تجاوب محدود مع عريضة المثقفين الأميركيين ضد ترامب

28 يونيو 2016
الشاعرة الأميركية ريتا دوف من أبرز الموقعين (Getty)
+ الخط -
وضع 450 كاتبًا ومؤلفًا أميركيًا، بينهم عشرة من الحاصلين على جائزة "بوليترز" سمعتهم على المحك، بعدما تحول خطابهم الموجه للشعب الأميركي، إلى عريضة توقيعات مفتوحة لجميع المتحمسين لحرمان رجل الأعمال الملياردير المثير للجدل، دونالد ترامب من الترشح للرئاسة الأميركية. 
إلا أن الأسباب الثمانية التي أجملها الكتّاب الموقعون على الخطاب، كمبررات فكرية لمطلب سياسي، لم تكن مقنعة لكثير من زملائهم، مثلما لم تكن مقنعة للإعلام التلفزيوني الأميركي ليسلط الضوء على مطلب الكتّاب بما فيه الكفاية.

رغم أن العريضة بدأ توزيعها منذ مطلع الشهر الجاري، وتجاوب معها بصورة إيجابية إلى الآن حوالي 25 ألف مواطن، إلا أن هذا العدد، وإن كان كبيرًا، يبقى محدود التأثير بمقاييس الانتخابات الأميركية، إذا ما قورن بملايين الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم للمرشح الجمهوري الذي قد يصبح أول رئيس في تاريخ الولايات المتحدة قادم من خارج النخب السياسية والمؤسسات الفكرية المهيمنة على الحزبين الكبيرين؛ الجمهوري والديمقراطي.

القنوات الإخبارية لم تهتم

لم تستقطب العريضة اهتمام القنوات الإخبارية، التي يستقي منها عادة الناخبون الأميركيون معلوماتهم عن المرشحين وعن كل ما يتعلق بحملاتهم الانتخابية ومناظراتهم وبرامجهم. لكنها أثارت جدلًا واسعًا وحادًا بين نخب الكتّاب أنفسهم في الصحافة المكتوبة، خصوصًا بين الداعمين لمضمونها والرافضين لفكرتها من حيث المبدأ، بغض النظر عن موقفهم السياسي من ترامب.
وكان الكاتب الأميركي البارز ألكسندر هيمون أوّل من أعلن رفضه التوقيع على الخطاب المفتوح الذي تحول لاحقًا إلى ما يشبه "مذكرة نصيحة" موجهة إلى الناخبين الأميركيين من برج عاجي حسب تعبير منتقديها.
ففي مقال له بموقع LITERARY HUB، وهو موقع يهتم بالسجالات الأدبية والفكرية والثقافية في الولايات المتحدة، استعرض هيمون، المبررات التي أوردها المعارضون لترشح ترامب، مبديًا اتفاقه مع بعض مضامينها، لكنه أوجز أسباب رفضه التوقيع على الوثيقة الفكرية، بقوله إن أصحابها يحاولون الالتفاف على أسس اللعبة الديمقراطية. ورأى أن المرشح المثير للجدل، مهما اختلف معه البعض في توجهاته، لكن "بروزه" جاء من صلب العملية نفسها، ولم يحاول مطلقًا الخروج عن قواعد اللعبة.

صوت الكاتب انتخابيًا

يلمّح كتاب آخرون ممن رفضوا توقيع العريضة، إلى أن الكاتب أو المفكر لا ينبغي أن يطرح آراءه السياسية بنوع من التعالي أو بما يوحي وكأن صوته الانتخابي أهم من صوت المواطن العادي العامل في المصنع أو الفلاح في المزرعة، أو الموظف في الحكومة، فصوت الكاتب المفكر لا يزيد "أهمية" عن أي صوت آخر، مهما كان حجم سلطته الرمزية ومكانته لدى جمهور الناخبين. ليس هذا فحسب، بل إن الجدل امتد إلى مناقشة جدوى مثل هذا العرائض، وما تدلي به النخب الفكرية والسياسية من آراء في تعديل توجهات الناخبين، إذ إن هناك من يرى أن نجاح ترامب اعتمد بدرجة كبيرة على استعماله اللغة التي تفهمها الأغلبية من البسطاء، مهما تضمنت كلمات نابية أو عبارات خادشة لـ "حياء" النخب السياسية والفكرية، لكنها مقبولة لدى عامة الناس.

وأعربت الكاتبة والمدونة الأميركية المقيمة بولاية ميرلاند، ميشتيل أتلن لـ "ملحق الثقافة"عن ظنها بأن "آراء النخب الناقمة على ترامب، سواء أكانت هذه النخب سياسية أم إعلامية أم فكرية، تخدم ترامب أكثر مما تضرّ به، إذ لديه جمهور معين يزداد التحامًا به كلما زاد الهجوم عليه". وليس سرًا أن مؤيدي ترامب ينتمون في معظمهم إلى الأغلبية البيضاء التي أهملتها الأحزاب الكبيرة، لصالح أقليات الأميركيين الأفارقة والآسيويين وذوي الأصول اللاتينية.
فقد جاء ترامب ليعبر عن رأي غالبية، يشعر المنتمون إليها بـ "الحرج" في إظهار مطالبهم المعادية في جوهرها لحقوق الأقليات، أو على الأقل المعبرة عن استشعارخطر تنامي حجم هذه الأقليات ونفوذها، بفعل الهجرة وارتفاع نسبة مواليد لديها.
فما هي مبرّرات الكتّاب الموقعين على العريضة؟

