ماورو بروسبيري.. قصة عداء فُقد في صحراء المغرب ونجا من الموت

26 ديسمبر 2021
العداء الإيطالي ماورو بروسبيري (العربي الجديد/Getty)
+ الخط -

يشتهر ماراثون الرمال الذي يقام كلّ عام في المغرب، بمشاركة أبرز العدائين على مستوى قدرة التحمّل، للتواجد بسباق السير على الأقدام الذي يمتد لـ250 كيلومتراً خلال 6 مراحل، تحت أشعة الشمس الحارقة، والأيام الشاقة، التي تمزج مساحات من الكثبان الرملية والجبال الصخرية والمناظر الطبيعية الخلابة.

العداء الإيطالي ماورو بروسبيري، كان مصمماً على الفوز في نسخة 1994، على عكس شريكه جيوفاني مانزو، الذي كان يحاول تقديم نفسه، في هذا السباق، لكن عاصفة رملية استمرت 6 ساعات، وغيرت طبيعة الكثبان الرملية، أربكت حساباته.

بروسبيري، ولد في روما عام 1955، وعمل كضابط شرطة في جزيرة صقلية، كان رياضياً مارس التخصصات الخمسة للخماسي الحديث: المبارزة، القفز الاستعراضي، السباحة، الرماية بالمسدس والجري.

واستعد بروسبيري بشكل مميز للمشاركة في أول دورة ألعاب أولمبية له في موسكو 1980، لكن مقاطعة الدول الغربية لغزو الاتحاد السوفياتي أفغانستان، دفعت العديد من الرياضيين إلى عدم المشاركة.

وانتظر حتى الأولمبياد التالية، في لوس أنجليس 1984، حيث كان احتياطياً، وعلى الرغم من عدم مشاركته، حصل فريق الخماسي الإيطالي الحديث الذي شُكل من دانييلي ماسالا وبيير باولو كريستوفوري وكارلو ماسولو، على الميدالية الذهبية.

  • ماراثون الرمال

اتخذ بروسبيري قرار المشاركة في ماراثون الرمال دون استشارة زوجته، التي تركها مسؤولة عن أطفاله الثلاثة، للشروع في مغامرة بنتائج غير مضمونة.

وتم تسجيل مشاركة ما يصل إلى 1300 رياضي في نسخة 1994، شارك منهم 134 فقط بالسباق الذي شهد حالة وفاة لعداء فرنسي أصيب بنوبة قلبية في عام 1988، فيما سيطر عليه الرياضيون المغاربة في منافسات الرجال، والفرنسيون بالنساء، مع فائزة إسبانية في عام 2010، وهي مونيكا أغويلار.

الصورة
https://twitter.com/mocost/status/537974835209850880
ماورو بروسبري عاش أزمة كبيرة بصحراء المغرب (تويتر)
  • اليوم الرابع المشؤوم

مع وجود عدد قليل جداً من المشاركين في صحراء تمتد لمساحات شاسعة، خرج مانزو وبروسبيري مع الآخرين في بداية كل مرحلة، ولكن مع تقدمهم، تقلّص حجم المنافسين، وفي المراحل الثلاث الأولى وصلوا إلى خط النهاية بشكل منفصل.

المرحلة الأولى، كانت في 11 إبريل/ نيسان 1994، وعلى مسافة 29 كيلومتراً عبر التضاريس الصخرية، وعبور أجزاء من الصحراء وانتهت عند بعض الجبال.

وفي اليوم الثاني من السباق، أكمل المتسابقون مسافة 40 كيلومتراً، بالمناطق الصخرية والكثبان الرملية، وفي اليوم الثالث تقدمت الجولة عبر الكثبان الصحراوية التي تغطي 30 كيلومتراً، وفي اليوم الرابع كانت الرياح أقوى، واحتاج العدائون ما بين 10 و36 ساعة لإكمال مسافة 85 كيلومتراً بين نقطة البداية والنهاية.

وبدأت درجة الحرارة في الارتفاع، حيث عند الظهيرة كانت تقترب من 45 درجة، وبعد الساعة الواحدة بعد الظهر بقليل، توقف بروسبري عند نقطة الاستراحة الثالثة، للحصول على زجاجتين من الماء، وعالج رفيقه مانزو إصابة طفيفة في قدمه، من ثم واصلوا طريقهم ولكن عاصفة رملية اندلعت، أدت إلى انعدام الرؤية لمدة ست ساعات، خفت عندما حل الليل، حيث كان مانزو قد لجأ إلى نقطة الاستراحة الرابعة ، لكن لم ترد أنباء من ماورو.

