هل يفعلها ميسي في ليلة باردة ممطرة في ستوك؟

09 سبتمبر 2014
الجملة الشهيرة تحولت إلى سخرية فيما بعد (getty)
+ الخط -

في ديسمبر من عام 2010 كان برشلونة في ذروة قوته في عصر جوارديولا الذهبي .. وقتها كان يُشار للفريق بالبنان واجتازت سمعة "البلاوجرانا" كل الآفاق وكان من الطبيعي أن يكون مثار نقاش الجميع.

هناك في بلاد الضباب .. معقل ليفربول ومانشستر يونايتد وحيث تتواجد قناة "سكاي سبورتس" الشهيرة، كان يجلس في استديوهاتها المقدم الشهير ريتشارد كيز والمحلل أندي جراي يتحدثان عن ما يفعله البرسا في ذلك الوقت.

كيز سأل جراي عما إذا كان ميسي يستطيع أن يكون بكل هذه الجودة في الملاعب الإنجليزية ؟ فرد عليه أندي جراي قائلاً "ميسي سيعاني في ليلة ممطرة باردة في ملعب بريتانيا (ملعب نادي ستوك سيتي)".

رحل كيز وجراي عن "سكاي" وعن العمل في إنجلترا كلها وهما الآن يعملان في "بي إن سبورتس" لكن تلك الجملة مازالت واحدة من أشهر الجمل المتداولة بين البريطانيين حتى الآن ويستخدمونها للرد على تفاخر البعض بمهارات لاعبيهم مؤكدين أنهم سيعانون في حالة قدومهم للملاعب الإنجليزية.. فقط تتمحور الجملة أحياناً عن تلك الليلة الباردة الممطرة في يوم الإثنين تارة أو الثلاثاء تارة أو الأربعاء تارة أخرى فالإنجليز يوما السبت والأحد لا يلعبون ليلاً.

يقول الكاتب الإنجليزي روب سميث في مقال له نشر بصحيفة الجارديان منذ 3 سنوات إن التشكيك والتقليل هو واحد من الممارسات الرياضية الإنجليزية المعتادة ضارباً مثالاً في مقاله بهزيمة إنجلترا الشهيرة 6/3 أمام فريق المجر الذهبي في عام 1953 .. وقتها كانت المجر هي بطلة الأوليمبياد ومع ذلك لم يكن يساور الإنجليز أي شكوك في القدرة على هزيمتهم.

الكاتب الإنجليزي ضرب مثالاً حديثاً للأمر عندما كتب أحد زملائه مقالاً متغزلاً في سيرخيو أجويرو –المنتقل حديثاً آنذاك إلى الملاعب الإنجليزية قادماً من أتلتيكو مدريد- فانهالت على المقال ردود من نوعية "أتحرّق شوقاً لرؤية أجويرو مع كل هذه الرياح والأمطار".

ماذا عن سيرخيو أجويرو ؟ تألق بشكل لافت منذ وصوله إلى البريمييرليج وبات واحداً من أفضل مهاجميه ولم يوقفه عن سجله الناري في الموسم الماضي إلا الإصابة.

كما أنه وقبل 3 أعوام زار الفريق الإسباني فالنسيا ملعب بريتانيا فلم يجد صعوبة تذكر في هزم أصحاب الأرض في الدوري الأوروبي.. صحيح إن النتيجة آلت إلى الفوز بأقل انتصار (1/0) لكن اللوس تشي أضاعوا وابلاً من الفرص حينها وسيطروا بسهولة بتناقل الكرات القصيرة أمام لاعبين طوال القامة لا يمتلكون رشاقة كافية لمجاراة هذا اللعب رغم أنهم كانوا قادرين على مواجهة فرق إنجليزية أقوى من فالنسيا فقط لأن تلك الفرق لم تكن تلعب بالشكل المناسب.

لطالما كان ملعب بريتانيا الخاص بنادي ستوك أحد أصعب الملاعب التي تزورها الأندية الإنجليزية .. فالملعب لا ترتبط مدرجاته ببعضها بعضاً بل هناك فتحات واضحة عند الزوايا يمر منها الهواء كالصاروخ لكن البريطانيين نسوا أو تناسوا أن المعاناة مع الهواء لا يزداد إلا مع أسلوب الكرة الطائرة التي تلجأ إليه بعض الفرق الإنجليزية التي ربما تبدو وقد تخلت عنه إلا أن الدم يحن في بعض الأحيان خصوصاً عندما تُغلق المساحات.

