لو قلنا شكراً لقطر على الحفاوة والاحتفاء، وشكراً للجزائر على الجدارة في التتويج، وقلنا شكراً لمنتخب تونس على الأداء البطولي، ولو سردنا كل آيات الثناء على المنتخبات والجماهير والإعلاميين، لما وسعت كلّ الصحف والمجلات والمواقع، لأن الذي عشناه على مدى تسعة عشر يوماً كان حلماً ولا يمكن أن يكون حقيقة عشناها منذ حفل الافتتاح إلى الاختتام، على كلّ المستويات الفنية والتنظيمية والجماهيرية التي أعطت لكأس عربية كانت في غرفة الإنعاش نفساً جديداً لا يجب أن يتوقف، لأن المتعة التي منحتها لنا لا تضاهيها متعة أخرى، شعر بها المتوج والخاسر معاً، وشعرت بها كلّ المنتخبات المشاركة وجماهيرها بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ الكرة العربية، التي كشفت عن قدرات مهارية وفنية توازي قدرات قطر الإبداعية في كتابة التاريخ بأحرف من ذهب.
شكراً لقطر أولاً على تنظيمها الرائع ونجاحها الباهر في اختبار قدراتها الكبيرة على احتضان البشرية والإنسانية في بلد صغير جغرافياً، لكنه كبير بقلوب وعقول ونفوس أهله الطيبين الذين جعلوا من عيدهم الوطني عيداً عربياً، بل عالمياً يتحدث عنه الغريب والقريب على حد سواء، يبقى خالداً في أذهان من شاهده على شاشات التلفزيون أو شهده وعايشه سواء في المدرجات أو على ميادين الملاعب العجيبة، أو في كاتارا، سوق واقف ومشيرب وكورنيش الدوحة، وفي كلّ المجمعات والمرافق التي احتضنت الفعاليات المرافقة الحدث بامتياز ليس له نظير، وربما لن يتكرر في المستقبل القريب لأنه ليس وليد اللحظة أو الصدفة، بل هو نتاج إرادة سياسية كبيرة، وسنوات من الجهد والتضحيات غرسها في نفوس شعبه سمو الأمير الوالد منذ تسعينيات القرن الماضي، عندما استثمر في الذكاء والفكر والعلم والجيل الصاعد.
شكراً للمنتخب الجزائري على أدائه البطولي والرجولي، وتتويجه المستحق بفضل روح الإصرار التي ظهرت على عناصره، فتفوقت على أقوى المنتخبات واستحقت التاج بجدارة بعد مباراتها الكبيرة أمام مصر في دوري المجموعات، وفوزها على المغرب أقوى المنتخبات في ربع النهائي، ثم منتخب البلد المنظم قطر في نصف النهائي، قبل أن تختمها بمباراة بطولية في النهائي على حساب تونس في ديربي مغاربي وعربي ذي مستوى عالمي كان في مستوى التطلعات الجماهيرية، ارتقى فنياً وبدنياً إلى مستوى المباريات العالمية الكبيرة، كان فيه المنتخب الجزائري بطلاً بامتياز بحضور ثلاثة لاعبين فقط من الأساسيين في المنتخب الأول، لكن بنفس الروح والرغبة في الفوز، وهو العامل الذي لم يعد يقل شأناً عن كلّ العوامل الفنية والتكتيكية والبدنية.
نقول أيضاً شكراً للمنتخب التونسي الذي كان فعلاً بطلاً حتى ولو من دون تتويج باللقب، لأنه حول الصدمة، على حد تعبير مدربه منذر لكبيّر بعد مواجهة سورية، إلى هبة أطاحت الإمارات والأردن ومصر، وكادت تطيح الجزائر في مباراة متكافئة كانت مفتوحة على كلّ الاحتمالات، لو فاز بها، لكان الفوز مستحقاً بفضل جيل ينشط في الدوري المحلي وبعض الدوريات العربية، يملك المواهب والقدرات، ويلعب بروح قتالية عالية، ويدافع عن ألوان بلاده بشراسة لا تختلف عن شراسة الجزائريين، فنقل الكرة التونسية إلى مستوى آخر يبشر بمستقبل زاهر في كأس أمم أفريقيا القادمة، وفي المباراة الفاصلة المؤهلة لكأس العالم 2022 في قطر، ويزيد الكرة المحلية قوة وصلابة.
شكراً لكل الجماهير العربية التي التحمت في المدرجات وقدمت صورة حضارية جميلة كانت في مستوى تطلعات المنظمين، الذين وفروا لها كل أسباب الراحة، وجعلوها تعيش فرحة ما بعدها فرجة، في أحضان شعب مضياف تعرّف بالمناسبة على ثقافات وعادات وتقاليد بقية الشعوب العربية، وقربهم بعضهم من بعض بشكل لم تفعله السياسة ولا الثقافة ولا اللغة، فكان كل شيء جميلاً في المدرجات والشوارع ومختلف المرافق التي استمتعت بها الجماهير الوافدة على قطر طيلة أيام البطولة.
شكراً لكم جميعاً على الأيام والليالي التي تضاهي أساطير ألف ليلة وليلة، ستبقى راسخة في أذهاننا، تبشر بمونديال ولا في الأحلام، وبآفاق تتطلع إليها شعوبنا التي تعبت من تداعيات الجهل والفقر والظلم والفساد المتفشي في أوساط أنظمة، أرهقت مجتمعات وشعوب عربية هي في حاجة إلى من يحكمها بحكمة ويرتقي بها، وليس إلى من يتحكم فيها وينهب خيراتها.