في مايو/ أيار 1985 نشرت صحيفة "صنداي تايمز" افتتاحية مثيرة للجدل، زعمت فيها أن كرة القدم الإنكليزية في أزمة، وقالت "رياضة الأحياء الفقيرة التي تلعب في ملاعب الأحياء الفقيرة يتابعها بشكلٍ متزايد سكان الأحياء الفقيرة الذين يردعون الناس المحترمين عن الحضور".
في الموسم التالي انخفض عدد الجماهير بشكلٍ مخيف إلى أدنى مستوياته منذ الحرب العالمية الأولى، وجاء في المستوى الثاني إلى الأسفل، في ظاهرة لم تشهدها الملاعب هناك منذ موسم 1906-1907.
نُشرت افتتاحية "صنداي تايمز" تلك قبل عشرة أيام من لقاء ليفربول ويوفنتوس الإيطالي في نهائي كأس الأندية الأوروبية البطلة على ملعب هيسيل في بروكسل، وشهد ذلك الموسم أعمال شغب شملت جماهير لوتون وميلوال، في مارس/ آذار، وحادثة احتراق ملعب برادفورد الذي أدّى إلى مقتل 56 شخصاً وإصابة 256 على الأقل، بين عدد لا يحصى من الحوادث الأقل شهرة تسببت في تدهور البنية التحتية للعبة أو حتى ارتفاع حدّة عنف المشجعين.
ثم حصلت كارثة ملعب هيسيل. أقيمت المباراة يومها في ملعب قديم متهالك، كان عدد أفراد الشرطة قليلاً للغاية، وفصلت الأسوار الهشّة بين جماهير الفريقين، دخل البعض بدون تذاكر في سوء تخطيط واضح من قبل المنظمين، توفي على أثرها 39 شخصاً دوساً أو حتى اختناقاً حتى الموت وأصيب 600 آخرون، 32 منهم إيطاليون و4 من بلجيكا واثنان من فرنسا وآخر من أيرلندا الشمالية.
بطريقة ما استعيد النظام يومها ولعبت المباراة، فاز يوفنتوس بهدف دون مقابل، وكان من الواضح أن نهاية ذلك اللقاء لم تكن مجرد ختام لمسابقة كرة قدم، بل بدا جلياً أنها ستخلّف الكثير من النتائج السلبية.
نشرت صحيفة "ذا غارديان" يومها افتتاحية بعنوان "عزل لعبتنا المحزنة والمريضة"، وطالبت حينها بإعطاء كرة القدم الإنكليزية الوقت والمساحة لإيجاد الحلول وتنفيذها "نحن جذور العدوى، نحن موطن الفيروس، وعلينا أن نتصرف على هذا الأساس"، طلبت الصحيفة أيضاً الخروج من المنافسات الدولية "بالطبع سيتسبب ذلك في ضررٍ كبير للعبة، سينتقل النجوم الدوليون للخارج، ستضطرب المعايير، الطريقة الوحيدة لعلاج الفيروس القاتل والغامض هو حجر اللعبة بشكلٍ صارم".
كان هذا أبعد من أن يكون رأياً بالإجمال داخل أروقة إنكلترا، قال حينها رون أتكينسون، مدير مانشستر يونايتد: "أعتقد أن معظمنا يرى أنه يجب حظر ليفربول وربما يوفنتوس، لا أحد آخر".
تصاعد الضغط لمنع الأندية الإنكليزية من المنافسات الأوروبية، في 31 مايو/ أيار 1985، طلبت رئيسة الوزراء البريطانية مارغريت تاتشر من الاتحاد الإنكليزي سحب الأندية الإنكليزية من المنافسات الأوروبية قبل حظرها، لكن بعد يومين، حظر الاتحاد الأوروبي لكرة القدم الأندية "لفترة زمنية غير محددة".
في 6 يونيو/ حزيران قرر "فيفا" أن يشمل الحظر جميع المباريات العالمية، ولكنه عُدل بعد أسبوع للسماح بإجراء مباريات ودية خارج أوروبا، قبل أن يعلن في ديسمبر/ كانون الأول 1985 إمكانية خوض مباريات ودّية داخل القارة العجوز، على الرغم من أن الحكومة البلجيكية رفضت استضافة أي نادٍ إنكليزي في أراضيها، فيما تاتشر اعتبرت ما حصل "فرصة مناسبة لترتيب الأمور".
