مرّ عامان على وفاة ذلك الشاب القادم من بلاد الفضة إلى أوروبا وراء المجد والشهرة. كان إيميليانو سالا يحلم بخوض تجربة جديدة في عالم كرة القدم حين ترك فرنسا ونادي نانت متجهاً نحو الدوري الإنكليزي الممتاز للعب في صفوف نادي كارديف سيتي.
لم يعلم سالا يوم استقلّ تلك الطائرة التي عبَرت بحر المانش، أنّ نهايته ستكون مأساوية إلى هذا الحدّ، هناك استقرَّ في بحر المانش، ليتم العثورُ على جثّته بعد أيام من البحث، قبل أن يُعلن عن وفاته على إثر ذلك يوم 21 يناير/كانون الثاني 2019.
سالا اللاعب
ولد سالا يوم 31 أكتوبر/تشرين الأول عام 1990 في بلدة كولولي بمقاطعة سانتافي الأرجنتينية. هناك عاش طفولته في لعب كرة القدم مع نادي مدينته سان مارتين، حتى سنحت الفرصة له للانتقال إلى نادي بوردو الفرنسي في عام 2010 للعب مع فريق الشباب هناك.
ظهوره في الإعلام كان بين الفينة والأخرى، لكنه تحدّث عن تلك الطفولة في عام 2018 خلال مقابلة مع قناة "تي واي سي" الأرجنتينية. وقال حينها "كانت عملية انتقالي إلى بوردو صعبة، جئت إلى بلدٍ بعيدٍ عن أسرتي، خاصة أنني كنت صبياً، وكان الأمر مختلفاً بسبب اللغة والعادات والتقاليد، حتى كرة القدم تختلف هنا في فرنسا، كانت أياماً صعبة، لم يكن الأمر سهلاً على الإطلاق، لكنّ الحل كان دائماً بأن لديّ حلماً أريد مطاردته والوصول إليه".
في موسم 2012-2013، انتقل على سبيل الإعارة إلى فريق أورليانز، وخاض بقميص الأخير 37 مباراة، سجل خلالها 19 هدفاً، ليرحل على إثرها إلى فريق نيورت على سبيل الإعارة أيضاً، ولعب معه 37 مباراة مُسجلاً 18 هدفاً.
في عام 2015، وقّع سالا عقداً مع نادي كان الفرنسي وخاض بقميصه 13 مباراة مُسجلاً خمسة أهداف، مما فتح الباب أمامه للانتقال إلى نادي نانت، الذي لعب معه أربع سنوات، برز فيها ولفت الأنظار، وذلك بعدما شارك في 120 مباراة سجل خلالها 42 هدفاً، مما جذب أنظار نادي كارديف سيتي.
وجدت إدارة نادي نانت، نفسها مضطرة للسماح له بخوض تجربة جديدة مع فريق كارديف، بعدما دفع الأخير مبلغ 15 مليون جنيه إسترليني، وهناك ربما شعر اللاعب الشاب بأن مسيرته التي رسمها في مخيلته قد قاربت على الوصول إلى هدفها.
بحسب تسريبات الصحف خلال تلك الفترة، فإن ريال مدريد الإسباني كان مهتماً باللاعب، لكن بسبب عدم تحرك إدارة الأخير في فترة الانتقالات الشتوية تلك، قرر اللاعب تلقف فرصة اللعب لكارديف سيتي الإنكليزي.
تحقيقات ما بعد الحادث
ظهرت الكثير من التحقيقات والأقوال حول طريقة وفاة اللاعب سالا، لكن شعبة التحقيق في الحوادث الجوية في بريطانيا، تحدّثت بإسهاب أكثر من غيرها عن السبب الذي أودى بحياته.
بحسب ذلك التقرير الذي ظهر يوم 13 مارس/آذار 2020، فإنّ سبب ما حصل يعود إلى فقدان ربان الطائرة ديفيد إيبوتسون (59 عاماً)، السيطرة عليها بسبب السرعة الزائدة التي كانت بحدود 435 كيلومتراً/ساعة حين ارتطمت بسطح الماء.
ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل وبعد إجراء الأبحاث والفحوصات، هناك احتمالٌ لاستنشاق الطيار لأول أوكسيد الكربون، إضافة للاعب، خاصة أنّ الطائرة كانت تحلق بشكلٍ غير ثابت يومها مع الاقتراب من لحظة الارتطام، في محاولة من إيبوتسون لتفادي الأحوال الجوية السيئة، بحسب أليسون كامبل، كبير المفتشين في فرع التحقيق البريطاني في الحوادث الجوية.
الأمر الأكثر غرابة كان يوم كشف المحققون أن الطيار لم يكن يحمل رخصة ملائمة لقيادة ذلك النوع من الطائرات ليلاً، إضافة إلى قيامه برحلات تجارية غير مرخصة مقابل الحصول على المال.
حزن متتالٍ
لم تكن عائلة سالا تتوقع أن يكون عام 2019 ومن ثم 2020 قاسيين إلى ذلك الحدّ، فبعد وداع الولد، رحل والده اللاعب هوراسيو سالا، بعد 3 أشهر من تلك الحادثة المشؤومة.
وتوفي والد سالا بنوبة قلبية عن عمر يناهز (58 عاماً)، في منزله الواقع بمقاطعة سانتا، حينها اتصلت زوجته ليردّ الأطباء في المنزل مؤكدين وفاة زوجها.
لم يتحمّل هوراسيو فداحة الخسارة بعدما دخل في حالة اكتئاب منذ الإعلان عن وفاة نجله، إذ تأثرت صحّته، ونُقل أكثر من مرة إلى المستشفى للعلاج.
وكان والد سالا من الذين أطلقوا حملة للتبرع من أجل مواصلة البحث عن ابنه عندما قررت شرطة غيرنزي التوقف عن عملية البحث، ليتم بعدها ومن خلال المتبرعين جمع أموال لفريق خاص تكفل باستئناف عملية البحث، إلى حين العثور على الجثة في أعماق بحر المانش يوم 7 فبراير/شباط وسط حطام الطائرة.
من أبرز كلمات الوالد يوم رحيل ابنه، والتي ستبقى في ذاكرة الجميع "على الأقل، نحن نعرف الآن أين هو، سيأتي إلينا، سنستطيع وضع وردة على قبره، ونتذكره، إلى الأبد، غير معقول أن يحدث هذا. أنا حزين والجميع كذلك، مشواره كان قصيراً، قصيراً جداً، وتربيته كانت مثالية، لقد كان طفلاً محبوباً لدى الجميع، وإنساناً بسيطاً".