  • هكذا كانت النجاة

صعد بروسبيري إلى أعلى الكثبان الرملية، على أمل البدء في رؤية بعض الدلائل، لكن مفاجأته كانت كبيرة، عندما اكتشف أن المشهد قد تغير تماماً، ليقرر أن يتتبع خطواته للعودة إلى الاستراحة الثالثة، بعد أن أدرك أنه ضاع.

في اليوم الثاني من تجواله في الصحراء، سمع ضجيج طائرة مروحية، أخرج الشعلة وألقى بها، لكن مدى الرؤية كان قصيرًا نوعًا ما، وفي فجر اليوم الثالث اكتشف عشًا به ثلاث بيضات اضطره الجوع إلى أكلها، وعلق على الرمال، العلم الإيطالي الذي كان يحمله، على أمل مرور مروحية الإنقاذ.

صعد بعد ذلك إلى أعلى قمة رملية، ووجد مستعمرة من الخفافيش، أمسك بالقليل منها وقطع رؤوسها، وبسكين أزال أحشائها ليشرب دماءها، وفي ذلك اليوم، وصل المشاركون في ماراثون الرمال إلى المرحلة الأخيرة من السباق.

  • محاولة الانتحار

بزغ فجر يوم 18 إبريل، ومن إيطاليا، نظم روبرتو شقيق ماورو مجموعة إنقاذ مع أصدقاء آخرين في الشرطة للسفر إلى المغرب للبحث عنه.

من جانبه، سمع ماورو صوت محرك طائرة، التقط مصباح الإضاءة، لتشغيله لكن الجهاز لم يعمل، ثم كتب "HELP" لكن الرياح العاصفة محت الحروف.

وبعد أن شعر باليأس، أخذ قطعة من الفحم، وكتب خطاباً أخيراً لزوجته، يعتذر فيه عن جرأته وكونه زوجاً وأباً سيئاً، بينما كان متكئاً على الحائط، التقط سكينه وحاول قطع معصمه الأيمن، لكن الدم لم يخرج، لأنه كان كثيفاً جداً بسبب الجفاف الذي حصل لجسمه.

  • الطوارق

بعدها رأى أنه لا يزال على قيد الحياة، ليقرر أن يواجه الصحراء وحده، بدأ في المشي بنفس اليوم الذي غادر فيه جميع العدائين البلاد للعودة إلى منازلهم.

ومع استنفاد الطعام المجفف الذي كان بحوزته، تمكن ماورو من صيد فأر وثعبان، فيما كانت وجبته مصحوبة بخنافس وبعض جذور النباتات، لتوفر له بعض القوة.

وكان لا يزال محظوظاً، بعد أن قابل في طريقه واحة للمياه، ولكن قبل أن يندفع إلى الشرب، أدرك أن معدته لن تتقبل، ليقرر أن يأخذ رشفات صغيرة.

في صباح اليوم التالي، سار مرة أخرى باحثاً عن بعض دلائل الحياة، ومن أعلى تل، ظهرت فتاة تبلغ من العمر حوالي 8 سنوات ترعى قطيعاً من الماعز، طلب ماورو منها المساعدة، لتعود الفتاة إلى جدتها وقاموا بجلبه الى خيمتهم، حيث اتضح أنهم الطوارق، حيث قدموا له الشاي بالنعناع وحليب الماعز، من ثم قاموا بحمله على جمل ونقلوه إلى مركز للشرطة.

  • متهم بالجاسوسية

بعد الوصول للشرطة، اتهموه بأنه جاسوس، حيث قرروا نقله إلى قاعدة عسكرية لبدء التحقيق معه، وفي مرحلة ما أثناء الاستجواب، أخبرهم ماورو أنه رجل شرطة في إيطاليا، وعندها سأله ضابط عما إذا كان ماورو بروسبيري، العداء المفقود، استغرب سماع اسمه، قبل أن ينقض الضابط عليه ويقول له: "مرحباً بك في الجزائر. لقد تلقينا بلاغاً عنك من السلطات المغربية. سنوصلك إلى المستشفى على الفور".

رياضات أخرى
التحديثات الحية
  • التعافي

في مستشفى بجنوب غرب الجزائر، تعافى ماورو من الأيام التسعة التي قضاها في الصحراء، حيث فقد 20٪ من كتلة جسمه، بخسارة 14 كيلوغراماً، وتمكن من التحدث مع زوجته قبل أن ينقل إلى روما حيث تم استقباله كبطل، على الرغم من أنه لم يحصد أي جائزة.

الشكوك حامت حول ماورو، حيث اتهمه البعض هو وزوجته، بالرغبة في الحصول على المال من قصته هذه، وأنه زيّف أثر اختفائه، لكن في عام 1995، صنع عن هذه الحادثة فيلم وثائقي.

المساهمون