ردّ كيني دالغليش، أسطورة ليفربول، يومها بالقول: "دعت تاتشر التي كانت على دراية محدودة بكرة القدم إلى حظر الأندية الإنكليزية، وخاصة ليفربول، شعرت بأن ذلك القرار كان عدم مسؤولية، الخروج بتلك العبارات المتهورة، هي لم تكن تعرف الحقائق. ربما تسببت في حظر جميع الأندية الإنكليزية، لو أبقت فمها مغلقاً، ربما لم تكن تلك الأندية لتعاني".
كان نادي إيفرتون في منتصف الثمانينيات فريقاً مميزاً تحت قيادة المدرب هاوارد كيندال، ربما امتلك أعظم مجموعة في تاريخه. قبل أسبوعين من حادثة هيسيل فاز الفريق بكأس الكؤوس الأوروبية على حساب رابيد فيينا في روتردام بنهائي سلمي للغاية، ما دفع براين كلوف، المدرب الأسطوري لنوتنغهام فورست، للتساؤل "بهذا الأداء، إلى متى سيحكم هذا الفريق (إيفرتون) أوروبا؟"، لكن يا للأسف لم تتح له الفرصة. في المقابل، قال يومها قائد الفريق كيفين راكتليف: "عانى إيفرتون بشكلٍ كبير كنادٍ، لقد فزنا للتو بلقب كأس الكؤوس الأوروبية، أحببنا بالفعل الحفاظ على هيمنة إنكلترا في أوروبا، بدلاً من ذلك، تمزّق الفريق وبدأت جميع المواهب بالتلاشي".
فاز ليفربول على أثرها بثلاثة ألقاب في الدوري. عام 1987 أعاد القائمون عليه تصميم فريقهم واشتروا جون بارنز وبيتر بيردسلي وراي هوتون، وتحت قيادة دالغليش لعبوا كرة قدم رائعة، لكنهم حرموا بطبيعة الحال من ذلك في أوروبا، حتى أن حارس المرمى بروس غروبيلا، الذي قضى في النادي سنوات طويلة من 1981 حتى 1994، خرج بتصريحٍ، بحسب "ذا غارديان": "يمكننا فقط أن نتخيل ما كُنّا قادرين على تحقيقه وكم من الجوائز التي كان بمقدورنا تحقيقها، لا يمكنني التحدث باسم اللاعبين الآخرين، لكن لا بدّ أنهم شعروا بالإحساس نفسه".
في كلّ عام بعد 1985، تحدثت الأندية الإنكليزية واتحاد كرة القدم بتفاؤل بشأن رفع الحظر، لكن الأحداث التي كانت تحصل جعلت كلّ ذلك آيلاً للانهيار، في عام 1986 تشاجر حوالي 150 مشجعاً من ناديي وست هام ومانشستر يونايتد؛ في عام 1987، أدّت مباراة بين ألمانيا الغربية وإنكلترا في دوسلدورف إلى طعن مشجع واعتقال 48. كان سلوك العديد من مشجعي إنكلترا في بطولة أوروبا عام 1988 سيئًا بما يكفي لإثارة المخاوف من تمديد الحظر ليشمل منتخب "الأسود الثلاثة" بدلاً من تخفيفه.
في عام 2015 نشر الكاتب إيد فوليامي مقالاً في "ذا غارديان" عن أناسٍ عايشوا كارثة هيسيل، بينهم برونو غواريني، الذي فقد ابنه ألبرتو، وقال له "قام الإنكليز بخلع قمصانهم مستلقين على العشب مع البيرة، دخلنا مباشرة للملعب، كان المشاغبون عند المدخل الآخر، قلت لألبرتو سنبتعد، ذهبنا نحو الجدار، كان أسوأ قرار اتخذته، كان العديد منهم سكارى، اتجهوا نحونا عبر السياج، كانت كلمات ألبرتو الأخيرة: أبي إنهم يسحقونني". فقد غواريني وعيه وبحث بعدها مع الصليب الأحمر عن ابنه فوجده جثة.
