاعب بالمؤشّرات الاقتصاديّة، يعود إلى ما بعد الثورة، حيث أعلنت وكالة النهوض بالاستثمارات الخارجية معطيات مغلوطة تتعلق بالقفزة التي حققتها الاستثمارات الأجنبية المباشرة في 2012 في تونس بنسبة 79% إلى 1572 مليون دولار في 2012، مقارنة بـ 885 مليون دولار في 2011. ليتّضح فيما بعد أنّ الجزء الأكبر من هذه الاستثمارات المعلنة يتعلق بحصيلة بيع ممتلكات أقارب ورموز النظام السابق التي صادرتها الحكومة بعد سقوط بن علي.

غياب الشفافية

إن كانت بعض المؤشّرات الاقتصاديّة قد وقع التلاعب بها، فإنّ قطاعات بأكملها يتّم التعتيم عليها. وهو ما يؤكّده الخبير في مجال الطاقة نزار عيّادي الذّي يعتبر أنّ التعتيم وغياب الشفافيّة يساهم في تكريس الفساد ويخدم مصالح فئة معيّنة لا تزدهر أعمالها إلا بعيداً عن الرقابة. ليستطرد مشيراً إلى أنّ مجال الثروات الطبيعيّة في تونس يعتبر الصندوق الأسود الذّي لم تتجرأ أي حكومة على الخوض في تفاصيله أو كشفه للعموم.
ليضيف أنّ العديد من الثروات الطبيعيّة يتمّ التصرّف فيها في ظلّ غياب تام للرقابة أو المحاسبة، ولعلّ أهمّها هو الملح والنفط. وعلى الرغم من أنّ الدستور التونسي الجديد ينصّ في فصله الثالث عشر على ضرورة عرض العقود والاتفاقيات على مجلس الشعب للمصادقة عليها إلاّ أنّ الحكومات المتعاقبة استمرت في تجاهل هذا الفصل وكانّ ثروات البلاد لا تخضع لسيادة الدولة التونسيّة. والملح، والذي يعتبر الثروة الطبيعيّة الأهمّ، فقد تجاهلت الحكومة مطالب المجتمع المدني بفتح ملفّ الاستغلال الممنوح منذ أكثر من 60 سنة لشركة فرنسيّة بمعلوم رمزيّ لا يتجاوز بعض السنتات في السنة، ولم يتجاوز الردّ الحكوميّ خلال السنوات القليلة الماضية مجرّد وعود بدراسة الطلبات المقدّمة.
المساهمون