بعد خروج الأرجنتين في ثمن نهائي مونديال 2018، كتبت في إحدى مقالاتي بأن "ميسي لن يفوز بكأس العالم دون حارس بارع ودفاع قوي"، وأن "الفوز بكأس العالم يقتضي شروطاً لا تتوفر في الأرجنتين اليوم"، وبعد أربع سنوات عادت الأرجنتين بحارس بارع ودفاع متماسك، فاز قبل سنة في البرازيل بكوبا أميركا، فدخل كأس العالم فيفا قطر 2022 بثقة كبيرة، وتحفيز إضافي نصّبه مرشحاً للفوز بالبطولة الأخيرة لميسي، الذي كان يدرك بأنها فرصته الأخيرة لكي تتوقف مقارنته بمارادونا من جهة، ورونالدو من جهة أخرى، وذلك رغم خسارته المفاجئة في مباراته الأولى أمام السعودية، قبل أن يعود بقوة أمام بولندا والمكسيك، ويتصدر مجموعته ثم يتخطى أستراليا وهولندا وكرواتيا في المباريات الإقصائية، التي أظهر فيها رفقاء ميسي شخصية قوية.
أما في المباراة النهائية فقد لبس الأرجنتين ثوب البطل منذ البداية بتفوقه في كل الصراعات الثنائية، وتحكمه في الكرة وفرضه لنسق اللعب الذي أراده، فكان تسجيل ميسي هدفه السادس في البطولة من ركلة جزاء دافعاً قوياً للقائد وكتيبته، التي تمكنت من إنهاء الشوط الأول بهدف ثانٍ من هجمة معاكسة شارك فيها خمسة لاعبين بلمسة واحدة، وصلت إثرها الكرة إلى دي ماريا، الذي كان مفاجأة المدرب ليونيل سكالوني بإقحامه أساسياً، وفي الجهة اليسرى على غير العادة، فكان المتسبب بركلة الجزاء ومسجل الهدف الثاني، قبل أن يخرج في منتصف الشوط الثاني، اعتقاداً من المدرب بأن الأرجنتين فازت باللقب، قبل أن تنقلب الموازين في العشر دقائق الأخيرة من الوقت الرسمي ويعود المنتخب الفرنسي ويعدل النتيجة بشكل دراماتيكي.
في الشوطين الإضافيين كان الكثير يعتقد أن الأرجنتين انهارت بدنياً، وميسي فقد الأمل في التتويج، خاصة مع التغييرات التي أحدثها المدرب الفرنسي ديديه ديشان بإخراج أوليفير جيرو، غريزمان، وديميبلي، لكن ظهر العكس عندما أخرج الأرجنتينيون نفساً إضافياً، ولياقة بدنية وروحاً عالية مكنتهم من تسجيل الهدف الثالث بفضل ميسي، قبل أن يعادل مبابي في سيناريو غريب وعجيب، كاد فيه كل منتخب يحقق الفوز في الدقائق الأخيرة، التي أتيحت فيها فرص لكلا المنتخبين تألق فيها الحارسان هوغو لوريس وإيمليانو مارتينيز الذي أبدع في نهاية اللقاء، وتميز بركلات الترجيح، وهما الإبداع والتميز اللذان كانا ينقصان الحارس الأرجنتيني في مونديال روسيا 2018، رغم وجود ميسي في أفضل أحواله.
صحيح أن فرنسا كان بإمكانها حسم النتيجة في نهاية التسعين دقيقة أو الوقت الإضافي بفضل كومان وتورام ومواني، لكن تألق الحارس ودفاعه الملتف حول أوتاماندي، والعمل الجبار الذي قام به فرنانديز وديبول، ووجود ليونيل ميسي فوق أرضية الميدان، حتى ولو منهاراً بدنياً، كلها عوامل ساهمت في تحقيق لقب يفر من الأرجنتين منذ 36 سنة، ونحس يطارد ميسي مع الأرجنتين كل مرة، وهاجس يلاحقه، لم يتمكن من تحقيقه إلى أن اجتمعت ظروف أخرى ذاتية مرتبطة بمنتخب الأرجنتين، وموضوعية بعد خروج ألمانيا والبرازيل والبرتغال دون أن تعترض طريقه بشكل مباشر، لكن مع ذلك وجد صعوبات للإطاحة بهولندا في ربع النهائي وكرواتيا في نصف النهائي بفضل ميسي الذي سجل في 6 مباريات وحطم الرقم القياسي في عدد المشاركات، وعدد الأهداف الأرجنتينية في نهائيات كأس العالم.
أخيراً ميسي عانق المجد وسجل اسمه بأحرف من ذهب في تاريخ كأس العالم والكرة العالمية وفتح باب الخروج الدولي واسعاً، وهو بطل وملك وفتى ذهبي في أعين الأرجنتينيين وعشاق اللعبة في العالم، الذين توقعوا وتمنوا له التتويج باللقب، لأن الإخفاق كان سيبقى يطارده رغم كل الجوائز التي نالها والألقاب التي أحرزها في مشواره الكروي الاستثنائي، ولكم أن تتصوروا حالته لو فشل في آخر فرصة له!!