هناك لاعب موهوب في تسجيل الأهداف، وآخر يصنعها بشكل رائع، بينما يكون وضع ليونيل ميسي مختلفا، فيعرف الكثيرون أنه ساحر جعل اللعبة أبسط وأمتع مع الوقت، واستحق أن يكون اللاعب الأفضل في العالم لأربع مرات متتالية.
يصف فابيو كابيلو نفسه بأنه عاشق لأسلوب لعب النجم الأرجنتيني الكبير، ويؤكد أن ميسي هو الوحيد الذي يملك سرا عظيما من أسرار اللعبة الشعبية الأولى، ومن فابيو إلى بيب جوارديولا، وكأننا ننتقل بسرعة الصاروخ من المدرسة الواقعية الدفاعية إلى أكاديمية الحلم والكرة الهجومية الكاسحة، وبين اختلافات شاسعة وأفكار مضادة بين الجانبين، يبدو أن الاتفاق جاء حول حقيقة واحدة فقط، وهي أن ميسي هو أحد أساطير الساحرة المستديرة، لدرجة أن بيب في مؤتمر وداعه مع برشلونة قال في وصفه "لقد جئت لكي أجعله أفضل لاعب في العالم، فجعلني أفضل مدرب في العالم".
بدون ضغوطات
رغم عدم حصول ميسي على جائزة أفضل لاعب في العالم العام الماضي، إلا أن الكل ينتظر منه الكثير والكثير خلال السنة الحالية. ومع كامل التسليم بأن الموسم الماضي لم يكن هو الأفضل للأرجنتيني بسبب أمور عديدة من بينها، الإصابات المتكررة التي جعلته يغيب عن ربع الموسم مع برشلونة، وانخفاض المستوى خلال الأمتار الأخيرة من عمر بطولة الدوري الإسباني، وبالطبع خسارته نهائي كأس العالم مع منتخب بلاده الأرجنتين أمام ألمانيا بهدف قاتل في الدقائق الأخيرة.
المتابع الجيد لميسي خلال السنة الماضية، يُدرك جيداً أن المشكلة لم تكن فقط بدنية أو فنية، بل لها علاقة مباشرة وصريحة بالضغوطات النفسية الشديدة التي تعرض لها اللاعب مع اقتراب المونديال. خاف "البرغوث" من شبح الإصابة، وقرر عدم المغامرة مع برشلونة، وفضّل اللعب بأريحية دون مجهود مضاعف، حتى يصل إلى حلمه بأعصاب هادئة وعضلات قادرة على العطاء والقتال حتى آخر دقيقة.
لكنه في النهاية فشل في تحقيق حلمه الكبير، وخسر البطولة في النهائي أمام ألمانيا، رغم كل ما فعله منتخب الأرجنتين طوال البطولة من أداء قتالي ونجاحات متتالية من دور إلى آخر. بكل تأكيد، تعرض ليو لصدمة ليست بالسهلة، لكن في النهاية أصبح متحررا تماماً من كافة الوعود التي قطعها على نفسه بوجوب تحقيق كأس العالم.
تُشبه حالة ميسي فكرة الطالب الذي ينتظره اختبار صعب، تجده في حالة نفسية صعبة وتفكير مستمر، سواء كان جاهزا له أو لا فإنه يظل مرتبطا به دون غيره، وبعد الانتهاء من أدائه، يعود إلى حالته الطبيعية سواء حقق ما أراد أو فشل في مبتغاه. والرقم 10 في طريقه للعودة مرة أخرى إلى حالته الطبيعية.
الإصابات
بعيداً عن الحالة النفسية والتحديات الصعبة، فإن ليو يلعب مباريات عديدة سواء مع فريق برشلونة أو منتخب بلاده. ومع غول الكرة الحديثة، أجبرت شركات الدعاية واتحادات المنتخبات الكروية نجومها الكبار على أداء مباريات ودية، لا قيمة فنية لها لكنها مهمة على الصعيد التسويقي والترويجي، وكثرة هذه المواجهات تسبب حملا بدنيا زائدا على الأسماء الكروية اللامعة.
