لأول مرة أجد صعوبة في اختيار عنوان لمقالي، وأجد صعوبة في الكتابة عن هذا الذي حدث في مباراة ثمن نهائي دوري الأبطال بين البايرن وبرشلونة، والنتيجة الساحقة التي آلت إليها، والفوز التاريخي لبايرن والخسارة الدراماتيكية لبرشلونة ميسي، الذي تعرض البارحة لفضيحة كبيرة وكارثة كبرى ستبقى وصمة عار في تاريخ النادي الكتالوني، وتبقى بالمقابل إنجازا كبيرا وفريدا من نوعه للفريق الألماني الشرس، الذي ذكرنا بما فعله منتخب ألمانيا بالبرازيل في مونديال 2014 عندما عبث به في عقر الديار وضربه بالسبعة، لكن هذه المرة كانت الصدمة أكبر على عشاق البرسا وميسي وكل هواة الكرة، الذين كان أغلبهم يتوقع خروج الفريق الإسباني لكن ليس بهذا الشكل المذل الذي وصفته الصحافة الإسبانية بالصدمة.
البارسا أمس تعرض لأثقل خسارة في جميع المسابقات منذ هزيمته بستة صفر أمام الجار إسبانيول في إبريل/نيسان 1951، وثاني أثقل خسارة منذ تلك التي تعرض لها سنة 1946 أمام إشبيلية بثمانية صفر، إضافة إلى كونها أكبر خسارة في تاريخ مشاركاته في الكؤوس الأوروبية منذ سنة 1955، لكن الأدهى والأمر هو خروجه من دون لقب في الموسم لأول مرة منذ سنة 2008، ما سيؤدي حتما إلى عواقب وخيمة على الإدارة والطاقم الفني وبعض اللاعبين، ويؤدي إلى إعلان نهاية حقبة والتفكير في مرحلة جديدة ربما تكون من دون ميسي، تستند إلى جيل جديد وفلسفة جديدة وإدارة جديدة، ليس لأن ميسي يتحمل المسؤولية وحده، لكن لأن الصدمة تلد الهمة وتسهل عملية التغيير والتجديد المطلوبة في مثل هذه الظروف لفريق ليس ككل الفرق.
كل الأنظار بعد المباراة كانت معلقة بنادي برشلونة لمعرفة التداعيات وردود الفعل التي أجمعت على ضرورة رحيل الإدارة وتغيير المدرب، والاستغناء عن بعض اللاعبين، حيث أبدى جيرارد بيكيه استعداده للرحيل ووعد من جهته رئيس النادي بالتغيير، بينما فضلت البقية التزام الصمت والتريث حتى تمر عاصفة الغضب التي لحقت بالمجموعة إلى مطار برشلونة ليلة البارحة، حيث تجمع مئات الأنصار للتعبير عن غضبهم واحتجاجهم على الطريقة المذلة التي خرج بها الفريق من ربع نهائي دوري الأبطال في سيناريو كارثي بكل المقاييس، لكن اعتذار كيكي سيتين لم يكف لامتصاص الغضب والشعور بالإحباط وخيبة الأمل والخوف من أن يحدث للنادي الكتالوني ما حدث للمان يونايتد والميلان محليا وأوروبيا.
قسوة البايرن على البرسا كانت أقل حدة من قساوة الصحافة الإسبانية والأوروبية، التي أجمعت على أن الأمر يتعلق بكارثة وفضيحة وهزيمة منطقية ساحقة، لا يستحق أن يتعرض لها الأسطورة ليو ميسي الذي هدد بالرحيل إذا لم تحدث تغييرات عميقة حسب محيطه المقرب، بعدما بدا عاجزا لوحده عن إنقاذ فريقه أمام قوة وبراعة وشراسة البايرن الذي أبهر العالم رغم انتهاء الدوري الألماني منذ أكثر من شهر ونصف، لكن يبدو أن عودة الدوري الألماني قبل باقي الدوريات الأوروبية كانت لها انعكاسات إيجابية على الفريق من الناحية البدنية والفنية، التي تجسدت في الفوز على تشلسي بالأربعة في إياب ثمن النهائي والفوز على برشلونة بالثمانية في نصف النهائي.
الصحافة الإسبانية لم تتجرع خروج الريال في ثمن النهائي ثم الأتلتيكو أمام لايبزيغ، وبعدهما البارسا بهذا الشكل الدراماتيكي، وراحت تستذكر خروج منتخب إسبانيا في ثمن نهائي كأس العالم 2018 في روسيا، كمؤشر على نهاية مرحلة وبداية أخرى أوروبيا وعالميا، تقتضي إجراءات وتغييرات إدارية وفنية عميقة على مستوى المنتخب والأندية والدوري المحلي، لمواجهة الألمان والإنكليز في مسابقات الأندية والمنتخبات بالاعتماد على الجيل الجديد من اللاعبين المتميزين الذين تزخر بهم الكرة الإسبانية.
الحديث عن فضيحة البرسا كاد ينسي العالم تثمين إنجاز البايرن، الذي عاش ليلة تاريخية بكل المقاييس، والذي وصفته صحيفة "بيلد" الألمانية بانتصار القرن الذي تحققت فيه أرقام لا تنسى، خاصة أنه يشكل أكبر فوز للفريق في دوري الأبطال عبر التاريخ، ويشكل انتصارا يوازي ذلك الذي تحقق أمام البرازيل في مونديال 2014، كما أن بلوغ فريقين ألمانيين وثلاثة مدربين ألمان نصف نهائي دوري الأبطال يشكل أكبر إنجاز للكرة الألمانية التي كانت السبب في تغييب الفرق الإسبانية عن المربع الأخير للمسابقة لأول مرة منذ 2006، بعدما أخرج لايبزيغ أتلتيكو مدريد في نفس الدور.
العالم كله يتحدث اليوم عن الخسارة المذلة للبرسا لأنها شكلت صدمة، لكنه سيعود في أيام أخرى للحديث عن الإنجاز البافاري المبهر كتحصيل حاصل لفكر وعقلية وفلسفة ترشحه لكي يتسيد أوروبا في موسم ليس ككل المواسم الكروية.