اقــرأ أيضاً
كانت هذه الحلقة الأولى التي امتدت من حادثة هيسيل الكارثية حتى عودة الأندية الإنكليزية إلى المنافسات الأوروبية في بداية التسعينيات، وستكون لنا حلقة ثانية عن تلك الحقبة وأحداثها، مع اقتراب عودة عجلة "البريميرليغ" للدوران بعد التوقف الحالي بسبب فيروس كورونا.
نُشرت افتتاحية "صنداي تايمز" تلك قبل عشرة أيام من لقاء ليفربول ويوفنتوس الإيطالي في نهائي كأس الأندية الأوروبية البطلة على ملعب هيسيل في بروكسل، وشهد ذلك الموسم أعمال شغب شملت جماهير لوتون وميلوال، في مارس/ آذار، وحادثة احتراق ملعب برادفورد الذي أدّى إلى مقتل 56 شخصاً وإصابة 256 على الأقل، بين عدد لا يحصى من الحوادث الأقل شهرة تسببت في تدهور البنية التحتية للعبة أو حتى ارتفاع حدّة عنف المشجعين.
ثم حصلت كارثة ملعب هيسيل. أقيمت المباراة يومها في ملعب قديم متهالك، كان عدد أفراد الشرطة قليلاً للغاية، وفصلت الأسوار الهشّة بين جماهير الفريقين، دخل البعض بدون تذاكر في سوء تخطيط واضح من قبل المنظمين، توفي على أثرها 39 شخصاً دوساً أو حتى اختناقاً حتى الموت وأصيب 600 آخرون، 32 منهم إيطاليون و4 من بلجيكا واثنان من فرنسا وآخر من أيرلندا الشمالية.
بطريقة ما استعيد النظام يومها ولعبت المباراة، فاز يوفنتوس بهدف دون مقابل، وكان من الواضح أن نهاية ذلك اللقاء لم تكن مجرد ختام لمسابقة كرة قدم، بل بدا جلياً أنها ستخلّف الكثير من النتائج السلبية.
نشرت صحيفة "ذا غارديان" يومها افتتاحية بعنوان "عزل لعبتنا المحزنة والمريضة"، وطالبت حينها بإعطاء كرة القدم الإنكليزية الوقت والمساحة لإيجاد الحلول وتنفيذها "نحن جذور العدوى، نحن موطن الفيروس، وعلينا أن نتصرف على هذا الأساس"، طلبت الصحيفة أيضاً الخروج من المنافسات الدولية "بالطبع سيتسبب ذلك في ضررٍ كبير للعبة، سينتقل النجوم الدوليون للخارج، ستضطرب المعايير، الطريقة الوحيدة لعلاج الفيروس القاتل والغامض هو حجر اللعبة بشكلٍ صارم".
كان هذا أبعد من أن يكون رأياً بالإجمال داخل أروقة إنكلترا، قال حينها رون أتكينسون، مدير مانشستر يونايتد: "أعتقد أن معظمنا يرى أنه يجب حظر ليفربول وربما يوفنتوس، لا أحد آخر".
تصاعد الضغط لمنع الأندية الإنكليزية من المنافسات الأوروبية، في 31 مايو/ أيار 1985، طلبت رئيسة الوزراء البريطانية مارغريت تاتشر من الاتحاد الإنكليزي سحب الأندية الإنكليزية من المنافسات الأوروبية قبل حظرها، لكن بعد يومين، حظر الاتحاد الأوروبي لكرة القدم الأندية "لفترة زمنية غير محددة".
في 6 يونيو/ حزيران قرر "فيفا" أن يشمل الحظر جميع المباريات العالمية، ولكنه عُدل بعد أسبوع للسماح بإجراء مباريات ودية خارج أوروبا، قبل أن يعلن في ديسمبر/ كانون الأول 1985 إمكانية خوض مباريات ودّية داخل القارة العجوز، على الرغم من أن الحكومة البلجيكية رفضت استضافة أي نادٍ إنكليزي في أراضيها، فيما تاتشر اعتبرت ما حصل "فرصة مناسبة لترتيب الأمور".