الإنجليز عاشوا عقوداً يعانون من الأمطار التي تفسد أرضيات ملاعبهم وتحولها لكومة من الوحل لذلك ازداد تمسكهم في تلك العقود بأسلوب الكرات الطويلة فأتى أليكس فيرجسون وآرسن فينجر ليحسنوا من الأمور بعض الشيء أعقبهم جلين هودل ثم بدا وأن هناك اقتناعأً بأن المدربين الأجانب باتوا ضرورة ملحة لتحسين المستوى وقد تحسن بالفعل..

لكن تلك الثقافة استمرت متغلغلة -خصوصاً في الفرق المتوسطة والصغيرة عندما يواجهون أي ضغط منظم من المنافس- حتى مع تطور الملاعب الإنجليزية والتي باتت أرضياتها مذهلة لا تتأثر كثيراً بطن من مياه الأمطار لكن هناك أشياء لا تتغير بسهولة.. هناك فرق متوسطة استطاعت خلع عباءتها كسوانزي سيتي كما عمل مارك هيوزبكد في الموسم الماضي ليبعد ستوك عن هذا الأسلوب وهي الخطوة التي يبدوأنها أعجبت المشجعين بشكل واضح.

الخطوة التالية لنسف مقولة أندي جراي أتت بوضوح .. عدد اللاعبين اللاتينيين ازداد قبل أن تأتي الخطوة الواضحة في آخر سوقين للانتقالات الصيفية .. انتقال عدد هائل من لاعبي الليجا الإسبانية إلى البريمييرليج .. جاءوا لسد احتياج واضح من المهارات والقدرة على تناقل الكرات برباطة جأش كانت مفقودة عند كثيرين من اللاعبين البريطانيين الذين تشعر وأنهم يمسكون بكرة ملتهبة ويريدون تسليمها لأقرب زميل وليحدث ما يحدث .. الإنجليز تعلموا كيف يلعبون كرة القدم على الأرض .. هذا أمر لا ريب فيه لكنهم مازالوا يضمون الكثير من لاعبي الليجا لتعليمهم كيفية التمرير القصير.

لذلك تميز ووضح تأثير دافيد سيلفا، سانتي كاثورلا، خوان ماتا، يايا توريه وحتى اللاعبين المغمورين كميتشو، جوناثان دي جوزمان وغيرهم .. هؤلاء اللاعبون أضافوا لمسة جمالية واضحة في أسلوب وأداء فرقهم فبعضهم حول فريقه من ممررين وراكضين إلى لاعبين قادرين على الإبداع واللعب برباطة جأش أكبر.

هذا الموسم المزيد من القادمين الليجا مع أندير هيريرا، أنخيل دي ماريا، سيسك فابريجاس، أليكسس سانشيز، دييجو كوشتا، فيليبي لويس، ألبرتو مورينو وغيرهم فيما مجموعه 239 مليون جنيه استرليني أي أقل بحوالي 43 مليون جنيه استرليني من مجموع الصفقات التي تمت بين الأندية الإنجليزية وبعضها بعضاً ! يبدو وأن الإنجليز قد أدركوا الأمر أخيراً فلم يعودوا كما وصفهم ابن بلدهم روب سميث في مقال الجارديان بل باتوا أكثر تفتحاً ويدركون أن لكل بلد ما يمكن أن يضيفه للآخر فلم يعد لاعبين من عينة أندي كارول، تشارلي أدامز وغيرهم مطلوبين في الأندية الكبيرة كليفربول وهو الذي كان مرتبطاً شديد الارتباط بأسلوب اللعب الإنجليزي حتى جاء الرائع رودجرز وكل ذلك يعود إلى ثقافة اللاعب الأجنبي الذي أثار غيرة كثيرين بأسلوب لعبه وجعل آخرون يحاولون تقليده وتحسين طريقة اللعب.

من الواضح للعيان أن جملة "هل يمكن لميسي أن يفعلها في ليلة ممطرة باردة في ستوك" قد تحولت من جملة جادة في استوديو إنجليزي إلى جملة ساخرة بين البريطانيين بعد أن ظهر خطأ الجملة حتى مع لاعبين أقل من ميسي في المستوى قادمين من "الليجا" وقادرين على إضافة شيء مختلف للكرة الإنجليزية، فالحديث بدأ عن دييجو كوشتا وسيسك فابريجاس وألبرتو مورينو -والبقية تأتي- ويبدو وأنه لن ينتهي.

المساهمون