لذلك يجب على اللاعب الوصول إلى درجة تنظيم وتعاون مثمر بين فريقه ومنتخب بلاده. يشارك ميسي بالطبع في المواجهات الكبيرة والمباريات المهمة والبطولات الرسمية، لكن عليه أن يستريح قليلاً خلال الجولات عديمة القيمة الفنية، أو التي تحتاج إلى قطع مسافات طويلة، من أجل توفير أكبر قدر ممكن من الراحة والاسترخاء للاعب.
خرجت تقارير صحافية تؤكد أن ميسي يفكر جديّاً في التركيز أكثر مع برشلونة واللعب فقط خلال المباريات المهمة مع الأرجنتين، ورغم نفي والده الأمر إلا أن ظهور هذه الفكرة إعلامياً وتصدرها المشهد، سوف يُحدث تغييرات جذرية خلال الفترة القادمة في العلاقة بين النجم وواجباته الدولية.
عودة البرغوث
المقارنات ما تزال مستمرة بين دييجو أرماندو مارادونا وليونيل ميسي، ويتفق النجمان في وصول فترة تألقهما العظيمة لما يقارب الأربع سنوات، دييجو في النصف الثاني من الثمانينيات، وميسي في الفترة ما بين 2008 وحتى 2012. وخلال السنوات الأخرى، نجح الثنائي أيضاً لكن ليس بنفس القدر الخيالي وغير المتوقع الذي جعلهما في مكانة خاصة ومختلفة عن بقية أقران أجيالهما.
يحتاج ليو في الفترة القادمة إلى اللعب أكثر كصانع لعب صريح رقم 10 في الملعب، أي اللاعب الذي يتمركز أكثر أمام خط الوسط في العمق وخلف المهاجم الصريح. فكرة أخذها سابيلا من حالة دي ماريا مع بنفيكا قديماً، ليضع الريشة الأرجنتينية في الوسط، ويتحول إلى الجناح من أجل صنع التوازن لميسي في العمق، وهي نفس الحالة التي أخذها أنشيلوتي فيما بعد مع دي ماريا خلال الموسم الماضي، لاعب وسط ثالث يصبح جناحا هجوميا سريعا.
ويحاول لويس إنريكي الوصول إلى هذا التناغم التكتيكي خلال الموسم الحالي عن طريق راكيتيتش، الكرواتي الذي يخلق التوازن في المنتصف، ويقوم بالتغطية الخلفية من أجل صعود ألفيش إلى الهجوم واللعب كجناح أيمن صريح، حتى يتم تثبيت ميسي في العمق فقط أمام الوسط وخلف الرقم 9 في الثلث الهجومي الحاسم.
خلال الدقائق الأخيرة أمام فياريال بالمادريجال، شارك الصاعد ساندرو كمهاجم سريع متحرك في الأمام، ولعب نيمار بشكل حر بين العمق والأطراف مع تقدم ألفيش إلى الهجوم، وتفرغ ميسي لتحريك الفريق من قلب الملعب وصناعة هدف المباراة الوحيد، وهذا هو الدور الذي سيحاول لوتشو دائماً تحقيقه بعد عودة لويس سواريز من الإيقاف.
باختصار، فتح مساحة كافية أمام ميسي حتى يتحرك ويستلم دون ضغط مضاعف، أمر يحتاج إلى توازن تكتيكي ومهاجم رقم 9 ولاعب وسط يجيد الجمع بين مهام الارتكاز والصعود إلى الجناح، ومع الكرواتي راكيتيتش، فبرشلونة ضمن وجود لاعب يجيد مهام الوسط ويسمح لغيره بالصعود إلى الأطراف الهجومية، وكل هذه الأفكار في سبيل واحد فقط، العودة بالبارسا من جديد إلى أبواب التاريخ من خلال إعادة العاشق إلى وطن التألق والإبداع.