مبررات استبعاد ترامب

أجمل الكتاب الأميركيون الموقعون على العريضة الرافضة لترشح ترامب مبررات الرفض:
1- لكوننا كتابًا، فإننا ندرك أكثر من غيرنا وجود أساليب كثيرة يمكن أن يساء بها استعمال اللغة باسم السلطة.
2- لأننا نؤمن أن أي ديمقراطية جديرة بهذا الاسم، لا بد أن تقوم على التعددية، وتقبل مبدأ الاختلاف في الرأي، وتعمل على تحقيق التوافق من خلال الحوار المنطقي.
3- لأن التاريخ الأميركي، رغم ما تخلله من عهود التعصب والعداء، كان منذ بدايته تجربة عظيمة في التقريب بين ذوي الخلفيات المختلفة، ولم يكن محرضًا لبعض الأميركيين ضد بعضهم الآخر.
4- لأن تاريخ الدكتاتورية مليء بالأكاذيب والألاعيب والانقسامات والديماغوجية.
5- لأن البحث عن العدالة يستند إلى احترام الحقيقة.
6- لأننا نؤمن بأن المعرفة والخبرة والمرونة والوعي التاريخي، من الصفات التي لا غنى عنها لأي زعيم أو قائد أمة.
7- لأن الثروة والشهرة لا تؤهلان أحدًا لأن يتحدث باسم الولايات المتحدة، ويقود قواتها المسلحة، ويؤتمن على تحالفاتها، ويمثل شعبها.
8- لأن صعود مرشح سياسي يستميل عمدًا أكثر عناصر المجتمع انحطاطًا وعنفًا، ويشجع أتباعه على العنف، ويحاول إسكات معارضيه وتهديدهم، ويسيء للنساء والأقليات، يتطلب من كل فرد بيننا ردًا فوريًا قويًا.

لكل هذه الأسباب، نحن الموقعين أدناه، أمْلت علينا ضمائرنا، أن نعلن بصورة لا لبس فيها، معارضتنا، ترشيح دونالد ترامب لرئاسة الولايات المتحدة.
تفنيد مبررات الرفض

وتفنيدًا لهذه الأسباب يقول الكاتب ألكسندر هيمون: "يجب أن تكون الوسيلة الديمقراطية المشروعة الوحيدة لمعارضة ترشح ترامب، هي التصويت ضده، خصوصًا إذا ما أراد الكتاب الموقعون على العريضة الالتزام بالنقطتين الثانية والثالثة، حيث إن ترامب وأتباعه ملتزمون بقواعد الديمقراطية ولم يخالفوا قواعد اللعبة، حتى وإن جاء المرشح من خارج الملعب المتعارف عليه. أما النقطة الخامسة الخاصّة بالعلاقة بين العدالة والحقيقة، فيعتقد الكاتب أنها سلاح ذو وجهين إذ يمكن أن يخدم وجهة نظر المعارضين لترامب، مثلما يخدم وجهة نظر ترامب ذاته. فالحقيقة لا يستطيع احتكارها أحد، ولا يوجد في الديمقراطية سوى حقيقة واحدة هي تلك الحقيقة التي تفرضها الأغلبية أو الحائزون على الأغلبية.

يكاد رأي هيمون يعبر عن وجهة نظر قطاع واسع من الكتاب والصحفيين والمثقفين الأميركيين، بمن فيهم أولئك الذين لا يريدون أن يروا ترامب رئيسًا للولايات المتحدة، لكنهم يريدون احترام قواعد الديمقراطية. ولذلك فهو يتفق مع مضمون النقطة السادسة لكنه لا يعدّها كافية لاستبعاد ترامب من الترشح، إذ إن المعرفة والخبرة والمرونة والوعي التاريخي من صفات الزعماء التاريخيين، لكنها ليست بالضرورة من صفات من ينجح في الانتخابات. أو بتعبير آخر، ليس كل الرؤساء يستحقون أن يوصفوا بـ "الزعامة". أما النقطة التي استطاع هيمون أن يفرغها من مضمونها تمامًا، فهي النقطة السابعة بشأن الثروة والشهرة: "إذا كانت الشهرة والثروة لا تؤهلان أحدًا لأن يتحدث باسم الولايات المتحدة، ويقود قواتها المسلحة ويؤتمن على تحالفاتها ويمثل شعبها، فإنهما في الوقت ذاته لا ينبغي أن تكونا مبررًا لمنع صاحبهما من الوصول للرئاسة". ويضيف : "إذا ما نجح صاحب المال والشهرة في الوصول إلى الرئاسة، فإن وصوله لا يعود الفضل فيه لماله أو شهرته بصورة مباشرة، وإنما هو نابع من قرار اتخذته غالبية الناخبين بإيصال المرشح بغض النظر عمن يكون".

وتجمع الآراء المعارضة للتوقيع على عريضة حرمان ترامب من الترشح، على أن النقطة الثامنة لا تبرر حرمان أي مرشح من حقه الطبيعي كمواطن في ممارسة الحياة السياسية ما لم يكن قد صدر بحقه حكم قضائي ينص القانون بأنه من مسوغات المنع من خوض السباق الانتخابي للرئاسة.

ويخلص أصحاب هذا الرأي إلى أن النقاط الثماني يمكن عدّها مبررات كافية لعدم التصويت لصالح ترامب في الانتخابات، ولكنها من وجهة نظر قانونية بحتة لا تكفي لحرمان أي شخص من خوض السباق.
المساهمون