ردّ كيني دالغليش، أسطورة ليفربول، يومها بالقول: "دعت تاتشر التي كانت على دراية محدودة بكرة القدم إلى حظر الأندية الإنكليزية، وخاصة ليفربول، شعرت بأن ذلك القرار كان عدم مسؤولية، الخروج بتلك العبارات المتهورة، هي لم تكن تعرف الحقائق. ربما تسببت في حظر جميع الأندية الإنكليزية، لو أبقت فمها مغلقاً، ربما لم تكن تلك الأندية لتعاني".
كان نادي إيفرتون في منتصف الثمانينيات فريقاً مميزاً تحت قيادة المدرب هاوارد كيندال، ربما امتلك أعظم مجموعة في تاريخه. قبل أسبوعين من حادثة هيسيل فاز الفريق بكأس الكؤوس الأوروبية على حساب رابيد فيينا في روتردام بنهائي سلمي للغاية، ما دفع براين كلوف، المدرب الأسطوري لنوتنغهام فورست، للتساؤل "بهذا الأداء، إلى متى سيحكم هذا الفريق (إيفرتون) أوروبا؟"، لكن يا للأسف لم تتح له الفرصة. في المقابل، قال يومها قائد الفريق كيفين راكتليف: "عانى إيفرتون بشكلٍ كبير كنادٍ، لقد فزنا للتو بلقب كأس الكؤوس الأوروبية، أحببنا بالفعل الحفاظ على هيمنة إنكلترا في أوروبا، بدلاً من ذلك، تمزّق الفريق وبدأت جميع المواهب بالتلاشي".
فاز ليفربول على أثرها بثلاثة ألقاب في الدوري. عام 1987 أعاد القائمون عليه تصميم فريقهم واشتروا جون بارنز وبيتر بيردسلي وراي هوتون، وتحت قيادة دالغليش لعبوا كرة قدم رائعة، لكنهم حرموا بطبيعة الحال من ذلك في أوروبا، حتى أن حارس المرمى بروس غروبيلا، الذي قضى في النادي سنوات طويلة من 1981 حتى 1994، خرج بتصريحٍ، بحسب "ذا غارديان": "يمكننا فقط أن نتخيل ما كُنّا قادرين على تحقيقه وكم من الجوائز التي كان بمقدورنا تحقيقها، لا يمكنني التحدث باسم اللاعبين الآخرين، لكن لا بدّ أنهم شعروا بالإحساس نفسه".
في كلّ عام بعد 1985، تحدثت الأندية الإنكليزية واتحاد كرة القدم بتفاؤل بشأن رفع الحظر، لكن الأحداث التي كانت تحصل جعلت كلّ ذلك آيلاً للانهيار، في عام 1986 تشاجر حوالي 150 مشجعاً من ناديي وست هام ومانشستر يونايتد؛ في عام 1987، أدّت مباراة بين ألمانيا الغربية وإنكلترا في دوسلدورف إلى طعن مشجع واعتقال 48. كان سلوك العديد من مشجعي إنكلترا في بطولة أوروبا عام 1988 سيئًا بما يكفي لإثارة المخاوف من تمديد الحظر ليشمل منتخب "الأسود الثلاثة" بدلاً من تخفيفه.
في عام 2015 نشر الكاتب إيد فوليامي مقالاً في "ذا غارديان" عن أناسٍ عايشوا كارثة هيسيل، بينهم برونو غواريني، الذي فقد ابنه ألبرتو، وقال له "قام الإنكليز بخلع قمصانهم مستلقين على العشب مع البيرة، دخلنا مباشرة للملعب، كان المشاغبون عند المدخل الآخر، قلت لألبرتو سنبتعد، ذهبنا نحو الجدار، كان أسوأ قرار اتخذته، كان العديد منهم سكارى، اتجهوا نحونا عبر السياج، كانت كلمات ألبرتو الأخيرة: أبي إنهم يسحقونني". فقد غواريني وعيه وبحث بعدها مع الصليب الأحمر عن ابنه فوجده جثة.