تزخر تشكيلة منتخب مالي بعدد من المواهب المتألقة في الملاعب الأوروبية، والتي تحمل آمال منتخب "النسور" في التألق بمنافسة كأس أمم أفريقيا الجارية وقائعها في ساحل العاج، ومن بين هؤلاء اللاعبين أمادو هايدارا وسط ميدان لايبزيغ الألماني.
وسيقصّ منتخب مالي شريط مشاركته في بطولة كأس أمم أفريقيا، الثلاثاء، عند مواجهة منتخب جنوب أفريقيا بملعب "أمادو جون" في مدينة كورهوغو العاجية، وفي مجموعة خامسة تضم كذلك المنتخب التونسي ومنتخب ناميبيا، اللذين سيتواجهان قبلهما وعلى الملعب نفسه.
رغم الحرارة والإصابة هناك إصرار
يملك أمادو هايدارا (25 سنة) قصة مثيرة في مسيرته الكروية التي انطلقت من شوارع بلده الأفريقي، مثلما هو حال العديد من مواهب القارة السمراء التي صنعت وما زالت تصنع أفراح أكبر الأندية الأوروبية، أما هذا اللاعب فقد كان بدوره أحد أبرز اكتشافات أكاديمية الفرنسي الشهير، جون مارك غيو، الذي يملك العديد من الأكاديميات الكروية الأخرى في أفريقيا، على غرار تلك التي أسسها في العاصمة المالية، باماكو.
ووضع أمادو هايدارا وهو طفل صغير النجاح في كرة القدم من أبرز أهدافه المستقبلية، ما دفعه لتجريب حظه في شوارع باماكو ووسط درجة حرارة صيف خانقة، رفقة اثنين وعشرين طفلاً، كانوا يركضون حفاة فوق أرض غير مستوية ويتصببون عرقاً على قمصانهم، وكل هذا من أجل إقناع مامادو واد مساعد الكشاف الفرنسي، جان مارك غيو، الذي للتذكير كان وراء الأكاديمية التي كونت الجيل الذهبي لمنتخب ساحل العاج، يتقدمهم الثنائي الأسطوري ديديه دروغبا ويايا توريه.
وفي تلك التجربة، كان أمادو هايدارا الاسم الوحيد الذي خطف اهتمام مامادو واد، حيث قال وفقاً لتصريحات لموقع "فيرست تايم فينش" البريطاني: "كان أمادو جيداً جداً في تلك التجارب، في البداية كان يُعاني من آلام ما جعله يعرج، ولكن على الرغم من ذلك كان يركض في كل مكان، يلعب في الخلف ويقود الكرة للأمام، تقنياً كان مُبهراً، وقلت في نفسي هذا الصبي جيد جداً، سوف آخذه".
وأضاف مامادو واد في تصريحاته استمر في الركض وسط ذلك الألم، لقد كان مثيراً للإعجاب للغاية، لقد لعب من أجل المتعة مع مجموعة من الأطفال ورأيت لديه العديد من الصفات، لذلك تحدثت معه بعد تلك المباراة وطلبت منه الحضور إلى الأكاديمية وعرض مهاراته أمام أعين المسؤول الأول جان مارك غيو، صحيح اللاعب حضر لكن حدث هذا بعد 3 أشهر كونه كان خائفاً".
والده آخر من يعلم والنبوءة تتحقق
يواصل مامادو واد سرد قصة اكتشاف اللاعب أمادو هايدارا، وهذه المرة بعد أن توجه صوب منزل عائلة اللاعب، فقال "بعد المباراة التجريبية ذهبت لرؤية عائلته، هو لديه والد مسلم متدين للغاية، أما أمادوا فقد كان يقضي أيامه خارج المنزل ليلعب كرة القدم دون علم والده، لقد أخبرته أن ابنه نجح في تجارب أكاديميتنا وهو يملك القدرات ليصبح لاعباً كبيراً، لكن الوالد ظهرت عليه الدهشة حقاً".
وكانت ردة فعل والد أمادو هايدارا بقوله "ابني لاعب كرة قدم؟ أعرف أنه يحبها لكني لم أره يلعب أبداً، إذا كنت تريد اصطحابه للأكاديمية فأنا لست الشخص المناسب للحديث عن هذا الأمر، فوالدته تشجعه على ذلك، سأتصل بها لاتخاذ القرار".
ثم عاد مامادو واد ليتحدث مضيفاً "لقد تأثرت والدته حقاً بالخبر، لقد جاءت وجلست معنا وأخبرناها بقصة نجاح ابنها وأكدت لنا أنه لا مشكلة في ذلك، بل الأكثر من هذا رأينا أن لديها ثقافة كروية وتحدثت عن الجودة التي يملكها وتؤهله للعب كرة القدم".
وقبل أن يُغادر أمادو واد منزل عائلة هايدارا قام بسحب الوالد جانباً وأخبره بقوله "في غضون سنوات قليلة سيكون هناك الكثير من الناس أمام منزلك، لأن الناس سوف يأتون إلى هنا لرؤية ابنك، ضحك الوالد لكن لا أعتقد أنه كان واثقاً من حدوث الأمر".
في النهاية تحققت نبؤة الكشاف مامادو واد، حيث في عام 2015 كان أمادو هايدارا النجم الأول لمنتخب مالي الذي وصل إلى نهائي كأس العالم لأقل من 17 سنة، وانهزم أمام نيجيريا، هذا الإنجاز غير المسبوق لمنتخب "النسور" جعل الشعب المالي مبتهجاً، ودفع الكثير منهم للتوجه إلى منزل نجم لايبزيغ الألماني ورؤيته عن قرب، وخلالها اتصل والده بالكشاف أمادو واد وأخبره قائلاً: "إن ما قلته سابقاً أصبح حقيقة اليوم، بيتي مليء بالناس بسبب ابني".
انتقال صدفة
قرر مامادو واد العمل على تسويق اللاعب أمادو هايدارا صوب أحد الأندية الأوروبية، فأجرى اللاعب تجارباً مع نادي غرناطة الاسباني وفي فرنسا مع موناكو وبوردو ورين لكنها لم تُكلل بالنجاح إلى غاية انتقاله إلى سالزبورغ النمساوي عام 2016.
وصف واد هذا الانتقال بالصدفة، فقال عنه "لقد شاهده كشافو سالزبورغ وهو يلعب في بطولة أقيمت بالسنغال بعد كأس العالم لأقل من 17 عاماً، لقد أعجبوا به كثيراً، ومن حسن الحظ أن تأشيرة سفره إلى أوروبا بقيت منها أيام قليلة، فعملنا أن لا نضيع هذه الفرصة، وبعد يومين تلقيت اتصالاً من رئيس النادي الذي أكد لنا ضم اللاعب".
وبعد موسمين من التألق في الدوري النمساوي كان المسار الطبيعي للاعب أن يتحول إلى نادي لايبزيغ الألماني، كونهما ينتميان لنفس الشركة "ريد بول"، وهو يعتبر حالياً أحد أهم اللاعبين في الفريق منذ عام 2018.