كيف عشت "أطوار" مباراة الجزائر والكاميرون..

31 مارس 2022
منتخب الجزائر فشل في التأهل إلى مونديال قطر (Getty)
+ الخط -

كان قلبي مقبوضاً منذ صبيحة مواجهة العودة بين الجزائر والكاميرون في تصفيات كأس العالم، وهي مشاعر عادة ما تنتابني في المواعيد الكروية الكبرى للمنتخب الجزائري، لذلك لم أكتب أي منشور في حساباتي على وسائط التواصل الاجتماعي عن المنتخب الجزائري إلى غاية نهاية اللقاء، في سيناريو يستحق الذكر لأتقاسم مع إخواني مرارة الإقصاء التي تجرعها الجزائريون، ومشاعر الفرحة والحسرة في اللحظات الأخيرة التي كان فيها المنتخب الجزائري على بعد ثوان من ضمان التأهل، قبل أن يضيف المنتخب الكاميروني الهدف الثاني على ملعب لم يخسر فيه الجزائريون عبر التاريخ، وعندما تعرضوا للخسارة خرجوا من عرس عالمي كانوا يستحقون المشاركة فيه.

ساعة قبل انطلاقة مباراة الجزائر كنت على موعد مع التعليق على مباراة فاصلة أخرى بين بولندا والسويد في التصفيات نفسها، ومع بداية شوطها الثاني انطلقت مباراة الجزائر والكاميرون، فقررت غلق جهاز الهاتف وعدم متابعة ما يحدث في البليدة إلى غاية نهاية المباراة التي كنت أعلق عليها، وبعد نهايتها صعدت إلى مكتبي لأكتشف أن منتخب الكاميرون متفوق بهدف مقابل صفر عند الدقيقة الخمسين، سألت زملاء لي كانوا يتابعون المباريات في قاعة التحرير فقالوا لي إن الوضع عادي، والمنتخب الجزائري ضيع بعض الفرص للتسجيل، وأن الحكم متحايل نسبياً في حق الجزائريين، فقررت مغادرة مقر القناة، لأنني لم أكن قادرا على الجلوس مثل الناس ومتابعة المباراة بعدما ازداد خفقان القلب وارتفعت درجة حرارتي.

في الطريق اتصلت بابني محمد وسيم للاطمئنان عليه، وخاصة أنه لا يقل شغفا عني، ويتأثر كثيرا للخسارة، بعدما تعود على الانتصارات والأفراح، وهو الذي كان يخطط لمعايشة مونديال يشارك فيه المنتخب الجزائري من الآن، بعدما رافقني أيضا في عملية شراء تذاكر مباريات المنتخب الجزائري في كأس العالم، فطلبت منه ألا يكلمني إلا عندما يسجل المنتخب الجزائري هدف التعديل.

وقد بقي من عمر المباراة نصف ساعة، قضيتها في الطريق بسيارتي دون أدنى تواصل مع حساباتي في شبكات التواصل الاجتماعي، وبعد انتهاء النصف ساعة اتصلت بابني لأسأل فقال لي إن التسعين دقيقة انتهت والمباراة ذهبت إلى الوقت الإضافي، وهو ما يطيل من عمر التشويق والقلق، ومع ذلك لم أشعر بالرغبة في مشاهدة المباراة على جهاز المحمول، وواصلت الطريق دون معرفة اتجاهي.

بعد حوالي 10 دقائق من بداية الوقت الإضافي اتصلت بي الزوجة لتخبرني بأن سليماني سجل هدف التعادل، لكنني سمعت الولد يقول لها إن الحكم قرر اللجوء إلى تقنية الفيديو، فبقيت معلقاً بالهاتف أنتظر إلى أن أخبرتني بأن الحكم رفض الهدف بحجة لمسة يد، وهنا بدأت أفكر في ما أكتبه وأقوله في حال الخسارة، ما دام الحكم رفض هدف التعديل، لأنه لم يبق الكثير.

ولم أكن أعرف ما يحدث فوق أرض الملعب إلى أن رن الهاتف مجدداً بعد عشرين دقيقة لتقول لي زوجتي بأننا سجلنا هدف التعادل، ولم يبقَ سوى دقيقة واحدة، فأردت معرفة مدة الوقت بدل الضائع الذي احتسبه الحكم، وقيل لي إن أربع دقائق مرت طويلة، فقررت معاودة الاتصال مرة أخرى ليفاجئني ابني بالبكاء. أدركت بعدها أن الكاميرون سجل هدفاً ثانياً في الثواني الأخيرة، فتوقفت بسيارتي ألتقط أنفاسي بصعوبة.       

لم أصدق السيناريو، فدخلت مباشرة إلى حساباتي في مواقع التواصل الاجتماعي لأكتشف صوراً وتعاليق صادمة دفعتني للقيام بواجبي المهني والأخلاقي بكتابة أول رد فعل للتعبير عن أسفي، وفي الوقت نفسه تقديم شكري وامتناني للمدرب واللاعبين والجماهير الذين لم يقصروا، والتأكيد على ضرورة الحفاظ على أعصابنا ومعنوياتنا، وتقدير جميل منتخبنا الذي منحنا أفراحاً كثيرة على مدى سنوات، لا يمكن إنكارها ولا يجب نسيانها حتى ولو كان ثمن الخسارة هو الغياب عن مونديال قطر بمدرب وجيل ومناصرين كانوا يستحقون المشاركة في العرس العالمي، لكنها أحكام الكرة التي يجب الخضوع لها بحلوها ومرها.

ما عشته البارحة لا يختلف عما عاشه عامة الجزائريين، لأن منتخبهم كان أفضل بكثير من عديد المنتخبات التي تأهلت إلى المونديال، لكن ذلك لن يمنعهم من مواصلة مشوار الحياة لتحقيق غايات وأهداف أخرى نبيلة في كل المجالات، لأن الحياة تستمر..  

المساهمون