يقال إن الوصول إلى القمة أسهل من البقاء فيها، وهو المثل الذي ينطبق على الثنائي العربي، الجزائري رياض محرز والمصري محمد صلاح، فبعد مواسم تعد على الأصابع في القمة يأتي بعدها السقوط الحر والعودة إلى نقطة الصفر والبحث عن إعادة المجد الضائع.
محرز الذي شغل العالم شغفاً بالمستوى الذي أبانه في الموسم الاستثنائي مع نادي ليستر سيتي، من مراوغات مبهرة، وأهداف حاسمة وأطباق الذهب تصنع الفارق ذاهبة بكرات جاهزة للتهديف، مستوى مميز جعله يتربع على عرش الكرة الإنكليزية ويتوج ملكا في مهد كرة القدم.
الأمر ذاته بالنسبة لصلاح الذي خطف الأضواء في موسمه الماضي مع نادي ليفربول، انطلاقات أسرع من البرق، أهداف حاسمة وغزيرة وكرم متبادل مع فيرمينيو وماني، قاد من خلاله ناديه ليفربول إلى العودة لمصاف الكبار ببلوغ نهائي رابطة الأبطال، هذا المستوى نصّبه هو الآخر كأحسن لاعب في الدوري الإنكليزي وخلف محرز على عرشه.
هذا التداول على عرش الكرة الإنكليزية، جعلنا كعرب نحلم بأن نمتلك نجمين يتنافسان في تحطيم أرقام بعضهما بعضاً، فيسقط كبار الكرة الإنكليزية بين أيديهما، ويكتبان تاريخاً جديداً لأرقام صمدت لسنين عدة، جعلنا نمني النفس بأن ينتقل التنافس بين ميسي ورونالدو في الدوري الإسباني إلى الدوري الإنكليزي، وتنتقل لغة الأرقام من الليغا إلى البريميرليغ.
رونالدو وميسي ساهم كلّ منهما في كتابة تاريخ الآخر من دون أن يشعر، هو التنافس المبني على غريزة التصدر والانفراد التي تولد مع الإنسان، فعمل كل واحد على تجاوز الآخر، ما زاد التنافس بينهما وانعكس على الأرقام، ليتغير عدد أهداف الليغا ويصبح تحت أقدام ميسي، وتغير أرقام عداد رابطة الأبطال لرونالدو، ولولا هذا التنافس ما كان لأحد منهما أن يبلغ ما بلغه.
نعم التنافس بينهما كان محتدماً، لكن الأمر الأكثر تميزاً هو الثبات في القمة، فقد حافظا على أرقامهما الكبيرة ومستواهما المميز لسنوات متعددة من دون أن يتأثرا بأي شيء، حتى مشاكلهما الشخصية ولا مشاركتهما السيئة مع منتخبيهما في بعض الأحيان، ولا الهجوم الإعلامي، حتى مشاكل الضرائب لم تزحزح أحدهما عن تقدم السباق نحو عرش الكرة.
هذا الأمر على ما يبدو هو ما يعيب لاعبينا العربيين، فكأن الصعود من القاع نحو القمة يجعل شهيتهما تغلق بقوة، وكأن خزانة المجد لديهما لا تسع إلا القليل، من دون أن يبحثا عن توسيع معدة المجد لديهما ولا فتح رفوف جديدة في خزائنهما، والتأثر السريع بالنجومية التي تكاد أن تكون مؤقتة، في ظل التراجع الرهيب لهما هذا الموسم، ومواسم أخرى قد خلت.
في قواميس الراسخين في تاريخ الساحرة المستديرة، فإن الثبات في القمة هو أهم ما يكتب التاريخ الذي لا يزول، فريال مدريد حافظ على نفسه ككيان كروي خُلق لحصد الألقاب، وبرشلونة من دوّن نفسه كفريق جاء ليقدم المتعة الكروية، وميلان ولد وظل محافظاً على نفسه ككبير لإيطاليا، وكذلك العديد من اللاعبين على غرار زيدان الذي يأبي في كل مرة الخروج من القمة والحفاظ عليها مهما تغيرت السنين، الأمر نفسه مع ميسي، وكريستيانو، ومارادونا، وبيليه، رونالدو وغيرهم من الأسماء التي خلقت للمجد وخلق المجد من أجلها، فمتى نتمكن من الأيمان بأنفسنا والبحث عن البقاء في القمة، لا ملامسة المجد ثم السقوط على الأرض.